هل سد فجوة الإسكان يعني تناسي البُعدين الاجتماعي والأمني؟
لا أحد ينكر أن الهيئة العامة للإسكان، تقوم منذ إنشائها بجهود كبيرة في بناء الوحدات السكنية الخاصة بالمواطنين، وعملها الدءوب في تخصيص أراض خاصة بها لبناء هذه الوحدات، واختيارها تصاميم عمرانية تتلاءم مع العادات والتقاليد السعودية، هادفة من ذلك إلى سد الفجوة الإسكانية الكبيرة في المملكة.
وجاء بعد ذلك الدعم السخي من خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز لهيئة الإسكان، بمبلغ 15 مليار ريال؛ الأمر الذي سيسهم في دفع عجلة عمل الهيئة لتوفير السكن الملائم لمن يعانون من أزمة المسكن في المملكة، ولكن سؤالي هنا: هل هيئة الإسكان وضعت في اعتبارها البعد الاجتماعي والثقافي والأمني لمثل هذه المجمعات السكنية؟ الملحوظ أن الهيئة حصرت إنشاء هذه المساكن في مخططات بعيدة عن النطاق العمراني بسبب بعد الأراضي التي تم تخصيصها لها، أي أن المساكن التي سيتم تنفيذها في هذه المخططات ستحوي نفس الطيف المجتمعي من السكان ذوي الدخل المحدود، وكان الأجدر بالهيئة أن تعمل على دمج جزء من مساكنها في المخططات العمرانية الأخرى في المدينة الواحدة، من خلال عملية مبادلة تتم مع ملاك هذه المخططات، أو مع جهات حكومية أخرى ممن تمتلك أراضي داخل المدن، حيث يصبح المخطط السكني مشتملا على مبان عادية يملكها أشخاص آخرون، إلى جانب مجموعة من مباني الهيئة، وبالتالي تكون الهيئة قد حققت هدف دمج شرائح المجتمع المختلفة مع بعضها البعض، ومن ثم دمج الفكر وتعدد الثقافات. إن عمل الهيئة لمثل هذه الطريقة في توزيع المساكن، سيعمل بشكل كبير على خلق مجتمعات مغلقة خاصة في ذاتها وعدم اندماجها فكريا مع الشرائح المختلفة في المجتمع، كلنا نعلم أن هيئة الإسكان تهدف في المقام الأول إلى تيسير حصول المواطن على المسكن الملائم، ورفع نسبة المعروض من المساكن، وزيادة نسبة تملك المواطنين .. إذ إن الهدف يتمثل في الحصول على مسكن .. لم لا تعمل الهيئة على إعطاء المواطن حرية الاختيار في مسكن العمر؟ كما هو معمول في صندوق التنمية العقاري، الذي يتيح للمواطن عند استلام القرض أن يبني منزله في أي حي هو يختاره، أو حتى نقل هذا القرض إلى أي مدينة أخرى يرغب السكن فيها .. إن هذا التسهيل لا يعطي فرصة لوجود المساكن المغلقة، ويسهل اندماج المجتمع، ويلغي تكون المجتمعات الخاصة التي تتطور مع الأيام إلى مشكلة أمنية على المجتمع، فكثير من الأحياء لدينا التي قامت على قروض صندوق التنمية العقاري، تجد فيها سكانا من جميع مدن ومحافظات المملكة، وتم التعايش فيما بينهم من خلال نقل ثقافات حميدة بين بعضهم البعض، الأمر الذي قد تحد منه هذه المجمعات السكنية المغلقة التي تعمل الهيئة على تنفيذها، كذلك من الممكن أن تقوم هيئة الإسكان على توحيد جهودها مع صندوق التنمية العقاري، من خلال تطوير الأراضي السكنية وبيعها على المواطنين، من خلال آليات واشتراطات معينة، وبالتالي وضعت أمام المواطن عدة خيارات للسكن في عدة أماكن داخل المدينة.
وفي الختام أعود مرة أخرى، وأوكد أن لهيئة الإسكان ذات العمر القصير والعمل الكبير، كل الشكر والتقدير على جهودها الجبارة في تحقيق هدف من أسمي الأهداف التي حرص عليها ولاة الأمر في هذا البلد المبارك، والذين لم يبخلوا يوما بأي دعم يقدم لتوفير الحياة الكريمة للمواطن السعودي.