تمويل البنوك الإسلامية
إن القطاع المصرفي على عتبة مواجهة تحديات جديدة من بيئة أسعار الفائدة المرتفعة في السنوات المقبلة.
ربما يؤجل الناس مشترياتهم مع ارتفاع تكاليف الاقتراض. ليس هذا فحسب، ولكن المخاوف الحالية من التضخم تصيب كثيراً من البنوك بالقلق من مخاطر أسعار الفائدة.
وتستطيع القروض ذات الفائدة المعومة بسهولة امتصاص أية زيادة في أسعار الفائدة للاقتراض بين البنوك في أي وقت. ومع هذا ربما لا تستطيع القروض التي تعطى بفائدة ثابتة، مثل قروض السيارات فعل ذلك. وينطبق الشيء نفسه على البنوك الإسلامية. فربما ستواجه البنوك التي تعطي قروضاَ ثابتة بطريقة "البيع بالثمن الآجل" و"الإجارة ثم البيع" صعوبات من هذا القبيل، ما لم يكن لديها خيار سعر الفائدة المعوم لتتعامل به.
إلا أن البنوك الإسلامية تستطيع أن تقوم بأفضل من ذلك من خلال تقديم منتجات تتميز بافتكاك الرهن، وذلك لتقليل اعتماد تعاملاتها على متغيرات قائمة على الاقتراض وأسعار الفائدة.
وهي لن تطلب أرباحاً مباشرة من زبائنها كما هي الحال في القروض البنكية المعتادة. وبهذه الطريقة لن يضيف التعامل بالموجودات من خلال المشاركة أو المضاربة تكاليف تضخم إضافية نحو الاتفاقية التجارية.
جدير بالذكر أن القيام بمشاريع مشتركة من خلال المشاركة في الحصص ليس جديداً على التعاملات البنكية. كانت البنوك في الولايات المتحدة، قبل الكساد الاقتصادي العظيم، تتمتع بحرية شراء موجودات الأراضي والمساكن، وكانت تفعل ذلك باستخدام أموال المودعين. كما كان مسموحاً لها ضمان الأسهم والتأمين. بمعنى أنه لم تكن هناك "حواجز" في تلك الأيام تفصل بين البنوك التجارية والبنوك الاستثمارية والتأمين.
وعلى الرغم من ذلك فقد قاد الشراء التخميني إلى اكتشاف فضائح الأراضي التي تسببت بدورها في تآكل الموجودات البنكية. أصبحت البنوك, حين هبطت أسعار الأراضي، تحمل بصوره نسبية موجودات ليس لها قيمة سوقية. وعلى النمط ذاته، قامت تلك البنوك بشراء أسهم رديئة لم تستطع معها أن تبيعها بسعر مربح. وتسببت المجازفات الأخلاقية، وتضارب المصالح، والحاكمية السيئة في وقوع البنوك في أزمات حادة.
شددت حكومة الولايات المتحدة، من خلال قانون جلاس- ستيغول لعام 1933، بشكل أكثر على أنشطة المصارف بإحداث جدار واق بين الأعمال البنكية التجارية والاستثمارية.
ولم يعد مسموحاً، لمنع إخفاقات البنوك التجارية، أن تشتري العقارات والأسهم. بل يقتصر عملها على الإقراض والاقتراض.
وعلى شاكلة قانون جلاس- ستيغول، فإن قانون البنوك الماليزي (بافيا 1989)، يعمل إلى حد ما على حماية المودعين. إذ إنه لا يسمح للبنوك التجارية أن تستخدم المبالغ المودعة لديها في شراء الموجودات والأصول والأسهم من أجل تحقيق الأرباح. وبهذه الطريقة، فإنه من غير المسموح للبنوك من الدخول في مشاريع مشتركة مع شركات غير مصرفية.
ومع ذلك، فإن قانون بافيا يسمح للبنوك بامتلاك الأسهم الناشئة عن أنشطة إعادة هيكلة الديون.
وعلى الرغم من ذلك لا يضع قانون البنوك الإسلامية لعام 1983 قيوداً صريحة على شراء الأصول والأسهم.
والسبب في ذلك هو أن كلا هذين العملين يشكل أسس الأنشطة العملية المصرفية الإسلامية. ويتطلب تطبيق المرابحة والإجارة أن تؤمن البنوك الإسلامية ملكية الأصول قبل عمليات البيع والتأجير. وعلى نحو مشابه، يتوقع من البنوك الإسلامية أن تشتري وتتملك حصصاً في أسهم الشركات التي تستثمر فيها بموجب مبادئ المرابحة والإجارة.
ويمكن أن تصبح عقود الأسهم الجيل القادم من المنتجات بالنسبة للبنوك الإسلامية في ماليزيا. ومع تركيز الخطة الماليزية التاسعة على الصناعة الصغيرة والمتوسطة الحجم, فإنه يمكن للبنوك الإسلامية أن تلعب دوراً مهماً في تحفيز تمويل العقود والمشاريع. وعلى الرغم من ذلك فاستخدام الأسهم قد لا يكون سهلاً على البنوك الإسلامية لأنها غير ملمة كثيراً بنظام تمويل الشراكات.
ولا يعتبر تمويل العقود أمراً جديداً في ماليزيا. ففي العادة، تقوم البنوك بتقديم حزمة من تسهيلات التمويل التجاري كاكتتاب الاعتماد المالي، وإيصالات الأمانات، وخطابات الضمان، وإعادة تمويل اعتمادات التصدير، والسحب المكشوف إلى العملاء المحتملين. ومع هذا يميل تمويل المشاريع صغيرة والمتوسطة الحجم للغرق بالمشاكل، ولا سيما من ناحيتي الرقابة والسداد.
وفي عام 2004، أسهمت القروض سيئة الأداء للمشاريع الصغيرة والمتوسطة بنسبة 30.6 في المائة من إجمالي القروض سيئة الأداء الخاصة بقطاع الأنشطة العملية.
إن المغامرة في الانتقال من منطقة مريحة إلى قطاع ذي قروض عالية سيئة الأداء بشكل غير متناسب يمكن أن تكون مروعة. ولكن علينا أن نفهم أن تمويل المشاريع الصغيرة والمتوسطة يستند إلى حد كبير إلى قروض تكون الرقابة والضبط فيها متدنية. وفي ظل الكثير من القروض التي تقدم بضمانات إضافية، فإن البنوك التي تقوم بإقراض الأموال وتحصيل الديون، تنأى بنفسها عن أعمال المشاريع الصغيرة والمتوسطة، والمشاكل المرتبطة بها.
وربما لا ينطبق الشيء نفسه على الأعمال المصرفية الإسلامية. وتعني مشروعية شراء الأسهم عبر قانون البنوك الإسلامية لعام 1983 إتاحة الفرصة للإمساك بزمام السيطرة على المشروع، وعلى الشركة على حد سواء. ويمكن لبنك إسلامي أن يستخدم إما ودائع المضاربة وإما رأسمال حملة الأسهم للحصول على قوة تصويتية على إدارة شركات المشاريع الصغيرة والمتوسطة. ويمكنه أن يتعلم آلية السيطرة هذه بسرعة من البنوك العالمية الألمانية واليابانية، حيث تقوم هذه البنوك، بمقتضى الحصص التي تملكها، بتأمين عضويتها في مجلس الإدارة، وتشارك بنشاط في صنع القرارات الخاصة بالشركة. ويمكنها بهذه الطريقة أن تعترض على أي تحرك يمكن أن يَثبُت أنه ضار بالمشروع الاستثماري.
ولكن تبين من خبرة البنوك العالمية، أن آلية السيطرة تقتصر على الحالات التي تسرى فيها صيغة التمويل على الدين، وليس على الأسهم.
وهكذا، فإن البنوك العالمية تقدم القروض لعملائها باستخدام الودائع، ولكنها تمتلك السيطرة عبر رأسمال المساهمين. ولعل هذا غير ممكن بموجب قانون بافيا 1983، ولكنه يحتمل أن يكون ممكناً بالنسبة للبنوك الإسلامية. فقانون البنوك الإسلامية لعام 1983 لا يحظر شراء الأسهم باستخدام رأسمال المساهمين. ويمكن لأحد البنوك الإسلامية أن يشتري أسهم شركة ABC Sdn Bhd مثلاً، إذا سبق له أن حقن أموالاً في أحد مشاريع ABC، كمشروع تطوير الإسكانات.
ويلتزم قانون البنوك الإسلامية لعام 1983 الصمت حول ما إذا كان باستطاعة البنك أن يستخدم صندوق المودعين، أو صندوق المساهمين لشراء أسهم ABC.
ووفقاً للشريعة الإسلامية، فالأصل هو أن كل شيء مباح (حلال) ما لم يرد نص صريح بتحريمه. وإذا توسعنا في ذلك، فإن الشيء نفسه ينطبق على قانون البنوك الإسلامية لعام 1983.
ويمكن لذلك أن يساعد البنوك الإسلامية على تقليل المخاطرة الأخلاقية في تمويل المشاريع الصغيرة والمتوسطة عبر سلطة الأقلية لحملة الأسهم. وباعتبار أن عضوية مجلس الإدارة تعمل كآلية للسيطرة والحاكمية، فإنها تعتبر حيوية بالنسبة للبنوك الإسلامية. وخلافاً لذلك، فإن عليها أن تبحث عن بدائل تعمل كآلية للسيطرة.
وأحد هذه الخيارات، هو إيكال عملية إدارة المخاطر إلى جهة خارجية، للإشراف على شركة ذات رأسمال . ولا يعتبر هذا بالأمر الجديد على المؤسسات المالية. وعلى سبيل المثال، فإن شركات وحدات الائتمان تكل عمليات الاستثمار إلى شركات إدارة الصناديق.
ولكن علينا أن نرى أن نجاح التمويل بالمشاركة لا يتوقف على آلية التحكم وحدها، وإنما كذلك على مدى قدرة المشروع على الاستمرار والنجاح. ذلك أن تعريض مشروع المشاركة لمخاطر السوق هو أمر لا بد منه لأنه من طبيعة الأمور، وعلى جميع الأطراف أن تدرك أن ذلك أمر لا مفر منه بموجب مبدأ "لا ربح بلا مغامرة"، وهو المبدأ الذي يرفض كذلك فكرة اعتبار الربا كسباً مشروعاً.
فإذا تمكن البنك الإسلامي من حمل الاقتصاد إلى مستوى آخر، فإن ذلك يجب أن يكون من خلال التمويل بالمشاركة، أي الدخول في عقد لمشاركة الأرباح يستطيع فيه الطرفان تقديم رأس المال إلى المشروع. وهذه الفكرة جديدة على التعاملات المصرفية، ولكنها ليست جديدة على التعاملات التجارية العامة.
مدير الأبحاث في المعهد الماليزي للأبحاث الاقتصادية