المستثمرون الأجانب يتجنبون السندات الأمريكية

المستثمرون الأجانب يتجنبون السندات الأمريكية

أشارت تقارير اقتصادية حديثة, بعضها يعود إلى البنك الدولي، إلى أن الأموال القادمة من دول النفط والتي تأتي مع ارتفاع السيولة في تلك الدول, باتت تتجنب الاستثمار في السندات الأمريكية. ومن شأن هذا الأمر أن يشكل ضغطا على العجز في الميزانية الأمريكية.
وحسب تقرير بثته خدمة "بلومبيرج", يقول جورج ماجنوس، كبير المستشارين الاقتصاديين لدى بنك UBS AG، إن أصحاب الثقل المالي الجدد يشترون كذلك عقارات وحصصاً في الشركات، ويخصصون المبالغ النقدية لصناديق الأسهم الخاصة، ويضعون أموالهم في صناديق التحوط، ويستثمرون في الأسواق الناشئة, وهم أيضا يتجنبون الاستثمار في السندات الأمريكية.

وفي مايلي مزيداً من التفاصيل

تتحدى الدول المصدرة للنفط الآن البنوك المركزية الآسيوية باعتبارها أكبر مورد للسيولة في الأسواق المالية. ومن النتائج التي يمكن أن تترتب على ذلك ارتفاع تكاليف الاقتراض لحكومة الولايات المتحدة.
واستناداً إلى تقرير نشره صندوق النقد الدولي في نيسان (أبريل)، فإن من المتوقع أن يرتفع فائض الحساب الجاري لدول مثل الكويت والنرويج ليصبح 311 مليار دولار هذا العام، في مقابل 242 مليار دولار عام 2005. وسيهبط فائض السيولة في آسيا هذا العام ليصل إلى 253 مليار دولار، بعد أن كان 263 مليار دولار، حسب تقرير الصندوق.
وحسب تقرير بثته خدمة "بلومبيرج", يغلب على البنوك المركزية الآسيوية استثمار فائض السيولة لديها في سندات الخزانة الأمريكية، وبالتالي فهي تساعد على تمويل العجز في الحساب الجاري الأمريكي. ومن جانب آخر، كما يقول جورج ماجنوس، كبير المستشارين الاقتصاديين لدى بنك UBS AG، فإن أصحاب الثقل المالي الجدد يشترون كذلك عقارات وحصصاً في الشركات، ويخصصون المبالغ النقدية لصناديق الأسهم الخاصة، ويضعون أموالهم في صناديق التحوط، ويستثمرون في الأسواق الناشئة.
ويقول إمانويل رافانو الذي يعمل في مكتب لندن رئيساً لقسم إدارة المحافظ الاستثمارية في أوروبا لدى شركةPacific Investment Management Co.، والتي تتولى إدارة استثمارات بقيمة 600 مليار دولار: "نحن نشهد اتجاهاً يبتعد بشكل خاص عن الموجودات غير الخطرة مثل سندات الخزانة الأمريكية. وفي ظل فروق الفائدة الذي يحدثها هذا التحول، فإن هذا يعني بروز نظام يجعل الولايات المتحدة تتحمل تكاليف أعلى مقابل ما تقترضه من أموال."
ويضيف أن إمكانية تقلص الطلب على سندات الخزانة لفتت أنظار المسؤولين الحكوميين. ففي أيار (مايو) الماضي قال جون سنو (الذي كان حينئذ وزير المالية الأمريكي) إن الدول المنتجة للنفط في الشرق الأوسط ستشتري كميات أقل من الدين الأمريكي، حتى وهو يقلل من أثر ذلك على سوق السندات. وهذا الشهر أخبر بن برنانكي رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي، أخبر الكونجرس أن الولايات المتحدة بحاجة إلى أن تجعل أوراقها المالية جذابة في أعين المستثمرين الأجانب.

عوائد مقدارها ترليونات الدولارات
إن الزيادات الإضافية في أسعار النفط، إلى جانب الأساليب النشطة التي تتبعها الدول المنتجة للنفط في إدارة الإيرادات، يمكن في نهاية الأمر أن تؤدي إلى تفاقم العجز التجاري الأمريكي.
واستناداً إلى صندوق النقد الدولي بلغ إجمالي إيرادات الدول الأعضاء في أوبك (وعددها 11 دولة)، إلى جانب روسيا والنرويج، تريليوني دولار خلال الفترة من 1999 إلى 2005. وخلال هذه الفترة ارتفع سعر النفط إلى أكثر من الضعف، وبلغ سعره في نهاية التداول الأسبوع الماضي 73.36 دولاراً للبرميل في تعاملات العقود الآجلة في نيويورك.
ويقول نيكولاس سارجن، كبير التنفيذيين الاستثماريين لدى شركة Fort Washington Investment Advisors في مدينة سنسناتي، والتي تدير صناديق استثمارية تبلغ قيمتها نحو 30 مليار دولار، إن الدوافع الاستثمارية للدول المصدرة للنفط أكثر تنوعاً من دوافع بنك الشعب الصيني وغيره من البنوك المركزية الآسيوية.

سياسة أسعار تبادل العملات
ويقول إن البنوك المركزية الآسيوية، التي تحدوها الرغبة في الإبقاء على عملاتها ضعيفة وصادراتها تنافسية، تستخدم في العادة إيراداتها من بيع البضائع إلى الولايات المتحدة لشراء سندات الخزانة بالدولار ذات الفوائد المتدنية.
وحين تبيع البنوك المركزية الآسيوية عملاتها المحلية لشراء الدولارات فإنها تبقي العملة الأمريكية أقوى مما لو كانت الأمور خلاف ذلك، مما يؤدي بالتالي إلى شراء المزيد من البضائع الآسيوية. أي أن شراء سندات الخزانة يعمل على إبقاء أسعار الفائدة الأمريكية متدنية. ويقول سارجن: "إن الحافز لتحقيق الأرباح يأتي في المرتبة الثانية بعد سياسة أسعار تبادل العملات. وهذا يؤدي عملياً إلى حصول الولايات المتحدة على تمويل أوتوماتيكي لعجزها الخارجي".
وليس من السهل تقدير المبالغ والأماكن التي تستثمر فيها الدول المصدرة للنفط. على سبيل المثال، ليس بمقدور بنك التسويات الدولية تحديد أماكن وجود 70 في المائة من مجموع فائض إيرادات الدول المصدرة للنفط المستثمرة منذ عام 1999. وتشير بيانات وزارة المالية الأمريكية إلى أنه بين حزيران (يونيو) 2003 ونهاية عام 2005 كان صافي مشتريات وودائع الدول المصدرة للنفط من الأوراق المالية الأمريكية نحو 270 مليار دولار.
ويقول ماجنوس إن هذا المبلغ (270 مليار دولار) لا يشكل إلا ربع أو ثلث إجمالي الاستثمارات المالية للدول المصدرة للنفط. جدير بالذكر أن البيانات الرسمية الأمريكية لا تذكر أسماء الجهات المالكة للموجودات التي تُشترى بشكل غير مباشر عن طريق جهات أخرى، مثل الوسطاء الماليين.

شراء العقارات
ومع ذلك فهناك تقارير تشير إلى ما يدور في أذهان الدول المصدرة للنفط. على سبيل المثال تعتبر الهيئة العامة للاستثمار في الكويت أكبر مساهم في شركة مرسيدس DaimlerChrysler AG، حيث تمتلك حصة بنسبة 7 في المائة، تقدر قيمتها بنحو 2.9 مليار يورو (3.7 مليار دولار).
وفي آذار (مارس) قامت مجموعة دبي للاستثمار، التابعة لدبي القابضة، بالاشتراك مع مايلستون جروب في نيويورك، بشراء 21 ألف شقة في الولايات المتحدة. أما في دبي نفسها فقد قالت "تطوير"، وهي مجموعة استثمارية مملوكة للحكومة مقرها دبي، في شهر أيار (مايو) إنها تعتزم بناء مجمع من الفنادق ذات الطابع الخاص بقيمة 27 مليار دولار.
ويقول ماجنوس: "إن الدول المصدرة للنفط هي القوة المالية الجديدة في الاقتصاد العالمي. وتنمو احتياطيات هذه الدول بسرعة، واقترن هذا النمو في الاحتياطيات بنمو مماثل في تأثيرها على الأسواق الرأسمالية في الولايات المتحدة وغيرها. لاحظ أن استدامة أسعار النفط والغاز المرتفعة تعطي الدول المصدرة للنفط مكانة مالية كانت فيما مضى وقفاً على البنوك المركزية الآسيوية".

دفع مبالغ أعلى
من بين الدول غير الأعضاء في "أوبك"، تعتزم روسيا استخدام 22.3 مليار دولار من احتياطيها البالغ 262.9 مليار دولار لتسديد قروضها من الدائنين الرسميين. أما النرويج، وهي ثالث أكبر دولة مصدرة للنفط في العالم، فإنها تدير صندوقاً حكومياً للتقاعد يتم تمويله من عوائد النفط، وبلغت قيمة موجوداته بتاريخ 31 آذار (مارس) 234 مليار دولار. ويستثمر الصندوق، ومقره أوسلو، في الأسهم والسندات والموجودات الأخرى خارج النرويج، ويستخدم مديرين ماليين من الخارج للإشراف على بعض الأموال الموجودة في حوزته.
ويقول رافانو: "معنى ذلك أن مبالغ التأمين التي سيطلبها المستثمرون لضمان المشتريات من الموجودات الأمريكية ستزداد بالتأكيد، خصوصاً القروض التي على المدى الطويل. وسيكون من نتيجة ذلك أنه سيكون لزاماً على الولايات المتحدة أن تدفع مبالغ أكبر من ذي قبل لتمويل عاداتها في الإنفاق".

1.72 مليون دولار في الدقيقة
يقول بول دونوفان، الاقتصادي لدى بنك UBS AG في لندن، إنه يجب على الولايات المتحدة استيراد ما قيمته 1.72 مليون دولار من رأس المال في الدقيقة لتمويل العجز في حسابها الجاري. ويضيف: "إن الأيام التي كانت فيها الولايات المتحدة تحصل على تمويل رخيص وموثوق لاستهلاك الشعب الأمريكي مبالغ تفوق الدخل، هذه الأيام أشرفت على نهايتها.

الأكثر قراءة