المتنزهات والساحات الشعبية وضعف الحس الحضاري لدينا
<a href="mailto:[email protected]">aIafaizdr2@yahoo.com</a>
المتنزهات والساحات الشعبية وأرصفة المشاة لمن؟ ومن المسؤول عن نظافتها والاهتمام بها؟ أو من يهمه ذلك؟ بالطبع هو المواطن المستفيد الأول منها. فالدولة لها دور في التنفيذ والنظافة والصيانة ولكن المواطن يجب أن يساعدها في ذلك بدلاَ من أن يكون عبئا وعالة عليها. لقد شد نظري ذلك عندما رأيت مجموعة من المتنزهين في تلك الأماكن وهم يهمون بفرش سفرة الطعام المليئة بما شاء الله من النعم، ولكن ما إن ملأوا بطونهم حتى انصرفوا تاركين كل الفضلات في أفضل المواقع في المتنزه ولم يكلفوا أنفسهم جمعها ورميها في برميل النفايات القريب منهم الذي وفرته الأمانة. هل ذلك تبلد إنساني أم تخلف حضاري؟ وهل هؤلاء من ينادون ويشتكون للدولة من عدم توفير المتنزهات وبعد ذلك يقومون بـإتلافها؟ ناهيك عن الممارسات غير الحضارية الأخرى التي يقوم بها أبناؤهم من مضايقات وإزعاج للآخرين. أو اختراق المتنزهات بسيارتهم والقفز على الأرصفة لإزعاج وتخويف العائلات وأطفالهم. أو استعمال السيارات الصغيرة البودي والدراجات الهوائية المزعجة بأصواتها وخطورتها. فمتى ينمو لدى بعضنا الحس الحضاري.
إنها مسؤولية الجميع، فالمواطن السيئ الذي ليس لديه حس حضاري يجب أن يؤدب سواء من الدولة أو من إخوانه المواطنين المتحضرين. أو بأن نكون أمثلة لهم يحتذون بها. وعندما لا نقوم بهدايتهم فإننا مقصرون. كما أن هذا هو أحد الأدوار التي يجب أن تقوم بها هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فالنظافة والأدب واحترام الآخرين من الإيمان، وأساس الإسلام الطهارة. لذلك فإن هذه التصرفات هي منكرات لا تقل في أهميتها وإثمها عن متابعة المعاكسين فقط. ويجب أن يكون هناك نوع من الجزاءات أو المخالفات الفورية لإجبار المخالف على دفع مبلغ من المال لكل نوع من المخالفات سواء رمي النفايات أو الإزعاج.
ولماذا نقتل هذه الظاهرة الصحية الحديثة على المجتمع السعودي، التي أخذت في الازدياد بين المواطنين وتدعو إلى الإعجاب والثناء، وهي ظاهرة المشي، التي إضافة إلى كونها مظهرا حضاريا فإنها أيضا لها فوائدها المتعددة على الصحة البدنية وتقليل أمراض القلب والسكري وتساعد على صفاء التفكير والراحة النفسية وغيرها من الفوائد التي لا تحصى، والتي تساعد على حل معظم الخلافات العائلية أو الاجتماعية. وكلما كان المجتمع صحياَ قلت التكلفة التي يدفعها رب العائلة أو الدولة لعلاج الأفراد "توفير اقتصادي". ولذلك فإنها تتطلب منا التشجيع وتسخير الإمكانيات للاهتمام بالإنسان الذي توليه الدولة اهتمامها، وهو إحدى أولويات الخطط التنموية التي تنفق عليها الدولة مبالغ طائلة.
وهل هذا نوع من الشكر والتشجيع لما تقوم به الدولة وأمانة منطقة الرياض من مشروع رائد لإحياء الساحات الشعبية في المدينة لإيمانها العميق بأن الحدائق والساحات العامة في المدن تساعد على خلق الحياة الاجتماعية للمدينة والتفاعل الاجتماعي وجعلها حية ومتألقة في ظل وجود البعد الإنساني للمدينة. فالمدن من صناعة الإنسان. ويبقى الإنسان المتحضر هو الخادم والمخدوم وكلما حافظ على حيزه أو بعده الإنساني في المدينة عاشت أكثر لينعم بها. وهو هدف لن يتحقق إلا بتضافر جهود المواطن والدولة. فالدولة تقوم بفرض أنظمة البناء والارتفاعات لتضمن إيجاد فراغات عمرانية صحية ثم تقوم بتنفيذ الأرصفة والسفلتة والتشجير والصيانة بينما تكون مسؤولية المواطن في تقديرها والمحافظة عليها والإسهام في سد النقص بقدر المستطاع ومحاولة الاستفادة من الساحات العامة للتقارب والتلاحم الاجتماعي ومحاولة التعايش مع بعضنا البعض. (وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا). لخلق التفاعل الاجتماعي الذي هو أساس تطور المدن. وغالباً نكون نحن كمواطنين قد ظلمنا أنفسنا سواء كمسؤولين أو مواطنين. فمن منا لا يحلم بمتعة التجول مع عائلته ومصافحة جيرانه في ساحات وشوارع حي يعطي الإنسان قيمته بما يراه من نظافة وتنسيق للأرصفة والحدائق والأشجار مع إعطائه أهميته بتخصيص ممرات مظللة وآمنة للمشاة وتأثيث جيد للطرق والساحات. والاهتمام بالبيئة المحيطة به من المباني واللوحات الإعلانية واختيار الألوان والمواد المناسبة للبيئة. ونجد أن اهتمام الدولة بالتراث الوطني وما تتكلفه في تنفيذ مشاريع رائدة كمراكز حضرية وساحات عامة يقابل بعدم الاهتمام الاجتماعي من بعض المواطنين للاستفادة من هذه المشاريع.
تختلف النظريات في هذا المجال فالبعض يعتقد أن الإنسان يجب أن يتكيف مع الفراغات والبيئة المحيطة به بينما البعض الآخر يرى العكس، تكييف وتسخير البيئة للإنسان. كما أن البعد الإنساني تختلف خصائصه حسب الفراغات سواء كانت عامة أو فيها نوع من الخصوصية. وهي إبعاد لها خصائص روحية واجتماعية واقتصادية وسياسية. وكلما نمت المدن تبدأ الحياة الاجتماعية تتفكك ولذلك يصبح هناك حاجة ماسة لدور البعد الإنساني في إعادة الربط الاجتماعي. لذلك فإننا يجب أن نقف مع المتنزهين والمشاة بوضع قوانين صارمة لمن يتعرضهم أو يضايقهم مع توفير البيئة والمناخ المناسب لهم للاستمرار في هذه العادة النبيلة، وذلك بوضع القوانين للحريات وحقوقهم ووضع المواصفات القياسية على مستوى المدينة ككل مع ربط هذه المتنزهات والساحات وممرات المشاة كحلقة أو طريق أخضر دائري وسط المدينة وداخل الأحياء.