نورة السعودية.. هل لبنات الوطن من مشاركة التنمية نصيب؟

فاق حرقة قلبها حرارة صيف الرياض وهي تخرج من مبنى الجامعة، الأمل، تحيطها دهشة يعلوها إحباط. تحمل في يدها اليسرى صورة مؤهلاتها العلمية وخلاصة نتاجها العلمي جنتها من خلال محطات ثلاث، بدءا من بلاد العم سام، ومرورا بالإمبراطورية التي كانت لا تغيب عنها الشمس، ووصولا إلى العاصمة الحبيبة الرياض. وتحمل في يدها اليمنى عكس ما حملته اليد اليسرى كما ونوعا. خطاب يتيم يحمل في طياته قرار مجلس الكلية بعدم قبولها عضوة في هيئة التدريس بسبب تدني مستواها الأكاديمي.
تلك نورة .. مواطنة طموحة أفنت عقدا من الزمن تجوب دول العالم في رحلات مكوكية تنهل من منابع العلم والمعرفة المختلفة في مجال الأعمال والاقتصاد بهدف العودة إلى أرض الوطن متسلحة بأسباب العلم والمعرفة التي ستمكنها من أداء دورها الطموح في المشاركة في تعليم بنات وطنها وتمكينهم من أسباب العلم والمعرفة، بعون الله تعالى وتوفيقه.
ما يميز نورة ليس نتاجها العلمي وشهاداتها العلمية بجميع مراتب شرفها فحسب، إنما مهاراتها في البحث العلمي وسماتها في حوار الحضارات المختلفة. فهي تملك مهارات الربط بين العلم النظري مع الواقع العملي بعيون وطنية. ومن ثم ترجمة هذا الربط إلى أدوات ووسائل معرفة تمكن الطالبات من اكتساب الخبرة العملية قبيل التحاقهم بسوق العمل. أضف إلى ذلك مهارات التعامل مع شعوب حضارات مختلفة بمنظور وطني اكتسبتها تدريجيا خلال مشوارها العلمي الدولي. مهارات شهدت بها توصيات أساتذتها طوال رحلتها العلمية الدولية والمحلية ومثيلاتها من مجموعة من المهنيين في سوق العمل السعودية.
رحلة ''سابك'' الصناعية، ومنهجية ''الاتصالات'' الدولية، وتحديات ''الخطوط السعودية'' التشغيلية، وقصة تطوير الكوادر الوطنية في ''القطاع المصرفي'' السعودي، وآليات خصخصة ''قطاع الطاقة'' السعودي. عينة من حالات دراسية عملية أنتجتها نورة خلال مشوارها العلمي. شكلت خلاصة هذه الحالات الدراسية محتوى محاضرة ألقتها قبل أيام على عضوات غير سعوديات شكلن عضوات لجنة قبول وتوظيف عضوات هيئة التدريس في الكلية. عقب المحاضرة مقابلة شخصية مع ذات اللجنة حول منظور نورة في تطوير مخرجات التعليم العالي في الجامعة.
أيام قليلة أعقبت هذا اللقاء قبيل صدور قرار مجلس الكلية بعدم قبولها عضوة في هيئة التدريس بسبب تدني مستواها الأكاديمي. ذهبت الدهشة بعد تسلم الخطاب والخروج من مبنى الكلية وجاء الاستفسار عن أسباب الرفض وواقع مؤهلاتها العلمية تثبت تفوقها وواقع الجامعة الأمل يثبت الحاجة الكبيرة إلى عضوات هيئة تدريس تواكب ثورة العلم والمعرفة المستهدفة؟
فإعلانات الوظائف ما زالت تضيء موقع بوابة الجامعة. والكلية ما زالت في طور النشأة. ومستهدفات البحث العلمي في الجامعة طموحة. وأعداد الطالبات في تزايد سريع. والعملية التنموية السعودية لم تتوقف عن طلب تأهيل الكوادر الوطنية. مجموعة من الاستفسارات نحاول الإجابة عنها من واقع إحصاءات وزارة الخدمة المدنية ووزارة التعليم العالي حول الواقع والاحتياج إلى تنمية أعضاء هيئة التدريس في الجامعات السعودية.
تشير هذه الإحصاءات إلى مجموعة من الشواهد حول مدى حجم ثورة التعليم العالي المقبلة في المملكة والحاجة إلى نمو تعداد أعضاء هيئة التدريس بما يواكب هذه الثورة التنموية. نستشهد بثلاثة شواهد في هذا الشأن لعلها تحمل في طياتها الإجابات عن استفسارات نورة.
الشاهد الأول، كبر حجم معدل الوظائف الشاغرة في أعضاء هيئة التدريس في نظام التعليم العالي في المملكة. يشير التقرير الإحصائي الأخير لوزارة الخدمة المدنية إلى أن إجمالي عدد وظائف أعضاء هيئة التدريس المعتمدة بميزانية الدولة لعام 2009 بلغ 37659 وظيفة. تشكل الوظائف الشاغرة منها 37 في المائة، 13888 وظيفة شاغرة، وبنسبة سعودة تبلغ 72 في المائة، 19034 سعوديا وسعودية. وتمثل النساء السعوديات 31 في المائة، 8085 سعودية. تتزامن هذه الأرقام من تواضع في أداء تعيين أعضاء هيئة التدريس من خلال شغل 2613 وظيفة تقابلها 231 وظيفة متروكة في العام ذاته لأسباب مختلفة.
والشاهد الثاني، خلل تركيبة المؤهلات العلمية والمراتب العلمية والفئة العمرية لأعضاء هيئة التدريس الحاليين في نظام التعليم العالي في المملكة. يشير التقرير ذاته إلى أن 46 في المائة من أعضاء هيئة التدريس في نظام التعليم العالي يحملون شهادة الدكتوراه، و20 في المائة يحملون شهادة الماجستير، و34 في المائة يحملون شهادة البكالوريوس. يمثل 6 في المائة منهم مرتبة أستاذ، و10 في المائة مرتبة أستاذ مشارك، و32 في المائة مرتبة أستاذ مساعد، و17 في المائة مرتبة محاضر، و35 في المائة مرتبة معيد. وتراوح أعمار 18 في المائة منهم بين 21 و30 سنة، و28 في المائة بين 31 و40 سنة، و30 في المائة بين 41 و50 سنة، و24 في المائة أكثر من 51 سنة.
والشاهد الثالث، تواضع التجانس بين كثافة أعداد الطالبات ومثيلتها من أعداد أعضاء هيئة التدريس في الجامعة. تشير إحصاءات التعليم العالي إلى أن معدل الطلاب إلى أعضاء هيئة التدريس في الجامعات السعودية يبلغ 16 طالبا وطالبة لكل عضو هيئة تدريس. تفوق جامعة نورة بنت عبد الرحمن هذا المعدل بثلاثة أضعاف بوجود قرابة 46 طالبة لكل عضو هيئة تدريس. حيث يبلغ عدد الطالبات المقيدات في مرحلة البكالوريوس في الجامعة 42500 طالبة، موزعات على 33 كلية، بواقع 923 عضو هيئة تدريس، ويحمل قرابة 50 في المائة منهن درجة الدكتوراه.
تقودنا شواهد حجم معدل الوظائف الشاغرة في أعضاء هيئة التدريس، وتركيبة المؤهلات العلمية والمراتب العلمية والفئة العمرية لأعضاء هيئة التدريس الحاليين، وتواضع التجانس بين كثافة أعداد الطالبات ومثيلتها من أعداد أعضاء هيئة التدريس إلى محاولة الإجابة عن تساؤلات نورة حول أسباب رفضها الانضمام إلى عضوية هيئة التدريس في الجامعة الأمل.
لا يمكن الإجابة عن التساؤلات دون حضور رؤية الجامعة الأمل. تنص رؤية جامعة الأميرة نورة بنت عبد الرحمن على السعي ''إلى تحقيق التميز والريادة محليا وإقليميا وعالميا في مجال التعليم الجامعيّ والبحث العلميّ وخدمة المجتمع وتنمية البيئة وبناء مجتمع المعرفة في إطار من القيم الإسلامية والثقافية والاجتماعية للمجتمع وبما يسهم في تحقيق التنمية المستدامة''.
رؤية طموحة تدعو إلى مضاعفة الجهود نحو مواجهة تحديات التعليم العالي القائمة وتحويلها إلى أفق يبلغنا الرؤية ويحقق لنا الأهداف، بعون الله تعالى وتوفيقه. وأحد أهم التحديات القدرة على استقطاب الكوادر العلمية من بنات الوطن بما يضمن تحقيق رسالة الجامعة في أن تصبح مركز إشعاع علمي ومعرفي يسهم في دور رئيس في العملية التنموية السعودية.
جهود ندعو فيها معالي مديرة الجامعة الدكتورة هدى بنت محمد العميل، وهي تبدأ رحلة مواصلة بناء الجامعة إلى المبادرة نحو إطفاء الحرقة وإبطال الدهشة وإلغاء الإحباط الذي واجه مسيرة نورة الوطنية الطموحة بقرار شجاع يمنحها وأخواتها شرف الالتحاق بعضوية هيئة التدريس. قرار من الأهمية بمكان أن يترجم إلى آلية فاعلة تهدف إلى استقطاب الكوادر العلمية من بنات الوطن للمشاركة في تعليم أخواتهم وتمكينهم من أسباب العلم والمعرفة وآخذة في الاعتبار مستهدفات العملية التنموية السعودية الطموحة وتحدياتها القائمة.
هل سيصدر هذا القرار أم لا؟ الإجابة تحيطها الثقة ويعلوها التفاؤل في طيات الأيام القليلة المقبلة، بعون الله تعالى وتوفيقه.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي