تغيير السلوك بين الأماني والأسس العلمية

السلوك البشري هو محور اهتمام مؤسسات التربية، وركن أساس في علم النفس؛ بدءاً من السعي إلى فهمه والتعرف عليه ومعرفة أنماطه وأسبابه، وآليات تغييره وتعديله، إضافة إلى النظريات التي تفسر السلوك، كما في نظريات السلوكيين والشرطيين والجشطل والمعرفيين وغيرهم. وحظي السلوك باهتمام الباحثين والدارسين في مجال علم النفس والتربية، وأفسحوا له مجالاً خصباً في دراساتهم وأبحاثهم سواء الميدانية أو المختبرية والمعملية.
يشترك كثير من الجهات في الاهتمام بالسلوك نظراً لما له من أهمية وتأثير في حياة الناس في الإنتاجية وفي الانتظام والمحافظة على الأنظمة والقوانين المرعية في المجتمع، أو في الالتزام بمعايير وقيم المجتمع الواجب احترامها والأخذ بها. ولي الأمر أباً أو أماً يعنيه أن يرى ابنه مستقيماً ومعتدلاً في سلوكه، مؤدياً واجباته، محافظاً على مبادئه، والمعلم يجب أن يهتم بسلوك طلابه داخل المدرسة، كما يلزمه السعي لإعدادهم للحياة بالشكل المناسب، وهذا لا يتأتى إلا من خلال جهد ومتابعة وحرص من قبل المعلم، والمدرسة من جانبها يهمها التزام الطلاب بالنظام والمحافظة على النظافة. سلوك المريض من حيث التزامه بالدواء وفق مواعيد بعينها، أو المحافظة على برنامج غذائي يرى الطبيب أنه يساعد على شفائه، والتخلص من علته يمثل شكلاً من أشكال السلوك المهم في حياة كل فرد. كما أن رجل المرور يعنيه التزام الناس عند قيادتهم سياراتهم بأنظمة وقوانين المرور تفادياً للحوادث أو إرباك الحركة المرورية.
وما يقال عن رجل المرور يقال عن رجل الأمن الذي يتمنى أن ينضبط الناس في سلوكهم تفادياً لأي إشكالات تترتب عليها خلافات قد تؤدي إلى القتل أو إلى أي اعتداء على الناس وممتلكاتهم، ذلك أنه كلما زاد الانضباط قلت المشكلات الأمنية، وقلة المشكلات الأمنية تعني سلامة المجتمع واستقراره.
ما من شك أن المدرسة والعيادة النفسية والعيادة الأسرية ودار الرعاية الاجتماعية والسجن، وغيرها من مؤسسات المجتمع كلها معنية بسلوك الفرد، إما أن تكون العناية قائمة على تأسيس سلوك جديد، واستنباته لدى الناشئة، ومثل هذا الدور تقوم به الأسرة ويكون من أولويات المدرسة، لكن في أحيان أخرى يوجد سلوك غير سوي، ونحتاج إلى تغييره عند فرد أو جماعة، وهذا يكون من اهتمامات الأسرة والمدرسة أيضاً، إضافة إلى مؤسسات متخصصة كالعيادات النفسية أو دور الرعاية الاجتماعية أو السجون، التي أصبحت تمارس دوراً إصلاحيا يسهم في تعديل وتغيير السلوك المنحرف. إن عيادات التدخين على سبيل المثال تمارس هذا الدور، وهذا ينطبق على الإصلاحيات التي يفترض أنها تسعى جاهدة إلى تغيير الأفراد بدلاً من تركهم داخل السجن، لذا فتحول السجون إلى ورش عمل وعقد ندوات ومحاضرات وحلقات نقاش وألعاب رياضية ومصادر قراءة وتسلية، كلها تسهم في تغيير وتعديل السلوك بالشكل الذي يريده المجتمع، وبما يخدم الأفراد، والأسر والمجتمع بصورته الكلية على حد سواء.
تعديل السلوك لا يحدث مصادفة، بل لا بد من جهود تبذل، وسعي دؤوب يوصلنا إلى هدف تغيير السلوك وتهذيبه، لذا برز في مجال علم النفس والتربية ما يسمى برامج تعديل السلوك، وهذه البرامج هي بمنزلة حقيبة متكاملة تتضمن عناصر نظرية وأخرى إجرائية، إضافة إلى الجانب الفكري الذي يستهدف طريقة تفكير الفرد، فالبعض قد تكون طريقة تفكيره غير منطقية، وليست منظمة، كما أن البعض قد تكون لديه أفكار غريبة وشاذة لكنه مع ذلك يؤمن بها، ويرى صحتها ويدافع عنها، حتى أن البعض يصل به الأمر إلى حد التصلب الفكري أو الجمود. إن الأفكار اللاعقلانية تمثل مصدراً من مصادر الانحراف السلوكي، ومصادر الأذى والمرض النفسي ودون إزاحة مثل هذه الأفكار الغريبة والشاذة يعاني الفرد في صحته النفسية، ويعاني المجتمع منه أيضاً بما يقوم به من سلوك وتصرفات مضرة وهوجاء، لذا فإن الخطوة الأولى التي لا بد لمن يتعامل في قضايا تعديل السلوك أن يقوم بها، تتمثل في تغيير طريقة التفكير، وتغيير المنظومة الفكرية والمعرفية التي توجد لدى الفرد. كم من فرد كان يفكر بصورة غريبة ويمارس ممارسات خاطئة، لكن بتعديل طريقة تفكيره تغير بما يشبه 180 درجة.
في المجال السياسي وفي مجال العلاقات الدولية يشيع استخدام مصطلح تعديل السلوك، حيث تستخدم الحكومة الأمريكية المصطلح حين تريد من حكومة أو نظام أن يتوافق مع سياساتها، وقد تكرر استخدامه خلال الأيام الماضية، حيث دعت وزيرة الخارجية الأمريكية النظام السوري إلى تعديل سلوكه، وذلك بعد مواجهته شعبه بالقتل والإرهاب والتهرب من استحقاقات الإصلاح التي طالب بها الشعب السوري.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي