النفط والإنفاق الحكومي يدعمان دول الخليج رغم الاضطرابات

النفط والإنفاق الحكومي يدعمان دول الخليج رغم الاضطرابات

تهدد التوترات السياسية في المنطقة إنفاق واستثمار القطاع الخاص، لكن ارتفاع أسعار النفط يزوّد الحكومات بما يكفي من الذخيرة المالية؛ للحيلولة دون وقوع اقتصاداتها في براثن تباطؤ حاد. ومع ذلك، يعزز ارتفاع أسعار النفط العالمية، الذي يرجع هو نفسه جزئيا إلى الاضطرابات في المنطقة وشمال إفريقيا، قطاعات الطاقة في المنطقة ويوفر للحكومات ما يكفي من السيولة لإنفاق ما يعينها على تجاوز المتاعب.
وقال ماريوس ماراثيفتيس، المدير الإقليمي لأبحاث الشرق الاوسط وشمال إفريقيا وباكستان لدى ستاندرد تشارترد في دبي: ''سيعزز ارتفاع أسعار النفط العوامل المحركة للنمو بصورة كبيرة، سواء بصورة مباشرة أو من خلال أثر الثروة''.
واندلعت الاضطرابات في البحرين بينما لا تزال البنوك في بعض البلدان مثل الإمارات العربية المتحدة تحجم عن الإقراض في أعقاب أزمة الائتمان العالمية ومشكلات الديون المحلية.
وقال سايمون وليامز، كبير الاقتصاديين لدى بنك اتش.اس.بي.سي في دبي: إنه نتيجة لذلك ''تدهورت'' آفاق الاستثمار الأجنبي المباشر في المنطقة ''في الأجل القصير حتى في الدول التي لم تشهد احتجاجات واسعة''.
ويضيف: ''الحصول على رأس المال الأجنبي سيكون أكثر صعوبة وأعلى كلفة إلى أن تقتنع السوق باستعادة الطلب في الأجل الطويل''. وفي أعقاب الأزمة العالمية هوي الاستثمار الأجنبي المباشر بأكثر من 70 في المائة في السعودية والإمارات في 2009 وبنحو 86 في المائة في البحرين. وليست هناك بيانات متاحة أحدث من ذلك، إلا أن التوترات السياسية تعرقل تعافي الاستثمار في البحرين، وربما في دول أخرى''. وقال مستثمر في الأجل الطويل في البحرين، طلب عدم ذكر اسمه: ''تأجل مشروعي الاستثماري بسبب هذه الأحداث لمدة شهر كامل... لا بد لي من التساؤل إذا كانت البحرين هي أفضل مكان لذلك بالمقارنة مع دبي على سبيل المثال''. وكان اقتصاد البحرين - المركز المالي الإقليمي والتي استخدم نظامها الحاكم السني الدبابات لقمع احتجاجات قادها الشيعة في المقام الأول - هو الأكثر تضررا. وقتل عدد من الأشخاص خلال شهر من الاحتجاجات التي أغلقت البنوك والمتاجر ودفعت رؤوس أموال للنزوح. وبلغت الخسائر الاقتصادية مليار دولار أو نحو 20 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي الفصلي، وفق تقديرات الأهلي كابيتال.
لكن لم تغادر كل الأموال التي هربت من البحرين، التي تقدر بعشرات وربما مئات الملايين من الدولارات، منطقة الخليج بالكلية، بل انتقل بعضها ببساطة إلى دول أكثر استقرارا في المنطقة لتستفيد ولو في الأجل القصير. وتراجعت تكاليف تأمين ديون دبي، التي تعتبر ملاذا آمنا في الخليج، عما كانت عليه قبل الاضطرابات لتصل إلى 389 نقطة أساس انخفاضا من أعلى مستوى في ثلاثة أشهر البالغ 459 نقطة الذي سجلته في شباط (فبراير). في الوقت نفسه، تستفيد جميع اقتصادات الخليج من ارتفاع أسعار النفط الخام الأمريكي إلى أعلى مستوى في عامين ونصف العام فوق 108 دولارات للبرميل. وتشير تقديرات البنك السعودي الفرنسي إلى أن ارتفاع متوسط سعر النفط المتوقع في الميزانية السعودية بمقدار عشرة دولارات إلى 92 دولارا للبرميل سيضيف نحو 43 مليار دولار إلى الناتج المحلي الإجمالي الاسمي للمملكة هذا العام، وهو ما يمثل نحو 10 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي العام الماضي، إضافة إلى ذلك تعزز دول المنطقة الإنفاق الحكومي بشكل كبير لاحتواء الضغوط الاجتماعية. وتوفر لها أسعار النفط المرتفعة المزيد لإنفاقه، لكن على أية حال فإن هذه الدول مستعدة لاستخدام الاحتياطيات المالية إذا ما دعت الحاجة إلى مواجهة أكبر تهديد سياسي لاستقرارها في أكثر من عشر سنوات.
وأعلنت السعودية في شباط (فبراير) وآذار (مارس)، أنها ستنفق 130 مليار دولار إضافية - في غضون سنوات عدة كما يفترض - على الإسكان والمنح لموظفي الدولة وخلق الوظائف ومشروعات أخرى لتحسين الرعاية الاجتماعية والاقتصاد.
ومن المتوقع أن يسهم ذلك في زيادة ناتج القطاع الحكومي بأكثر من 5 في المائة للسنة الثالثة على التوالي في 2011، وهي المرة الأولى التي يشهد فيها القطاع مثل هذا النمو المتصل منذ أوائل ثمانينيات القرن الماضي.
ومع الأخذ في الاعتبار زيادة الإنتاج النفطي لتعويض نقص الإمدادات الليبية، فمن المتوقع نمو الاقتصاد السعودي 4.5 في المائة هذا العام و4.4 في المائة في 2012 مقارنة مع 3.8 في المائة في 2010، حسبما أظهر استطلاع أجرته ''رويترز'' في منتصف آذار (مارس).
وارتفعت الأسهم السعودية 9 في المائة منذ أن أعلن العاهل السعودي الملك عبد الله أحدث حزمة للتحفيز المالي في آذار (مارس). وقالت دينا أحمد، المحللة لدى بي.ان.بي باريبا: ''فيما يتعلق بالآفاق الاقتصادية، فجميع هذه الدول مصدّرة للنفط وتوقعات اقتصاداتها ايجابية للغاية في الأجل المتوسط، ولا سيما قطر وكذلك السعودية. يتفوق هذان البلدان في الخليج من حيث النمو الاقتصادي وآفاق الاستثمار الأجنبي المباشر''.
وفي قطر، حيث من المنتظر أن يزيد الإنفاق الحكومي 19 في المائة في السنة المالية التي تنتهي في آذار (مارس) 2012، من المتوقع أن ينمو الاقتصاد 15.8 في المائة، مسجلا أحد أعلى معدلات النمو في العالم، حسبما أظهر استطلاع أجرته ''رويترز''. وخفض الاقتصاديون توقعاتهم للنمو في البحرين هذا العام إلى 3.4 في المائة من 4.2 في المائة التي توقعوها في كانون الأول (ديسمبر)، كما قلصوا توقعاتهم لسلطنة عمان إلى 4.1 في المائة من 4.6 في المائة، لكن هناك تحسنات طفيفة متوقعة في 2012. ومن بين العوامل الداعمة للبحرين وعمان، أن الدول الخليجية الأكثر ثراء - والحريصة على منع امتداد الاضطرابات السياسية الى أراضيها - تقدم المساعدات للاقتصادات الأشد تضررا.
وتعهدت السعودية وجيران أغنياء آخرون بتقديم عشرة مليارات دولار من المساعدات للبحرين والمبلغ نفسه لعمان خلال السنوات العشر المقبلة لتحسين قطاعي الإسكان والرعاية الاجتماعية.
وتأمل الحكومات أن يحافظ هذا الإنفاق على مستويات النمو الاقتصادي المريحة؛ حتى تنحسر موجة الاضطرابات السياسية ويستعيد نشاط القطاع الخاص الزخم ربما في وقت لاحق هذا العام. إلا أن انتعاش القطاع الخاص ربما لا يكون كافيا في بعض الدول لتعويض تباطؤ محتمل في برامج التحفيز الحكومية العام المقبل، خاصة إذا تراجعت أسعار النفط. وقال جون سفاكياناكيس، كبير الاقتصاديين لدى البنك السعودي الفرنسي: ''أتوقع تراجعا في نمو الناتج المحلي الإجمالي (السعودي) العام المقبل؛ لأنني لا أظن أن في وسعهم مواصلة هذا المستوى المرتفع من الإنفاق والإعلان باستمرار عن مثل هذه الإجراءات الاستثنائية''.

الأكثر قراءة