"أوبك" تجتمع غدا لبحث وضع السوق الراهن وقضية الأمين العام
عندما يلتقي وزراء الدول الأعضاء في منظمة الأقطار المصدرة للنفط "أوبك" يوم غد الإثنين في فيينا في اجتماعهم العادي، فإنه سيكون لديهم القليل لعمله. فالمنظمة تنتج نفطا بما يقارب طاقتها القصوى والأسعار لا تزال مستقرة فوق 70 دولارا للبرميل، وسعر سلة "أوبك" للخامات الأحد عشر التي تتعامل بها تراوحت في الفترة الأخيرة بين 63 و65 دولارا للبرميل، بينما متوسط السعر الأسبوعي بلغ 63.83 دولار في الأسبوع المنتهي في الثامن من هذا الشهر مقابل 65.39 دولار في الأسبوع المنتهي في الأول منه. أما متوسط السعر الشهري فبلغ 57.88 دولار للبرميل بالنسبة لمتوسط الشهر المنتهي في الخامس من أيلول (سبتمبر) الجاري، مقابل 57.82 دولار لمتوسط الشهر المنتهي في الخامس من آب (أغسطس) الماضي.
سعر البرميل الذي كان في حدود 25 دولارا للبرميل قبل ثلاث سنوات بالضبط، قفز في آب (أغسطس) من العام الماضي متجاوزا 60 دولارا للبرميل لمدة أسبوع ونصف الأسبوع، ووصل في الثالث عشر من تموز (يوليو) الماضي إلى 78.40 دولار للبرميل بسبب عوامل جيوستراتيجية في المقام الأول، تلخصت في تجريب كوريا الشمالية صواريخ جديدة، واستمرار المواجهة وقتها بين إسرائيل وحزب الله والخوف من امتدادها إلى الدول المنتجة الأخرى للنفط. ورغم هذه المعدلات السعرية العالية إلا أنها تظل أقل بنحو 14 دولارا في البرميل عن المعدل العالي الذي بلغته الأسعار عام 1980 وذلك بعد أخذ عنصر التضخم في الحسبان.
التصريحات المتتالية من مختلف الوزراء حتى الآن أكدت أن موضوعي السعر والسقف الإنتاجي وكذلك الحصص المكونة لهذا السقف لن يتم تناولها بغرض تعديلها خلال الاجتماع. وكان البداية من الوزير النيجيري أدموند داوكورو، الذي أوضح أن معدل الأسعار الراهن، فوق 70 دولارا، يبدو مرضيا، خاصة بعد تراجعه من المعدل القياسي الذي وصله الشهر الماضي وقارب فيه 80 دولارا للبرميل بسبب التوترات الأمنية في منطقة الشرق الأوسط، مضيفا أن المعدل الحالي لم يؤد إلى تأثيرات سلبية تجاه النمو الاقتصادي العالمي، وأن التركيز من ثم ينبغي أن يكون على خفض حجم التقلبات في معدلات الأسعار وتحقيق شيء من الاستقرار، أكثر من الاهتمام بتحديد المعدل السعري الذي تستهدفه المنظمة.
وكرر حسين كاظمبور أردبيلي محافظ إيران في "أوبك"، هذه الآراء بصورة مماثلة عندما أشار إلى أن المنظمة لن تعيد النظر في معدلات الإنتاج الحالية بسبب أسعار النفط العالية، وأن الدول الأعضاء ستستمر في ضخ الإمدادات بالمستويات الراهنة لمقابلة احتياجات السوق. ومعروف أن كلا من إيران ونيجيريا كانتا دائما الأقرب إلى المطالبة باستمرار بتقييد الإنتاج دعما للأسعار.
الأرقام السائدة حتى الآن ومن مصادر ثانوية، أي أنها ليست رسمية سواء من المنظمة أو الدول الأعضاء، أن حجم الإنتاج يقدر له الشهر الماضي أن يكون في حدود 29.92 مليون برميل، بزيادة 60 ألفا عن إنتاج آب (أغسطس)، وذلك وفق مسح قامت به وكالة رويترز للأنباء الأسبوع الماضي. ويعتبر حجم إنتاج "أوبك" خلال آب (أغسطس) هو الأعلى منذ تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي عندما بلغ إجمالي الإنتاج 29.99 مليون، لكن يظل إنتاج الدول الأعضاء العشر عدا العراق والمقيدة بسقف إنتاجي معين يقل عن معدل هذا السقف وهو 28 مليون برميل يوميا. وتمكنت الدول العشر من ضخ إنتاج في حدود السقف وتجاوزه مرتين فقط هذا العام في شهري شباط (فبراير) وآذار (مارس) الماضيين فقط.
وتعود الزيادة في إنتاج الشهر الماضي إلى تحسن الإمدادات من نيجيريا خاصة من حقل بونجا البحري. وكانت شركة رويال داتش شل العاملة في نيجيريا قد أعلنت عن وقف للصادرات من خام بوني في تموز (يوليو) الماضي لأسباب قاهرة وذلك بعد التسرب الذي عاناه الحقل وعطل إنتاج 210 آلاف برميل يوميا. كذلك شهدت فنزويلا تحسنا في إنتاجها بعد استكمال أعمال الصيانة في مجمعات معالجة النفط الثقيل التي تحول خام أورينكو المماثل للقطران إلى زيت يمكن للمصافي معالجته. ومع أن الإنتاج سجل شيئا من التراجع بنحو 60 ألف برميل إلى 1.64 مليون، إلا أن إيران واصلت من جانبها الإنتاج بمعدل أربعة ملايين برميل يوميا في المتوسط، كما تدنى الإنتاج الإندونيسي إلى أدنى معدلاته منذ ثلاثة عقود.
هذه الأرقام وغيرها عبارة عن اجتهادات من وسائل الإعلام، لأن المنظمة لا تقدم أرقاما تفصيلية أو وقتية عن إنتاجها أو مخزوناتها منذ أن أوقفت هذا الترتيب منذ أكثر من عقدين من الزمان، علما أنه في الفترة بين 1950 و1982 كانت الشركات والدول المنتجة تقدم معلومات تفصيلية ووقتية عن إنتاج كل حقل وحجم المخزون فيه. وبعد وقف هذا الترتيب في 1982 تم الاستعاضة عنه بأرقام إجمالية خاصة فيما يتعلق بالإنتاج والاحتياطيات، الأمر الذي أوجد فجوة رقمية كان لابد من ملئها بصورة أو أخرى. ولهذا برزت وسائل الإعلام مثل "رويترز" و"بلومبيرج"، والنشرات النفطية المتخصصة مثل "ميس" التي تقدم قراءتها للواقع الرقمي الوقتي للصناعة النفطية في دول "أوبك". وفي ظل غياب أي معلومات رسمية وموثقة أصبح اللجوء إلى هذه المصادر شائعا حتى من قبل منظمة "أوبك" وأجهزتها المختلفة مثل السكرتارية التي تصدر العديد من التقارير كتقريرها الشهري الذي تناول فيه إنتاج الدول الأعضاء، مشيرة إلى أنها تستقي المعلومات من مصادر ثانوية.
كما برزت بعض بيوت الاستشارات التي اهتمت بهذا الجانب معتمدة على متابعة حركة الناقلات للوصول إلى تقديرات بخصوص حجم إنتاج الدول الأعضاء. وعلى رأس هذه "بترولوجستكس"، التي يوجد مكتبها الرئيسي في جنيف, وتقول إن لديها ما بين 20 و30 مندوبا سريا في مختلف موانئ التحميل في الدول الأعضاء في "أوبك" لمتابعة شحنات النفط.
ومع غياب موضوعي الإنتاج والأسعار عن دائرة النقاش الجاد، فإن الوزراء يتوقع لهم أن ينفقوا وقتا في بحث قضية تعيين أمين عام للمنظمة، وهو المنصب الذي ظل شاغرا منذ ديسمبر (كانون الأول) 2003 وآخر من شغله الفنزويلي ألفارو سيلفا.
وبدأت إيران حملة مبكرة للحصول على المنصب الذي تقول إنها لم تحظ به منذ قيام الثورة الإيرانية عام 1979، وهي ترى أنه من حقها ونصيبها، لكنها لن تدخل في مواجهات مع بقية الأعضاء بهذا الخصوص. وأدى عدم الاتفاق في مرات سابقة إلى إجراء بعض التعديلات بما يناسب أوضاع مرشحين معينين مثل وزير النفط الإندونيسي الأسبق الدكتور سوبروتو الذي عمل أمينا عاما لفترتين، وكذلك النيجيري ريلوانو لقمان، وهو وزير سابق للنفط في بلاده ومستشار لرئيس الجمهورية في بلاده بخصوص القضايا النفطية.
وتطرح الكويت مرشحا من جنبها لمنافسة المرشح الإيراني، وما لم ينسحب أحد المرشحين فربما يتجه الوضع إلى بروز مرشح ثالث أو الاكتفاء بمن يقوم بمهام الأمين العام بالإنابة مثلما هو الحال الراهن مع محمد باركيندو النيجيري.