تفاؤل ساركوزي

الرئيس الفرنسي ساركوزي متفائل.. أتدرون بماذا؟! هل هو بقرب التوصل لحل لمشكلات البيئة والتلوث الناتج عن المصانع ومن عبث الإنسان؟ كلا، ذلك أن بلاده إحدى الدول التي تسهم في تلويث البيئة بسبب تجاربها النووية! وهل التفاؤل بقرب إيجاد حلول عملية لمشكلة الفقر في العالم؟ بلا شك ليس هذا، وهل السبب في التفاؤل هو قرب إيجاد حلول للمشكلات العالمية والحروب الطاحنة التي تعصف بأرجاء العالم، التي تشارك فرنسا فيها بنصيب الأسد في أفغانستان وفي إفريقيا، ما ترتب عليها من قتل الأبرياء وتدمير المرافق العامة والخدمات التي يستفيد منها عامة الناس؟ ثم أخيراً وليس آخراً هل الرئيس الفرنسي متفائل بقرب إيجاد حلول للفرنسيين من أصول عربية وإسلامية الذين يتعرضون للتمييز في فرنسا، والحرمان من الوظائف، بل التهديد بسحب الجنسية الفرنسية منهم رغم أنهم مولودون في فرنسا، وبعضهم يمثل الجيل الثالث؟ وهؤلاء يهددون بالطرد من فرنسا وإعادتهم إلى البلدان الأصلية التي جاء منها آباؤهم وأجدادهم.
للأسف ليس شيء من هذه الأشياء يهم الرئيس الفرنسي ساركوزي، وليس متفائلاً بإيجاد حل مهما كان لأي من هذه المشكلات، لكن التفاؤل الرئاسي الفرنسي في قصر الإليزيه بقرب الإفراج عن الجندي الصهيوني جلعاد شاليط الذي أسر أثناء معركة عسكرية بين الفلسطينيين وجنود صهاينة كانوا يقومون بحملة عسكرية ضد المواطنين الفلسطينيين في قراهم ومدنهم وفي بيوتهم. هذا الخبر نقلته وسائل الإعلام، وكنت أظن وأنا أقرأ الخبر وقبل إكماله، أن الموضوع مهم للغاية ويمس عدداً كبيراً من الناس سواء في فرنسا أو على مستوى العالم. طبعاً ليس ساركوزي هو أول من يهتم بموضوع شاليط، والعمل على سرعة الإفراج عنه، لكن سبقه زعماء أوروبيون طوال السنين الماضية، حيث مورست ضغوط على الفلسطينيين في غزة من أجل الجندي الأسير.
من حقنا نحن العرب أن نتساءل عن سر الاهتمام والحرص على الإفراج عن جلعاد شاليط من قبل ساسة الغرب، في حين أن شاليط جندي يعمل في جيش الكيان الصهيوني الذي سرق أرض فلسطين قبل 63 عاماً، ومارس أبشع أساليب القتل والقمع والتعذيب مع من تبقى من الفلسطينيين على أرضهم عدا أولئك الذين هجروا وطردوا من فلسطين، وسكنوا مخيمات الشتات في ظروف تمثل وصمة عار في جبين الغرب، الذي غرس دولة الكيان الصهيوني على أرض فلسطين وأمده بالمال، والسلاح والعتاد والخبرات العسكرية والمدنية، إضافة إلى الدعم السياسي في الأمم المتحدة ومجلس الأمن، حيث ممارسة حق النقض الفيتو، الذي كثيراً ما استخدم ضد القضايا العربية، وبالذات قضية فلسطين.
سجون الاحتلال الصهيوني يقبع فيها ما يزيد على عشرة آلاف سجين، كما أنه لا يمر يوم دون أن تعتقل أجهزة الكيان الصهيوني فلسطينيين من بيوتهم، ومن بين أهلهم وأطفالهم، ومع ذلك لم نسمع من ساركوزي أو غيره من الساسة الغربيين من أثار هذا الموضوع مع قادة الكيان الصهيوني، ولا من اعترض على الممارسات المنافية لأبسط قواعد التعامل البشري التي كثيراً ما يتحدث الغرب عنها في المحافل الدولية وعلى وسائل الإعلام.
ما سر هذا التعامل المزدوج والنظر بعين واحدة لا ترى فقط إلا ما يهم اليهود في فلسطين؟! جندي واحد تقوم الدنيا ولا تقعد، وتأتي الوفود وتذهب، وتعقد المؤتمرات الصحافية، وتكون التصريحات على أعلى مستوى من قبل الساسة الغربيين، في حين الممارسات اللاإنسانية من قبل الكيان الصهيوني ينظر إليها بعين الرضا، والقبول والدعم والدفاع عنها فيما لو فكر أحد في انتقادها.
السر في ظني يكمن في شيئين: الأول يتمثل في القوة التي يتمتع بها اليهود في العالم الغربي، وتغلغلهم في دوائر صناعة القرار والتأثير، إضافة إلى القوة الاقتصادية التي يتمتعون بها، والسيطرة على وسائل الإعلام، وفي هذا الوضع تأثير في المصالح الشخصية للسياسيين خاصة أثناء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية، وفي الفرص الاقتصادية.
أما السبب الثاني فيتمثل في التركيبة الذهنية للساسة الغربيين الذين نشأوا وتثبت في أذهانهم العلاقة الروحية التي تربط بين المسيحيين واليهود، إن هذه الرابطة العقدية هي الأساس حتى إن حاول الغرب نفيها، لكنها في حقيقة الأمر تمثل حجر الزاوية في الاستماتة في الدفاع عن ممارسات الكيان الصهيوني. هل يعبأ أو يكترث ساركوزي وساسة الغرب بمشاعرنا نحن العرب؟ كلا، لأنهم متأكدون أنه لا أحد سيعترض على سياساتهم المتحيزة ضدنا، وضد قضايانا، كما لا أحد يمكن أن يناقشهم، ولو مناقشة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي