حب المال يدفع بعض الأبناء إلى شكوى الآباء والمصيبة الكبرى أكل أموال اليتامى
أوضح الشيخ محمد بن صالح المنجد المشرف على موقع الإسلام والداعية الإسلامي المعروف، أن فتنة المال من الفتن العظيمة التي وقع فيها الناس، وفتنة الجاه من الفتن الكبيرة التي أودت بكثير من أخلاق المسلمين، هذه الفتنة التي عظم رسول الله، صلى الله عليه وسلم، شأنها فقال: "إنَّ لِكُلِّ أُمَّةٍ فِتْنَة وَفِتْنَة أُمَّتِي الْمَالُ" [رواه الترمذي]، ولذلك كان، صلى الله عليه وسلم، لا يخشى على أصحابه الفقر، "لَا الْفَقْرَ أَخْشَى عَلَيْكُمْ وَلَكِنْ أَخَشَى عَلَيْكُمْ أَنْ تُبْسَطَ عَلَيْكُمْ الدُّنْيَا كَمَا بُسِطَتْ عَلَى مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ فَتَنَافَسُوهَا كَمَا تَنَافَسُوهَا وَتُهْلِكَكُمْ كَمَا أَهْلَكَتْهُمْ" [رواه البخاري ومسلم].
وقال: ما لنا نرى اليوم كثيراً من الناس إذا أصابتهم نعمة من الله كفروا، وإذا وسع الله عليهم شيئاً من معيشتهم نسوه، سبحانه وتعالى، وإذا أعطاهم الله وظيفة أو جاهاً تكبروا على عباد الله. ما هو السبب الذي يجعل كثيراً من النفوس تصاب بهذه المصيبة الكبيرة؟
اللامبالاة من أي باب جمع المال .. إن من أشراط الساعة أن يفيض المال، ففي بعض بلدان المسلمين فاض المال، فهل شكروا نعمة الله، أم ماذا فعلوا بالمال؟ فجروا وطغوا وبغوا وكفروا بنعمة الله، ولذلك يستحقون ما أصابهم من خوف، ويستحق الناس ما يصيبهم من جوع وفقر وسلب نعمة وتحول عافية وزوال، وسيسيرون في الطريق حتماً إن استمروا على ذلك، ثم إن الناس لم يعودوا يبالون أكلوا من الحلال أو من الحرام، قال، صلى الله عليه وسلم: "لَيَأْتِيَنَّ عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ لَا يُبَالِي الْمَرْءُ بِمَا أَخَذَ الْمَالَ أَمِنْ حَلَالٍ أَمْ مِنْ حَرَامٍ" [رواه البخاري]. وهؤلاء الناس اليوم لا يبالون بما أخذوا من حلال أو من حرام، غصب أموال، أخذ حقوق أيتام، وهكذا، صدق نبي الله صلى الله عليه وسلم، وصار الجشع والشره في الناس عظيماً، يتنافسون على الدنيا ويتقاتلون, وقد يشتكي الابن أباه في المحكمة، قال صلى الله عليه وسلم: "اثْنَتَانِ يَكْرَهُهُمَا ابْنُ آدَمَ الْمَوْتُ وَالْمَوْتُ خَيْرٌ لِلْمُؤْمِنِ مِنْ الْفِتْنَةِ وَيَكْرَهُ قِلَّةَ الْمَالِ وَقِلَّةُ الْمَالِ أَقَلُّ لِلْحِسَابِ". [رواه أحمد]
ولذلك الفقراء يدخلون الجنة قبل الأغنياء بـ 500 عام، لأن أصحاب الجد محبوسون يحاسبون على الأموال، فلا تجزع أيها الفقير إذا فاتك شيء من الدنيا
الصحابة وحالهم مع الفقر
وقال فضيلته إن الصحابة، رضوان الله عليهم، كثير منهم قد أدرك الحالين: حال الفقر وحال الغنى، فكيف كان حالهم في وقت الفقر وكيف صار حالهم في وقت الغنى، هل تغيرت نفوسهم؟ هل اضطربت أحوالهم؟ هل رجعوا وارتدوا على أعقابهم؟
كان حال النبي، صلى الله عليه وسلم، وأصحابه، قبل الفتوحات حالاً شديداً، قال صلى الله عليه وسلم: "لَقَدْ أُوذِيتُ فِي اللَّهِ وَمَا يُؤْذَى أَحَدٌ وَلَقَدْ أَتَتْ عَلَيَّ ثَلَاثُونَ مِنْ بَيْنِ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ وَمَا لِي وَلِبِلَالٍ طَعَامٌ يَأْكُلُهُ ذُو كَبِدٍ إِلَّا شَيْءٌ يُوَارِيهِ إِبْطُ بِلَالٍ" [رواه أبو داود وابن ماجه]، وقالت عائشة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: "مَا شَبِعَ آلُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُنْذُ قَدِمَ الْمَدِينَةَ مِنْ طَعَامِ الْبُرِّ ثَلَاثَ لَيَالٍ تِبَاعًا حَتَّى قُبِضَ" [رواه البخاري ومسلم].
ولما أراد الصحابي أن يتزوج لم يجد مهراً ولا خاتماً من حديد، ليس له إلا إزاره يواري به عورته، لو أعطاه للمرأة لم يغنِ عنها شيئاً وبقي هو بغير ثياب.
وعن عائشة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: دَخَلَتْ امْرَأَةٌ مَعَهَا ابْنَتَانِ لَهَا تَسْأَلُ فَلَمْ تَجِدْ عِنْدِي شَيْئًا غَيْرَ تَمْرَةٍ فَأَعْطَيْتُهَا إِيَّاهَا فَقَسَمَتْهَا بَيْنَ ابْنَتَيْهَا وَلَمْ تَأْكُلْ مِنْهَا ثُمَّ قَامَتْ فَخَرَجَتْ فَدَخَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيْنَا فَأَخْبَرْتُهُ فَقَالَ: مَنْ ابْتُلِيَ مِنْ هَذِهِ الْبَنَاتِ بِشَيْءٍ كُنَّ لَهُ سِتْرًا مِنْ النَّارِ". [رواه البخاري].
كان الصحابة يقدم عليهم إخوانهم من سائر النواحي فقراء مطاردين مشردين، يقول النبي عليه الصلاة والسلام: "يَا مَعْشَرَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ إِنَّ مِنْ إِخْوَانِكُمْ قَوْمًا لَيْسَ لَهُمْ مَالٌ وَلَا عَشِيرَةٌ فَلْيَضُمَّ أَحَدُكُمْ إِلَيْهِ الرَّجُلَيْنِ أَوْ الثَّلَاثَةِ"[رواه أبو داود].
هذا شيء يسير جداً من حال النبي، صلى الله عليه وسلم، وأصحابه، ما شبعوا من التمر إلا بعد معركة خيبر، أما غير ذلك فلم يكونوا يرون الطعام إلا يسيراً، وكانت خفافهم مشققة وثيابهم مرقعة رضوان الله عليهم، يجاهدون في سبيل الله ولو لم يجدوا في طريق الجهاد إلا ورق الشجر.