رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


التكتلات الاقتصادية.. إلى أين تتجه؟

تسعى بعض الدول إلى التكتل والاتحاد إما لمصالح مشتركة اقتصادية أو أمنية أو سياسة، وإما لاستثمار موارد طبيعية وإما بحكم الجوار والعرق والقواسم المشتركة. ولكن ما المراحل التي تمر بها الاتحادات والتكتلات الدولية؟ وكم تستغرق الدول حتى تصل إلى نهاية الاتحاد؟ وكيف تفشل وتنفض بعد الاتحادات وكيف ينجح البعض الآخر؟
ولكي نجيب عن هذه الأسئلة نحتاج إلى معرفة القاعدة النظرية لمراحل الاتحادات والتحالفات والمواصفات والشروط الواجب توافرها في كل مرحلة؟ وكيف يجب على الدول الأعضاء أن تنجز مراحل وشروط التحالف قبل أن تنتقل إلى المرحلة الأخرى؟ ورغم أن هذه قواعد نظرية إلا أن الدول التي تطمح في إنجاح الاتحاد وتتحاشى أي محاولة لإفشاله تراعي ما أمكن اتباع هذه القواعد والشروط.
وهناك عدة أنواع من التصنيفات لمراحل التكتلات الدولية تعج بها أدبيات إدارة الأعمال الدولية إلا أن الغالبية يرون أن التكتلات الدولية تنقسم نظريا إلى خمسة أقسام. البعض يطلق عليها مراحل وكأن كل مرحلة تعقبها مرحلة أخرى، ويجب أن تنضج كل مرحلة وتأخذ وقتها وشروطها قبل أن ينتقل الاتحاد للمرحلة الأخرى. البعض الآخر يطلق عليها أنواع الاتحادات بصفة كل مرحلة تعد منفصلة وليس لها علاقة بالأخرى. وفي هذا المقال سننظر للاتحاد على أنه مراحل متصلة تبدأ بتحرير التجارة وتنتهي بالاتحاد السياسي/ الفيدرالي.
المرحلة الأولى وهي ما تسمى بتحرير التجارة بين دول الاتحاد وتقتضي إزالة جميع العوائق التي تعترض حركة السلع والخدمات بين الدول الأعضاء عن طريق إلغاء التعريفة الجمركية والدعم الذي تقدمه الدول الأعضاء لصناعاتها ومنتجاتها المحلية وتسهيل الإجراءات الإدارية التي تعترض واردات الدول الأعضاء إلا أن لكل دولة حرية التحكم في خططها وسياستها التجارية الداخلية والخارجية، وأفضل مثال يوضح هذه المرحلة اتحاد NAFDA بين كل من الولايات المتحدة، وكندا، والمكسيك عام 1989.
المرحلة الثانية وهو ما يطلق عليها الاتحاد الجمركي ويتم خلالها إزالة العوائق التجارية، وتكييف سياسة التجارة الخارجية للدول الاتحاد. وأفضل اتحاد قام بذلك ما أقدمت عليه كل من بوليفيا، كولمبيا، الإكوادور، وبيرو، برفع التعريفة الجمركية للسلع الواردة لدول الاتحاد. أما الاتحاد الأوروبي فلم يول هذه المرحلة الاهتمام اللازم فتم القفز من تحرير التجارة إلى السوق المشتركة وهي المرحلة الثالثة والتي تشمل إضافة إلى تحرير التجارة وتكييف سياسة وخطط التجارة الخارجية السماح لعوامل الإنتاج ورؤوس الأموال بحرية الحركة بين الدول الأعضاء. فالقوى العاملة ورؤوس الأموال تكون لديها حرية في الحركة بين دول الاتحاد، وقد تواجه بعض دول الاتحاد عوائق نتيجة هذه الحركة مثل زيادة نسبة البطالة وزيادة نسبة التضخم إلا أنها تعوض في جوانب أخرى.
المرحلة الرابعة الاتحاد الاقتصادي ويشبه السوق المشتركة في أنه يستلزم انسياب عوامل الإنتاج وتكييف سياسة التجارة الخارجية للدول الأعضاء إلا أنه يمثل اتحادا اقتصاديا كاملا وينطلق بعملة موحدة وتجانس معدلات الضريبة بين دول الأعضاء وسياسة نقدية مشتركة. ورغم أن الاتحاد الأوروبي قريبا من هذا إلا أنه ليس هناك نموذج للاتحاد الاقتصادي المثالي حتى يومنا هذا. وعندما يبلغ الاتحاد الاقتصادي أوجه فإن هذا يمهد لقيام اتحاد سياسي/ فيدرالي وتصبح شعوب تلك الدول يحملون جنسية موحدة، فالدول المتناثرة تصبح دولة واحدة والعواصم المختلفة تصبح عاصمة واحدة وأفضل مثال لهذه المرحلة هي الولايات المتحدة وكندا، وهذه المرحلة تمثل نهاية مرحلة التكتلات.
وأين كان الهدف من الاتحاد فإن الدول الأعضاء يجب أن تراعي عدة أمور أهمها ما يلي:
1. يجب عدم الاستعجال والتسرع في إنجاز الاتحاد كما يجب تحديد نوعيته هل هو مرحلي يبدأ بتحرير التجارة وينتهي بالاتحاد السياسي أم يكتفي بنوع واحد أو خطوة واحدة، فالوضع يحتاج إلى معرفته مبكرا لتؤهل الشعوب على قبوله.
2. إذا أرادت الدول أن تصل إلى نهاية المطاف وتحقق الاتحاد السياسي/ الفيدرالي فعليها إنجاز أكثر من 50 في المائة من بنود كل مرحلة والتركيز على نقاط الاتفاق وتجاهل الخلافات مؤقتا، فالوقت كفيل بحل كثير من الخلافات لأن التقدم في الإنجاز يعد دافعا لحل كثير من الخلافات إلا أنه يجب أن تُفصل جميع الخلافات قبل أن يتنقل الاتحاد إلى المرحلة التالية حتى لا ينسحب بعض الأعضاء ويفقد الاتحاد إنجازه ومعناه.
3. يجب أن تشعر كل دولة بأنها ستستفيد إما بجلب منفعة أو بدفع ضرر، فبعض الدول إذا رأت أن فائدتها من الاتحاد ضئيلة فإنها عادة تحاول إفشاله من الداخل ووأد الوحدة في مهدها.
4. يتمثل نجاح الاتحاد في طلب دول أخرى الانضمام إليه خصوصا عندما يتقدم في مراحله كما حدث للاتحاد الأوروبي حينما بدأ عام 1960 بست دول والآن أصبح يضم دول أوروبا الغربية، وبدأت بعض دول أوروبا الشرقية تطلب الانضمام إليه، أما فشله فيتجلى في انسحاب بعض الدول الأعضاء، فزيادة الأعضاء تعد مؤشرات نجاح أي اتحاد وتقليص العدد مؤشرات الفشل.
5. قد تتولد بعض الصراعات بين الدول الأعضاء كالخلاف الذي حدث في وجهات نظر دول زعماء قمة الدول الصناعية السبع، حينما رفضت الولايات المتحدة، والمملكة المتحدة، واليابان، وكندا تقديم مساعدات مباشرة لموسكو، بينما أيدت ألمانيا الغربية (آنذاك)، وفرنسا، وإيطاليا ضرورة إمداد موسكو بنحو 15 مليار دولار لإنقاذ برنامج الإصلاح المتعثر الذي بدأه الرئيس السوفياتي ميخائيل جورباتشوف، حينما وجه نداء إلى زعماء القمة يناشدهم فيه بضرورة الوقوف بجانبه. بناء على ذلك قررت القمة إنشاء البنك الأوروبي للتعمير والتنمية لدول أوروبا الشرقية، إلا أنه حدث خلاف على مقر البنك بين بريطانيا وفرنسا، وقد حل سريعا فقررت القمة أن مقر البنك سيكون في لندن وتحتل فرنسا مقعد رئاسته. فالخلافات بين الأعضاء طبيعة وحلولها متوافرة إلا أنه يجب ألا تضخم وألا تترك حتى تتفاقم.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي