العزيمة والخصخصة
تزخر سيرة العظماء بمواقف، وقصص تعرض لنا ما يتمتعون به من قدرة في اتخاذ القرارات المهمة وإيجاد الطرق المناسبة لتنفيذها.
وفي سيرة المغفور له إن شاء الله الملك عبد العزيز شواهدٌ كثيرةُ تدل على امتلاكه هذه القدرة والميزة التي كانت تتجلى في أصعب الأوقات وأحلكها.
ومن أبرزها والتي شكلت منعطفاً مهما في سياسته تجاه ضيوف البيت الحرام وبينت عظم قدرته الإدارية وحزمه في اتخاذ القرار المناسب، إعلانه ـ رحمه الله ـ في رمضان عام 1371هـ، عن إلغاء رسوم الحج التي كان يتم تحصيلها من الحجيج مقابل أدائهم لهذه الفريضة وهي سياسة وجدت قبل حكم الملك عبد العزيز للحجاز، وهذا القرار أوجد قلقاً وحيرة عند وزير المالية عبد الله بن سليمان، حيث أدرك عدم استطاعته توفير نفقات الحجيج كون مجموع المبالغ التي يتم تحصيها منهم يصل إلى ثلاثين مليون ريال، عندها قرر الذهاب للملك يعرض عليه المشكلة ويطلب منه الحل في الطريقة التي يمكن أن يتم بها توفير المبالغ المطلوبة, فكان الرد الحازم والحاسم في وقت واحد من المؤسس بأن قال له (دبر نفسك)، وكانت هذه الكلمات معبرة عن مدى الهمة والقوة والتصميم التي عرفها الوزير, فمضي يدبر حلاً وفعلاً نجح موسم الحج بعد أن تكفل الملك بتكاليفه كاملة.
ارتسمت هذه القصة بأحداثها أمامي وأنا أتابع الحديث عن الاستثمار الرياضي والخصخصة والمعوقات التي تعوق, فرأيت فيها الحزم وسرعة اتخاذ القرار والقدرة على الثبات حتى تم تنفيذ الأمر، وفي ذات الوقت تساءلت إلى متى ومسألة الخصخصة وتحويل الأندية إلى كيانات تجارية ملحقة! ولماذا لا يتم حسم الأمر سريعا؟
هل الخوف والحرص الزائد من المسؤولين السبب في ذلك؟ هل الخوف من أن تكون النتائج عكسية وبالتالي يخسر قطاع الشباب متنفساً مهماً يقضي فيه جل وقته متابعةً وتفاعلاً مع أحداثة؟ أم أن التأخير كان القصد منه البحث عن أفضل الحلول الممكنة لتجاوز هذه المعضلة؟
إن أفضل الحلول لهذه المشكلة تتمثل في ربط الأندية بالشركات القائمة وبالتالي تتسارع عملية الخصخصة جنباً إلى جنب مع الاستثمار وبهذا تشكل الأندية شراكة اقتصادية مع هذه الشركات، ولعل نموذج الاستثمار الذي تتبناه شركة "موبايلي" مع نادي الهلال، يبرز كصورةٌ قريبةٌ مما ننادى به، فلماذا لا تُتْبعها خطوة مماثلة بين بقية أندية زين والشركات الأخرى؟ فنرى مثلاً نصر سابك أو اتفاق أرامكو، وشباب الاتصالات واتحاد فقيه وأهلي جمجوم وغيرها، فالمقصود أن تتولى هذه الشركات القائمة رعاية الأندية وتتولى إدارة شؤونها المالية في سبيل تحويلها لكيانات تجارية مستقلة عن الرئاسة العامة لرعاية الشباب، ولكنها أصبحت جزءاً من هذه الشركات ويمثل أحد استثماراتها فتتولاه بالرعاية وتكفل له سبل النجاح والتفوق وتوفر له الغطاء المالي خلال هذه الفترة الانتقالية, وتسترد ما تم صرفه من خلال قنوات الاستثمار الرياضي من عقود اللاعبين والدعاية والإعلان واستضافة الفرق العالمية وخلافه.