السيارات المستوردة وحقوق المستهلكين.. ضمان أم تأمين؟
استيراد السيارات المستعملة تجارة يحفها الكثير من المخاطر، وضحيتها الأولى هما المواطن والمقيم اللذان وثقا بهذا النوع من التجارة والتي لاقت رواجاً كبيراً في السنوات الأخيرة وأصبحت محل تساؤل مهم يدور حول حماية الحقوق المتولدة عنها؟
هذه الظاهرة، وأقصد بها ظاهرة شراء السيارات المستعملة من الخارج ـ ومن أمريكا تحديداًـ ترجع إلى عدة أسباب، لعل أهمها هي حرية الاستيراد ورغبة ذوي الدخول المتوسطة من المواطنين والمقيمين عدم المغامرة بشراء سيارات مستعملة محلية وغير مضمونة، أو عدم ثقتهم بالسيارات المستعملة محلياً لضعف ثقافة العناية بصيانة السيارات والمحافظة عليها من المستخدمين المحليين، وعدم كفاءة ورش التصليح والصيانة، وغيرها من الأسباب التي جعلت كثيرا من المستهلكين يفضلون شراء السيارات المستخدمة في الخارج على السيارات التي يتم استعمالها في السعودية.
وإذا سلمنا جدلاً بهذه الأسباب، إلا أن كثيرا من المواطنين والمقيمين وقعوا ضحيةً لعملياتِ بيع لسيارات مستوردة أقل ما يُقال عنها أنها تندرج تحت مفهوم الاحتيال والنصب وذلك بسبب وجود عيوب أو تعديلات في المعلومات الخاصة بالمركبات كالأعطال أو الحوادث التي تعرضت لها السيارة ويتم إخفاؤها عن المشتري أو التعديلات التي تطول عداد المسافات وما إلى ذلك. وعمليات الاحتيال هذه تقع ليس بسبب ضعف قوانين الرقابة في البلد الذي يتم تصدير هذه السيارات منه، وإنما لأن هذه السيارات هي معدة للتصدير وبالتالي ليس هناك داع لوجود حماية للمستهلكين في ذلك البلد. بل إن بعضها يتم تصديره لاستعماله كقطع غيار أو خردة ثم يتحول بقدرة قادر إلى مركبة قابلة للسير في البلد المستورد.
الإشكالية الأخرى هي أنه حتى مع وجود الضمان فإنه لا يغطي مثل هذه العيوب. بل وتتفنن شركات الضمان في وضع شروط وقيود واتباع تفسيرات غريبة لحرمان المشتري من التغطية ولأتفه الأسباب لمجرد أنه تجاوز مثلاً عدداً بسيطاً من الكيلومترات المحددة للصيانة وبالرغم من أن العطل الذي يطالب الزبون بإصلاحه ليس له أي علاقة بتجاوز هذه المسافة. فالبائع يرمي هذا المستهلك في أحضان شركات الضمان بعد أن ينجح في إقناع زبونه بشراء السيارة لأنها مضمونة، وليس لهذا المشتري سوى مطاردة شركات الضمان هذه، دون أن يعرف لها مكانا أو عنوانا سوى كتيب الضمان الذي يتم فيه إدراج ورش رخيصة وذات عمالة رديئة والخوف كل الخوف من أن يترك هذا الزبون سيارته لدى هذه الورش، حيث يحكي لي أحد الأصدقاء أنه أودع سيارته إحدى هذه الورش، وبعد أن سُلمت إليه استغرب من وجود الإطار الاحتياطي منفجراً وبعد إلحاح عرف من العمال في الورشة أنهم قد حضروا في سيارته مناسبة في مدينة مجاورة.
إن كتيب الضمان يعبّر في الحقيقة عن علاقة تأمينية كاملة بين شركة الضمان والعميل. وقد اطلعت على بعضٍ من هذه الكتيبات فوجدت أنها تعبّر عن هذه العلاقة بشكل دقيق. فالضمان لا يكون من البائع وإنما من شركة ضمان متخصصة فقط مهمتها أن تقوم بضمان المخاطر التي يشملها كتيب الضمان التي يمكن أن تحصل للسيارة أثناء سريان الضمان، وتحصل شركة الضمان مقابل ذلك على قسط من البائع. وهذا القسط هو في حقيقة الأمر مبلغ مالي يدفعه العميل ضمن ثمن السيارة دون أن يعلم، وهناك مبلغ تحمل يدفعه العميل عند تحقق الخطر تماماً كما هو الحال في التأمين. فإذاً نحن أمام علاقة تأمينية وإن اختلفت المسميات! والسؤال هو: من يحمي هؤلاء من تعسف هذه الشركات التي لبست عباءة التأمين تحت اسم شركات ضمان؟