الصين توازن بين احتياجاتها النفطية ومصالحها السياسية
تحتل الصين موقعا متميزا في المباراة التي تشهدها السوق النفطية في الوقت الحالي وينشط فيها كل من إيران وفنزويلا بهدف تحدي النظام الدولي القائم بقيادة الولايات المتحدة. ويسعى البلدان إلى تلبية احتياجات الصين المتنامية من الطاقة مقابل توفير غطاء سياسي في حالة إيران ومواجهتها المنتظرة مع الدول الغربية بخصوص ملفها النووي، بينما تسعى فنزويلا إلى تطوير علاقاتها مع بكين بالصورة التي تجعلها سوقا بديلا لصادراتها النفطية التي كان يذهب جزء كبير منها إلى الولايات المتحدة رغم الخسائر التي يمكن أن تتعرض لها كون رحلة الناقلات تحتاج إلى 40 يوما من أمريكا اللاتينية إلى آسيا مقابل خمسة أيام تحتاج إليها ناقلات النفط لقطع المسافة بين فنزويلا وخليج المكسيك الأمريكي مع زيادة في تكلفة النقل تصل إلى ثلاثة دولارات للبرميل.
الرئيس الفنزويلي هيوجو شافيز، وفي زيارته الرابعة إلى الصين منذ توليه السلطة قبل سبع سنوات، يسعى إلى إغراء بكين بتعاون وثيق من خلال عدة مشروعات تغطي عدة مجالات على رأسها ميدان الطاقة حيث تخطط كاراكاس لتكليف الصين بناء 18 ناقلة نفط جديدة و24 حفارة لتكثيف عمليات التنقيب والاستكشاف وذلك بهدف وقف التدهور في الإنتاج المستمر منذ ثماني سنوات، وربما المساعدة في تطوير حقول أورينيكو التي توجد بها احتياطيات من النفط الثقيل جدا, كما يؤمل أن يتصاعد حجم الواردات النفطية الصينية من فنزويلا بنحو 50 ألف برميل هذا العام إلى 200 ألف بنهاية العام الحالي، علما أن الصادرات الفنزويلية إلى السوق الأمريكية تقارب مليوني برميل يوميا في بعض الأحيان، وهي على كل بين أكبر ثلاث دول تصدر النفط إلى واشنطن.
شافيز بدا زيارته الأسبوع الماضي بتعليق غمز فيه من قناة الدول الغربية عندما أشار إلى أن الصين تمثل نموذجا ينبغي للقادة الغربيين تمعنه إذ تثبت أن الرأسمالية ليست هي الطريق الوحيد المتاح أمام العالم لسلوكه.
لكن بالنسبة للصين فإن علاقتها مع فنزويلا تظل دائما محكومة بسؤال ومقارنة. السؤال عن مستقبل هذه العلاقة بعد انتهاء فترة حكم الرئيس شافيز. أما المقارنة فترجع إلى تقييم علاقتها مع فنزويلا بتلك القائمة مع الولايات المتحدة وإلى أي مدى يمكن أن تضحي بإثارة غضب واشنطون عليها. وإلى حد ما فإن هذا ما يحكم النظرة إلى طهران كذلك.
إيران من جانبها قامت ولأول مرة منذ عام 1979 بالتركيز على خطة تأمل من خلالها أن تصبح قوة اقتصادية لها ثقلها الإقليمي وتحتل فيها الموارد النفطية مركزا محوريا لوضع الأساس لبرنامج سياسي طموح، كما ورد في عرض قدمه الباحث بيجان خاجيهبور أمام المركز الدولي للدراسات الاستراتيجية والدولية في واشنطن أخيراً.
ومن هنا تبدو حرب لبنان الأخيرة بين حزب الله وإسرائيل وكأنها عملية إشهار لهذا الدور القديم-الجديد. ويحتل النفط والغاز مرتبة رئيسية في الخطة التي تغطي الفترة حتى نهاية العقد الثاني من هذا القرن. وتبلغ تكلفة المشروعات المقترحة خلال فترة الأعوام الخمسة عشر المقبلة نحو 130 - 160 مليار دولار نصفها تقريبا، أو 80 مليار بالعملات الصعبة. فالمشروعات الخاصة بالجانب النفطي يتوقع لها أن تكلف 40 مليار دولار إلى جانب 45 مليارا لمشروعات الغاز، وهو مسعى طموح لاستغلال احتياطيات البلاد، التي تضعها مختلف الدراسات في المرتبة الثانية من ناحية احتياطيات النفط بعد السعودية، وفي المرتبة ذاتها فيما يتعلق بالغاز بعد روسيا رغم الاختلاف في الأرقام بين الدراسات المختلفة.
ومع أن هذه المشروعات ستمثل فرصا للشركات الأجنبية، إلا أن التركيز سيكون كذلك على اللامركزية وتعميد السلطات الإقليمية لتطوير المشروعات القائمة في مناطقها تحت إشراف شركة النفط الوطنية، والتركيز على إعطاء حوافز الغاز للصناعات التي تساعد على إيجاد فرص وظيفية للعاملين.
التخطيط السائد أنه بين عامي 2005-2030 فإن إيران ستستهلك نحو 11 ترليون متر مكعب من الغاز ما بين مقابلة احتياجات الاستهلاك المحلية، إلى حقن حقول النفط بالغاز لرفع الضغط فيها، إلى استخدام الغاز لقيما في بعض الصناعات وأخيرا التصدير، ويمثل هذا الحجم نحو 40 في المائة من إجمالي الاحتياطي المقدر، الأمر الذي دفع بطهران إلى اللجوء إلى الخيار النووي الذي سيساعد إيران على الإبقاء على خططها هذه واحتلال مكانة استراتيجية كمورد للنفط والغاز، على أن الدول الغربية تتخذ موقفا عدائيا من هذا البرنامج النووي وتعمل على وقفه ولو من خلال بعض الإغراءات والحوافز خوفا من تصاعد طموحات طهران الإقليمية التي قد لا يمكن تلبيتها.
في الأسبوع المقبل وفي الحادي والثلاثين من هذا الشهر يفترض أن تنتهي المهلة التي حددها قرار مجلس الأمن الذي يطلب من إيران وقف برنامج التخصيب، الأمر الذي يعيد تركيز الأنظار على ما يمكن أن يقوم به المجلس خاصة الصين وإلى حد ما روسيا وهما تطالبان باعتماد الحوار بدلا من اللجوء إلى المقاطعة كما تنادي واشنطن.
الصين كانت تفضل أن تتم تسوية الموضوع خارج إطار مجلس الأمن وسعى الرئيس الصيني هو جنتاو إلى إقناع طهران بتقديم بعض التنازلات بصورة مبكرة حتى يمكن التوصل إلى حل يتجنب المواجهة. عدم تجاوب طهران بدأ في خلق مسافة بين العاصمتين وهو ما يشير إلى نقاط الاختلاف بين البلدين.
فرغم تأييد الصين مسعى إيران المعلن لتوليد الطاقة النووية لأغراض سلمية، إلا أن لها بعض التحفظات على بعض الممارسات الإيرانية. فالصين لها قلقها الخاص بانبعاث تطرف إسلامي يصل إليها كما اتضح من المناطق الإسلامية لديها مثل مقاطعة أكسينيانج، وفوق هذا الخوف أن تؤدي الممارسات الإيرانية إلى حدوث حالة من عدم الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط التي تمثل خزان النفط الرئيسي للعالم من ناحية طاقتها الإنتاجية واحتياطياتها الكبيرة.
وهناك بعض الإشارات التي تسترعي النظر فيما يخص الموقف الصيني من القضية الإيرانية. ويلاحظ مثلا أنه في شهر يونيو (حزيران) الماضي وأثناء اجتماعات منظمة شنغهاي التعاونية التي تضم بعض الدول الآسيوية أن الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد تم التعامل معه كمراقب فقط، ولم تتحمس بكين لاكتسابه العضوية وبالتالي فهي فلم تسع أو تتبنى فكرة إسباغ العضوية عليه. على أن الأهم من ذلك أن الموقف الرسمي المعلن لبكين فيما يتعلق بما ينبغي عمله تجاه طهران فيما إذا تحدث قرارات مجلس الأمن أنها لا تحبذ اللجوء إلى العقوبات، لكنها لم تقل أنها ستعارض بطريقة استخدام الفيتو مثلا. ولا يعني ذلك تلقائيا أن العقوبات ستفرض وأن الصين ستتبنى موقف الممتنع عن التصويت مثلا، ولو أن هذا يبدو واردا.
لكن في إطار قرارات مجلس الأمن، فإن الدول الغربية بقيادة الولايات المتحدة ستسعى جهدها الوصول إلى موقف موحد للأعضاء الخمسة دائمي العضوية في مجلس الأمن وذلك اتساقا مع القرار الولي بإنذار طهران وقف عمليات تخصيب اليورانيوم في مهلة تنتهي آخر هذا الشهر، لكن الحصول على الإجماع له ثمنه المتمثل في أن العقوبات التي ستفرض قد لا تكون مؤثرة بصورة كافية، وهذا هو التحدي الدبلوماسي الذي تواجهه واشنطن في مسعاها للحفاظ على جبهة متحدة ضد إيران.
رد فعل واشنطن على الرد الإيراني يوم الثلاثاء الماضي أنه لا يقدم شيئا وبالتالي ينبغي التقدم في اتجاه فرض العقوبات على طهران، ورد الأخيرة باحتمال تقليص الإمدادات، فأن الدول الخليجية الأخرى أعربت عن استعدادها سد الفرق في الإمدادات.
ورغم أن الصين تعطي ثقلا وأهمية لعلاقتها مع الولايات المتحدة، إلا أن وضع السوق النفطية المضطرب واستمرار النمو القوي في طلبها على النفط الذي قدر نحو 5.5 في المائة، يتيح هامشا للمناورة سوى للصين أو فنزويلا أو إيران، الأمر الذي سيجعل السوق النفطية مشدودة بحالة التوتر وهو ما يضيف بضعة دولارات لسعر البرميل رغم أن أساسيات السوق تومئ باتجاه الأسعار إلى أسفل.