رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


السلوكيات الشاذة لبعض طلاب الجامعات

ناقشت في مقال الأسبوع الماضي التقرير الذي نشرته صحيفة ''عكاظ'' حول مطالبة وزارة التعليم العالي الجامعات بمعالجة تعثر تسعة آلاف طالب وطالبة. وقد أثار هذا الموضوع عدة تساؤلات، منها تعارض طلب الوزارة مع بعض الأعراف والتقاليد الجامعية، وتعارضه مع معايير ومبادئ الجودة الشاملة والاعتماد الأكاديمي. كما أن تعثر تسعة آلاف طالب وطالبة لا يمثل ظاهرة ولا يعد عقبة حينما نعلم أن عدد طلاب الجامعات السعودية يقارب نصف مليون، ولو رضخت الجامعات وتمت المعالجة فستصبح نسبة النجاح 100 في المائة، وهذا وضع أكاديمي شاذ يصعب فهمه.
وفي هذا المقال أريد أن أستكمل الموضوع باستعراض الأسباب التي أراها جوهرية وراء تعثر طلاب الجامعات بحكم قربي من البيئة الجامعية وملازمتي للطلاب في الجامعات، يلي ذلك استعراض التغيرات التي طرأت على سلوكيات أبنائنا الطلاب في السنوات الأخيرة التي لم نعهدها في أسلافهم، ثم أختم المقال بطرح عدة حلول أراها منطقية لإدارة سلوكيات الطلاب وحفز هممهم وإعادة الأمل العذب إلى أرواحهم.
تطرقت صحيفة ''عكاظ'' عندما نشرت خبر تعثر تسعة آلاف طالب وطالبة، إلى تعليقات بعض الطلاب والمسؤولين حول الأسباب التي تدفع الطلاب إلى الإخفاق. ورغم أن بعضها أسباب منطقية وأقرب ما تكون إلى الواقعية إلا أن هناك أسبابا أخرى قد لا يطلع عليها إلا من يحتك بالنواحي التشغيلية في الجامعات من تدريس ونحوه.
أرى أن أهم سبب يعترض أبنائنا في الجامعات ويبعدهم عن النجاح وطلب العلم، أن كثيرا منهم لا يريدون التعليم بل أجبروا عليه، إما من قبل الأهل وإما من قبل الجهات المعنية وهم يفضلون العمل والوظيفة على تلقي العلم. بعض الطلاب عند تخرجهم في المدارس الثانوية يبحثون عن وظائف ومصدر للرزق وعندما لم يجدوا ضالتهم اتجهوا إلى مواصلة التعليم وإلى الجامعات التي تمنحهم مكافآت دون عمل، فانخرطوا كطلاب في سلك التعليم الجامعي لأنه البديل الوحيد والملاذ المتاح. هناك نسبة ليست بالقليلة من الطلاب يرفضون، بل يكرهون التعليم لأسباب ليس هذا مكان مناقشتها. وهذا يقودنا إلى حقيقية أن أزمتنا كما ذكرت في مقالات سابقة هي أزمة وظائف وليست أزمة تعليم، ولو توافرت الوظائف لطلاب المرحلة الثانوية فستخلو بعض المؤسسات التعليمية وما يدور في فلكها من كليات التقنية وكليات المجتمع، ستخلو من الطلاب وقد تغلق جامعات بأكملها.
وقد انعكس هذا الأمر على تصرفات الطلاب في البيئة الجامعية وولد عدة سلوكيات وكون مجموعة عادات منها تدني الهمة. فترى ما يخلف البيئة الأكاديمية فبعض طلابنا يحضرون إلى القاعات متأخرين باستمرار إلى نصف ساعة تقريبا .. يدخل إليك أشعث أغبر يتمنى لو ترفض دخوله القاعة فيرتد على أعقابه إلى والديه ويطلب منهما الدعاء عليك لأنك تجنيت عليه وحرمته متعة العلم وروضة التعلم. وعندما تتجاوز كل الأعذار وتتخطى كل اللوائح وتسمح له بالدخول، فيأتي إليك وليس لديه أبسط مقومات تلقي العلم، لا قلم، ولا كتاب ولا ذهن حاضر فقط جسم بلا روح أشبه ما يكون بدمية هرمة خربة، يلقى بجسمه المتثاقل في آخر القاعة ولسان حاله يقول ''هذا مصيري فما أشقى المصير''.
يدخل عليك الطالب وكأنه من سكان المقابر بمظهر مترهل وهيئة متردية، وهنا تسأل نفسك: هل هذا بالفعل طالب يدرس في الجامعة أم أنه ضاعت به الخطى؟ أو إنك أنت الذي أخطأ المكان فقادتك قدماك إلى مركز لصيانة السيارات؟ لا تدري ماذا يريدون؟ بل إنهم بالفعل لا يدرون ماذا يريدون، غالبية أسئلتهم تراوح بين نسبة الغياب وموعد المكافأة، وهذا الأمر انعكس على بعض أعضاء هيئة التدريس الأكفاء فقرروا الرحيل وهجر مهنة الرسل التي أمضوا فيها زهرة العمر.
أرى إنساً لا يتكلمون فلا تعلم ما يجول في خواطرهم فهم دائما وأبدا يصومون عن الكلام المباح، يكرهون النقاش، أو أي شيء يمكن أن يظهرهم على السطح، يعشقون القاعات المظلمة، ويتوارون خلف بعضهم بعضا، فمن يظفر بالمقاعد الخلفية ترى على محياه البهجة. وإنني أتساءل: كيف وصل أبناؤنا إلى هذه الهوة؟ والسؤال الآخر: كيف سيقود هذا الجيل عجلة التنمية؟ وكيف سيدير مكتسبات الوطن وهم أقرب ما يكونون للأشباح والدمى وأشباه الأحياء؟ وقد انتشرت فيهم الأمراض العضوية وهم في هذه السن المبكرة كالسكري، وضغط الدم، وتضخم الغدة الدرقية، وهذه الأمراض ــــ كما بين الأطباء ـــ هي نتاج لعدة أمور من أبرزها الظروف العاطفية والحالات النفسية، بل إن نسبة كبيرة منهم قد تمكنت منهم الأمراض النفسية كالكآبة والحزن العميق وكراهية الحياة، بل إنني أظن أن بعضهم يعشق الموت.
ورغم كل هذا إلا أن هناك كوكبة من الطلاب نعدهم أعلاما، يعيدون إلى أنفسنا الأمل يتصفون بدماثة الخلق، وحب العلم والسعي إليه، واقتناص كل دقيقة لمعرفة الجديد، ولكنهم مع الأسف أعداد قليلة جدا، وهؤلاء هم بالفعل شواذ.
هذه بعض صفات وسلوكيات طلاب الجامعات أردت أن أطلعكم عليها كي أستشف آراءكم وأسمع منكم حتى نتعاون جميعا، ليس فقط على معالجة أوضاعهم الدراسية، كما يطلب البعض، بل معالجة نفسياتهم، وحل مشكلاتهم، والتعرف على ما يدور في أذهانهم، وبث الأمل من جديد في أرواحهم.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي