تقرير: العالم يشهد بزوغ حقبة اقتصادية جديدة مع استمرار تحديات ما قبل الأزمة المالية
أكد التقرير السنوي للمدير العام لمنظمة العمل الدولية خوان سومافيا أمس، "أن العالم يشهد بزوغ حقبة سياسية اقتصادية جديدة تتحول فيها السلطة والقوة الاقتصادية إلى تكتلات جديدة مختلفة تماما عن تلك التي سادت قبل الأزمة المالية والاقتصادية العالمية".
وقال التقرير الذي استعرضه سومافيا أمام المؤتمر السنوي للمنظمة، "إن الصين ثم الهند ستصبحان أكبر الاقتصادات العالمية في المستقبل القريب، في حين سيتحول مركز صنع السياسات الاقتصادية إلى الدول الناشئة التي بدأت تتشكل في تجمعات اقتصادية جديدة". ولفت إلى أن "مجموعة العشرين ومجموعة بريك التي تضم البرازيل وروسيا والهند والصين ورابطة دول جنوب شرق آسيا "آسيان" ومجموعة الحوكمة العالمية جميعها زحزحت مراكز صناعة السياسات الاقتصادية التي كانت تهيمن عليها دول مجموعة الثماني الصناعية الكبرى، التي تضم في عضويتها كلا من الولايات المتحدة واليابان وألمانيا وروسيا الاتحادية وإيطاليا والمملكة المتحدة وفرنسا وكندا".
ورغم تأكيد التقرير أن التحول "بات صريحا"، إلا أنه لفت في الوقت ذاته إلى "عدم وضوح معالمه شأن حالات انعدام اليقين التي تظهر في مثل تلك الفترات الانتقالية ما يلقي بالمسؤولية على الجميع في توجيه الحقبة الجديدة نحو العدالة الاجتماعية من أجل عولمة عادلة". وأكد التقرير أيضا "أن العالم يقف على عتبات مرحلة جديدة من العدالة الاجتماعية تتطلب وجود حاجة ملحة لنموذج جديد لتعزيز التماسك الاجتماعي"، مشيرا إلى دور منظمة العمل الدولية "كأقوى مؤسسة اقتصادية واجتماعية داخل منظومة الأمم المتحدة". وتطرق سومافيا إلى عدم المساواة في العالم، قائلا: "إن 80 في المائة من سكان العالم يتقاسمون 30 في المائة من ثرواته، في حين ينعم 20 في المائة فقط بـ 70 في المائة من ثرواته، وأن 61 مليون ثري في العالم يتمتعون بالدخل ذاته الذي يحصل عليه 3.5 مليار شخص أي أن 1 في المائة من سكان العالم يحصلون على دخل يعادل دخل 56 في المائة من سكانه".
وشدد التقرير على وجود تحديات تواجه المرحلة الحالية مثل "الزيادة المتواصلة في حالات انعدام المساواة والاختلالات الاجتماعية والإنمائية المصاحبة لها وهي أمور غير قابلة للاحتمال لا اجتماعيا ولا اقتصاديا، فضلا عن تنامي الشعور في أن الحكومات لا تملك القدرة أو الإرادة لكبح جماح القوة غير القابلة للمساءلة التي اكتسبها المسؤولون في قطاع المال والأعمال طيلة عقود".
وانتقد التقرير كذلك "عودة (نظام العلاوات المالية المرتفعة) واللهث وراء الأرباح الكبيرة إلى مستويات ما قبل الأزمة، رغم ما يقال دوما عن هشاشة النظام المالي العالمي وضرورة وضع سياسات نقدية يسيرة في الدول المتقدمة". وذكر "إننا نقف شهودا على تغير سريع في السيناريو العالمي بما فيه من نمو النزعة الشعبية في أوروبا والولايات المتحدة واندلاع ثورات واضطرابات في العالم العربي وبروز شكوك حول أساسيات اليورو والدولار على حد سواء".
في المقابل، تتزايد الثقة في آسيا وأمريكا اللاتينية بالذات في وجود ستة من بين أسرع عشرة اقتصادات عالمية في إفريقيا مصنفة كأسرع الاقتصادات نموا في العالم، في الوقت الذي تقوضت فيه جهود اليابان للتخلص من الركود الاقتصادي طويل الأمد. وأكد سومافيا ضرورة علاج مشكلة (عمالة القطاع غير المنظم) و(العمالة الهشة) و(محاربة الفقر) وصولا إلى "عالم تقل فيه التوترات وتزيد فيه العمالة ويتعزز فيه الأمن"، منتقدا في الوقت ذاته "العولمة غير المتوازنة وغير العادلة". وأشار في السياق ذاته إلى أن "ارتفاع التجارة بشكل كبير لم يساعد على إتمام جولة الدوحة لتحرير التجارة العالمية ليبقى آخر نجاح حققته مفاوضات التجارة العالمية حتى الآن إلى ما يقارب 17 سنة مضت وتظل المحركات الأساسية للعولمة تعاني على حد سواء أزمة شرعية".
وحدد الخبير الأممي خمس خطوات وصفها بأنها "أهداف منشودة يجب التوصل إليها"، موضحا أنها تبدأ بـ "وضع سياسات اقتصاد وطني سليم وزيادة مستويات الاستثمار من خلال منشآت مستدامة في الاقتصاد الحقيقي وتشجيع أسواق عمل شاملة وعادلة". كما شدد على ضرورة "تسخير النظام المالي لخدمة الاقتصاد الحقيقي وجعل السياسات الضريبية أكثر تدريجيا وخلق توازن بين أبعاد الحياة الاقتصادية والاجتماعية والبيئية في نهج إنمائي مستدام". وأكد سومافيا ضرورة "وضع توازن بين رأس المال والعمل على تحقيق علاقة أوثق بين المكاسب الإنتاجية وزيادة الأجور".