مهمة "أوبك" العاجلة
<a href="mailto:[email protected]">asidahmed@hotmail.com</a>
تراجع سعر برميل النفط بعد البدء في قرار وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحزب الله ليس الظاهرة الأولى أو الوحيدة وإنما سبقه، وللمفارقة، تراجع السعر بنحو دولارين الأسبوع الأسبق عند الإعلان البريطاني عن كشف مخطط لتفجير طائرات متجهة إلى الولايات المتحدة. وقتها شعر المتعاملون في السوق النفطية أن حركة السفر قد تتأثر، وبالتالي يقل عدد المسافرين، الأمر الذي يعني استهلاكا أقل بالنسبة لوقود الطائرات على الأقل.
هل بدا العامل الجيوسياسي يعمل بصورة معاكسة فيما يتعلق بأثره على سعر البرميل؟
بغض النظر عن الإجابة، فإن الأمر المهم الذي يحتاج إلى نقاش هو وضع سياسات التسعير من قبل منظمة الأقطار المصدرة للنفط "أوبك". فشهر العسل الذي تركت فيه العنان لمعدل الأسعار أن يرتفع إلى أعلى فأعلى ودون مجهود يذكر من قبلها لضبط تحركات تلك الأسعار في إطار استراتيجية تسعيرية واضحة يبدو أنه في طريقه للانتهاء وتنتهي معه آخر محاولة استمرت بصورة عملية خلال السنوات الثماني الماضية للتعامل مع قضايا التسعير.
كانت البداية وقتها في نهاية العام 1997 عندما لم تحسن "أوبك" قراءة وضع السوق واستمرت في أسلوبها الهادف إلى زيادة حصتها في السوق وبدون انشغال بوضع الأسعار. وكانت أن قررت في مؤتمر إندونيسيا الشهير زيادة السقف 10 في المائة مرة واحدة وبدون متابعة دقيقة لما يمكن للسوق أن تستوعبه. وكان أن حدث الانهيار الكبير واضطرت المنظمة للإسراع بالعمل والعودة إلى سياسة خفض الإنتاج دعما للأسعار التي بدأت مسلسل الانهيار.
لكن المحاولة الأولى لم تنجح واحتاج الأمر إلى بروز قيادة سياسية جديدة في فنزويلا واستعداد منتج من خارج "أوبك" هو المكسيك ليبرز ثلاثي بإضافة السعودية إلى كل من فنزويلا والمكسيك شكل قيادة للسوق واعتمد خفضا للإنتاج صحبه تعاون والتزام غير مسبوق بقرارات تقليص الإنتاج أسهمت وبصورة واضحة منذ عام 2000 في مضاعفة معدل الأسعار.
ثم جاء العام 2004 بنمو واضح في الطلب واضمحلال في الطاقة الإنتاجية لتتجاوز الأسعار عتبة 50 دولارا للبرميل ثم 60 دولارا والآن تستقر الأسعار فوق 70 دولارا للبرميل في الوقت الذي تم فيه رسميا هجر آلية التسعير من خلال النطاق السعري الذي وضع حدا أعلى وآخر أدنى لسعر برميل النفط، يتم بعده ضخ كميات إضافية من الإمدادات أو سحبها من السوق دعما للنطاق السعري المشار إليه.
مشكلة ذلك النطاق أن الواقع تجاوزه، كما أن الدول المنتجة وفي إطار التصاعد المستمر للأسعار لم تجد سعرا يقل عن 30 دولارا للبرميل حافزا كافيا للتعلق به.
لكن هذا الوضع يخلق مشكلة من ناحية إذ يتطلب الانتقال من مرحلة معرفة ما لا تريده المنظمة، إلى ما تحتاجه حقيقة، أي تحديد السعر أو النطاق السعري الذي ترغب في الحصول عليه من بيعها لبرميل نفطها. فحتى الآن تتطاير الاقتراحات حول هذا السعر ودون أن تقوم المنظمة بجهد واضح في تحديده.
استمرار الطلب خلال العامين الماضيين وقدرة اقتصادات الدول المستهلكة على استيعاب وهضم تلك الزيادات لم تفرض وضعا يدفع بالمنظمة إلى تناول موضوع التسعير بصورة جادة.
لكن هذا الوضع مرشح للتغير وهو ما يظهر من الإشارات التي بدأت تترى من تباطؤ ملحوظ في حجم النمو الاقتصادي وتزايد الخوف من انبعاث التضخم الذي بدأت تعكسه إجراءات زيادة أسعار الفائدة، وآخر الإشارات في هذا الصدد ما تردد عن التباطؤ الذي بدا يشهده الاقتصاد الهندي وفق أرقام الربع الأول من هذا العام. والهند مع الصين تشكلان سوقا أساسية لاستيعاب الخام والمنتجات المكررة، وأهم من هذا كله تقليل سرعة نمو الطلب على النفط ووجود منتجين لا يستطيعون بيع كل إنتاجهم وفق حصتهم المقررة كما هو الأمر مع السعودية مثلا.
إلى جانب الوضع فيما يتعلق بالنمو الاقتصادي وبداية ظهور التأثير السلبي لأسعار النفط المرتفعة خلال الفترة الماضية، وكذلك أسعار الفائدة المرتفعة، فإن نمو الطاقة الإنتاجية الفائضة يشكل في حد ذاته تهديدا لأي هيكل سعري، فإدارة الطاقة الإنتاجية الفائضة ظل على الدوام إحدى نقاط الضعف الأساسية في أسلوب "أوبك" في إدارة موضوع التسعير.
ضغوط السوق والضغوط السياسية التي وقعت على المنظمة خلال السنوات القليلة الماضية لرفع طاقتها الإنتاجية وتلبية الطلب المتصاعد بدأت تتبلور في شكل مشروعات عديدة ستؤدي في نهاية الأمر إلى وجود طاقة إنتاجية فائضة مستدامة ستشكل بدورها ضغطا على هيكل الأسعار يدفعه إلى أسفل كما دلت التجارب السابقة.
وهكذا تتراكم عناصر عديدة لتدفع في اتجاه حدوث تراجع سعري ليس واضحا في هذا الوقت المدى الذي سيبلغه، لكن من المؤكد أنه سيفتح الباب أمام تسارعه ما لم يتم تدارك الموقف بأخذ زمام المبادرة.