الاقتصاد والسياسة والعلاقات المتبادلة
عقدت الدول الثماني الكبرى والمعروفة بقوتها الاقتصادية، أو هكذا يجب أن يكون، اجتماعها أخيرا في مدينة دوفيل الفرنسية، ودعي لحضور الاجتماع كل من مصر وتونس، وتبلور عن الاجتماع مساعدات أو وعود لمساعدات مالية تصل إلى سبعة مليارات يورو على شكل منح للدولتين، وستة مليارات يورو على شكل قروض، وكان السبب المعلن وراء هذه المساعدات الاقتصادية تشجيع الديمقراطية في البلدين. استوقفني شعار تشجيع الديمقراطية كثيراً، وتساءلت هل بالفعل الدول الثماني معنية بالديمقراطية؟ وهل يهمهما هذا الأمر؟ أم أن الأمر له أسباب سياسية قد يكون أهمها احتواء الدولتين، والعمل على إجهاض ثورتي البلدين؟!
توقفت عند هذا الأمر لأن الدول المؤثرة في تجمع الدول الثماني كان موقفها من ثورتي البلدين موقفا سلبيا، بل كانت هذه الدول تدعم النظامين السابقين دعماً سياسيا وعسكرياً وأمنياً واستخباراتياً، بل إن أمريكا وفرنسا بالذات كانتا تعتمدان على النظامين السابقين في تنفيذ أجندتهما وتمرير سياستهما في المنطقة ومشاريعهما ذات الطابع الثقافي، أو ما له علاقة بالعدو الصهيوني، أو ما له علاقة بإعادة تشكيل المجتمعات العربية لتكون بالصورة التي تخدم مصلحة البلدين ومعهما كتلتهما الغربية بمصالحها كافة. لا اعتراض على تحرك الدول الغربية لخدمة مصالحها، فهذا من حقها، لكن لا بد من إدراك أن التغيير في المواقف من قبل الدول الغربية أو ما قد يبدو كذلك لا يمكن النظر إليه بمعزل عن التفكير البراجماتي الذي يتعامل به الغرب مع الأطراف الأخرى وبالذات مع العالم العربي والإسلامي الذي كثيراً ما وقع في الفخ وبسبب ذلك نهبت ثرواته، وخيراته، وظهر بسببها أمام الآخرين بصورة من لا يستفيد من الدروس أو من يعاني صعوبات تعلم.
لا أعتقد أن ساسة كل من مصر وتونس الحاليين يجهلون هذا الأمر، كما أجزم أن المفكرين والمثقفين في الدولتين يدركون هذا الأمر، لكن نظراً للتغيرات الجذرية التي حدثت وما ترتب على ذلك من مشكلات اقتصادية ربما تضطر الدولتان لقبول المنح والقروض مع أني أعتقد أنه يمكن الاستغناء عنها حتى لا تتحول الدولتان إلى رهينتين في سياستهما الآنية والمستقبلية، وهذا من شأنه إعادة الدولتين إلى الوضع السابق الذي أحالهما إلى دولتين متسولتين تنتظران ما يمكن أن يقدم لهما من الغرب وفق شروط قاسية تفقدهما استقلالية القرار وتنقص من مكانتهما ومساهمتهما الفاعلة على الصعيد المحلي، والإقليمي، والعالمي، وهذا ما حدث مع مصر التي فقدت الكثير من تأثيرها بسبب المعونات الأمريكية التي لا تتجاوز ثلاثة مليارات دولار سنوياً.
ما يعزز اعتقادي بإمكانية الاستغناء عن هذه المساعدات ما يذكر في الإعلام العالمي والعربي بخصوص ثروة حسني مبارك والمقدرة بين 40 إلى 70 مليار دولار هو وأفراد عائلته، الأمر ينطبق على زين العابدين الذي تقدر ثروته وعائلته بعشرات المليارات. هذه الثروات الهائلة التي أخذت من خيرات البلدين ومن قوت شعبيهما يمكن أن تسد احتياجات البلدين لو تم استردادها، مع يقيني أن الأمر ليس بالسهولة ولا السرعة التي يستدعيها الموقف والشرف الذي تمر به الدولتان لتعقيدات قانونية وسياسية محلية ودولية.
البلدان حتى تنتظم أمورهما بالشكل الصحيح، وحتى يستعيدا عافيتيهما لا بد لهما في الأساس من الاعتماد على نفسيهما، وذلك بمزيد من الصبر من قبل الشعبين، إضافة إلى تجنب الدخول في اتفاقيات مع دول قد تساعد جزئياً على حل المشكلة، لكن مقابل ذلك ارتهان للقرار وتقييد للحركة السياسية على الأصعدة كافة. كما أن تضافر الجهود بين الدول العربية يساعد على تجنيب البلدين الكثير من المشكلات والاضطرابات السياسية والاجتماعية التي قد تنجم عن تردي الأوضاع الاقتصادية، والذي أدركت المملكة خطورته وسارعت بمساعدة مصر بأربعة مليارات دولار، لكن الدول العربية الأخرى عليها مسؤولية تجاه البلدين من أجل أن نضمن عودة البلدين إلى الوضع الطبيعي الذي يمكنهما من ممارسة أدوارهما بالشكل الصحيح الذي يخدم الأمة وقضاياها.
إن العلاقة بين الاقتصاد والسياسة علاقة وثيقة، حيث إن الاقتصاد القوي يوجد استقرارا سياسيا واجتماعيا، في حين أن الاقتصاد الضعيف قد يولد المشكلات الكثيرة، كما أن السياسة الرشيدة والحكيمة تخلق اقتصادا قويا ومناخا مناسبا لنمو اقتصادي ينعم بخيراته الجميع، لذا فإن مسارعة الدول الثماني لمساعدة الدولتين هدفه في الأساس التأثير السياسي من خلال بوابة الاقتصاد.