هل يقاس ثراؤنا بالصحة أم الصحة بالثراء؟ (1)

إذا كان توافر الماء النقي أو النظيف، والوقود اللازم للحركة وتشغيل الآليات والمعدات، والكهرباء للإنارة والطبخ والتبريد، والمسكن الخاص، ووسائل النقل الشخصية، وأنواع الهواتف المختلفة، يعني قدرة مالية توفر صحة للإنسان تؤمن له معيشة الكرام، فإن هذا الإنسان ثري بما ملك من مال وتمتع بصحة بدنية. ولكن إذا كان معدوما ولم يتسن له أن توافرت له مثل هذه الظروف فهل في هذه الحالة يصبح فقيرا وأسيرا للأمراض، وبالتالي لن يكون ثريا في أي شيء؟ من هنا يمكن أن نناقش معنى الثراء هل هو في التمتع بصحة جيدة أم بامتلاك الأموال الطائلة؟
لقد أطلقت حكم ومقولات كثيرة منها ما دون وبعضها ما حفظ عن ظهر قلب ومن المؤكد أن هناك ما ضاع في زحمة التاريخ، وصورت بشكل مباشر وغير مباشر أن صحيح البدن أغنى من عليله. لقد توارثت الأجيال عبارات حتى يومنا الحاضر تصور مفهوم الخبراء والمفكرين والمتأملين عن المعيشة والحياة بشكل عام منذ الأزل. فعن الصحة والثراءHealth and Wealth ظلت تتردد على المسامع وتلقى في المحافل وتكتب في الوثائق مقولات عن مدى أهمية الصحة عن توافر المال على الرغم من أنه يوفر أسس البقاء أصحاء في أغلب الأوقات. فقد قيل سابقا: ''هناك فرق بين أن تشعر بصحة جيدة وألا تكون مصابا بأي مرض''، و''الحياة ليست أن تعيش حيا وجيدا، ولكن هي أن تتمتع بصحة جيدة''. كما ذكر ''عندما يخاف المرء من أن يعاني من المرض فهو يعاني من الخوف الدائم من أمراض قد لا تصيبه''. وحديثا ورد: ''نحن نعلم عن أسباب المرض أكثر من علمنا بأسباب تمتعنا بصحة جيدة''، و''عندما نكون أصحاء جميعنا ينصح المرضى بتفادي مسببات الأمراض''. إضافة إلى: ''علاج المرء يكمن في دواءين الحمية الغذائية وضبط النفس''. كل هذه الحكم تركز على أن الصحة تاج على رؤوس الأصحاء، وبالتالي يتفق بعض المفكرين على أن المقياس الحقيقي لثراء الفرد هو صحته وليس ماله''. جدل لم يناقش باستفاضة بعد.
في وقفة تأمل أجد أننا في السعودية - حماها الله من كل سوء - نعيش زمنا عنوانه ''الاقتصاد المزدهر'' ووضعه ''التمتع بصحة جيدة''، ومستقبله ''إنفاق مستمر ليعم الرخاء كل فرد وأسرة في المجتمع''. هذا يعني أن بنظامنا الصحي الحالي كلنا أثرياء إذا ما سخرنا الموارد للتطوير والتحسين وأردنا للمستقبل أن يكون زاخرا وباهرا. والسؤال هو: هل وضعنا الحالي يغني عن اتخاذ أسباب أخرى تجعلنا أفضل صحيا، وبالتالي أقدر ماليا أو العكس؟. من المعروف أن متوسط العمر يتأثر إيجابا بالمتابعة الصحية المتواصلة وقائيا وعلاجيا، ولكن هذا يحتاج إلى قدرة مالية في كثير من الأحيان، ولكن لأننا نعيش في مثل هذا الاقتصاد فإننا نملك ما لا تملكه أمم غيرنا ـــ ولله الحمد ـــ، فهل يمكن عمل الدراسات التي تبقينا في هذا المجال وتطيل هذا الزمن بأمر الله؟
هذا من وجهة نظر شخصية يتطلب القيام بالكثير من الأبحاث حول الصحة والثراء والروابط بينها وهو مجال لم ينشر فيه أكثر من بحثين سنويا منذ 20 عاما تقريبا، أي أنه موضوع لم تركز الدراسات العلمية فيه بعمق على مستوى العالم. في وطننا الغالي تتوافر مادة جيدة لم يستفد منها بعد خصوصا في الفترة بين عام 1426هـ وعام 1432هـ؛ حيث من المؤكد أن مقارنة ما صرف وسيصرف على الصحة والفرد بما مضى من حقب زمنية ستفيدنا كما سأطرح في الجزء الثاني من المقال.
في حالة من أحدث ما اطلعت عليه أن أصبح الأطباء يطرحون منافسات لتقديم الخدمات الطبية يتفاضلون بها بينهم أمام طالب الخدمة؛ حيث يتركون بعدها الحرية للمريض أو الراغب في الحصول على الخدمة حرية فتح المظاريف واختيار الأفضل تقديما والأقل سعرا. كأنهم بذلك يماثلون وضع مؤسسة عامة أو خاصة ولكن بطريقة عكسية. هنا يجد الباحث عن خدمات معينة معلومات كافية عن التأهيل والخبرة والسمعة والقدرات والإمكانيات وما يمكن أن يوفر خلال تقديم الخدمة من دعم بشري أو تجهيزات عالية لاستخدامها بمهارة عالية أو اتصال بأحدث وأكثر المراكز تطورا في العالم.. إلخ. ثم بعد ذلك آلية الحصول على ''الأتعاب'' تقسيطا أو نقدا أو عن طريق بطاقات الائتمان. هذا النمط من التعامل ينبئ عن وصولنا لمرحلة من الثراء والصحة تجعلنا ننتظر في عالمنا العربي ومملكتنا الحبيبة إجابة الباحثين عن كيفية تقنين الأدوار والأداء وشمولية تقديم الخدمة وتكاليفها في كل مرفق وتصورا عنها في كل خمس سنوات من الآن. كما سيغير وجهة التأمين الطبي وتكاليفه في المناطق المختلفة. ما أخشاه أن نصل في وقت ولدينا طبقات قد لا تستطيع الحصول على أبسط الخدمات (مثل الكشف العام)، وبالتالي لن تكون الصحة أحد مقاييس ثرائنا. وللحديث تتمة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي