رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


الفروق الجوهرية بين الثقافات التنظيمية والحضارات الطائفية

هناك عدد من المصطلحات المتقاربة في مجال الأعمال عادة ما يتم الخلط بينها وقد يساء استخدامها أو قد تستخدم بمعنى واحد، ومن أبرزها مصطلح ''الثقافة التنظيمية'' و''الحضارة الطائفية''. وأرى أن هناك أسبابا جوهرية لسوء الفهم هذا منها أنهما مزيج من مصطلحات أتت من علوم مختلفة. فعلى سبيل المثال ''الثقافة التنظيمية'' تتكون من كلمتين؛ الأولى أتت من علم الاجتماع، والثانية مصلح إداري بحت. والمصطلح بشكل عام يعني ببساطة الممارسات التي أفرزت عددا من الأعراف والقيم ارتضى بها مجموعة من البشر في تعاملاتهم وعلاقاتهم رغم عدم قناعتهم بجدواها وأهميتها. أما ''الحضارة الطائفية'' فهو مصطلح يجمع بين إدارة الأعمال وعلم الأديان، وهو عبارة عن التفاف الناس حول فكرة أو معتقد إداري يؤمنون به ويوقرونه ويعظمونه. وتتشكل ''الحضارات الطائفية'' في المنظمات نتيجة ممارسة منسوبيها لبعض السلوكيات التي ينم عن إيمانهم وإعجابهم بفكر إداري وصل لمرحلة الاعتقاد، ولهذا عند تعريف ''الحضارات الطائفية'' قد نحتاج إلى الاستعانة ببعض مصطلحات علم الأديان.
وفي هذا المقال سأحاول أن أفك الاشتباك بين هذين المصطلحين من وجهة نظري وفهمي المتواضع. وحتى أعطي الموضوع حقه سأقوم بتأصيل كل كلمة من كلمات كل مصطلح على حدة وأعيدها إلى موطنها الأصلي لنتعرف على معناها منفردة ثم نعرف كل مصطلح كوحدة واحدة وكأنه مولود جديد أتي من علمين مختلفين.
لنأخذ في البداية ''الثقافة التنظيمية'' ماذا يقصد بها؟ هذا المصطلح تضمن كلمتين؛ الأولى كلمة ثقافة والثانية كلمة تنظيم. يعرف علماء الاجتماع الثقافة بأنها عبارة عن مجموعة من الأعراف والقيم والعادات والأديان واللغات تحدد خصائص مجموعة معينة من الناس. ولهذا يمكن أن نقول إن هناك ثقافة عربية بما تحويه من مكونات (قيم وأعراف وعادات ومعتقد ولغة) وهي بالطبع تختلف عن الثقافة الهندية لأن المكونات الخمسة أو بعضها قد اختلفت. ويمكن أن تنقسم الثقافة إلى ثقافات فرعية، فالثقافة العربية على سبيل المثال تشمل عدة ثقافات فرعية، فهناك الثقافة المصرية والثقافة العراقية والثقافة السعودية وهكذا. ويمكن أن تنقسم الثقافات الفرعية إلى ثقافة أصغر منها. والمكونات الثقافية خصوصا المعتقدات والعادات والأعراف تصبح وكأنها قوانين وقيم تحكم تلك المجتمعات وتتحاكم إليها ويظلون يدافعون عنها ولن يرضوا المساس بها حتى ولو أنكروها وأبغضوها وقل ولاؤهم لها. وتستجيب غالبية القوانين والأديان للمكونات الثقافية، فالإسلام على سبيل المثال لم يغفل العادات وما تعارف عليه الناس، فالقاضي قد يأخذ في الاعتبار بما جرت عليه العادة، كما أن القانون المدني أيضا قد يستند إلى الأعراف والعادات في كثير من الأحيان.
أما كلمة تنظيمية فهي مصطلح إداري بحت وينبثق منه كلمة منظمة أو تنظيم. والتنظيم يعد الوظيفة الثانية من وظائف المدير بعد التخطيط وقبل التوجيه. وهو يعني ببساطة جمع وتقسم وتوزيع الأنشطة والأعمال ثم تصنيفها وتجميعها على شكل وظائف، كما يشمل طريقة عمل الهيكل التنظيمي وتوزيع السلطات والمسؤوليات. وعندما نضيف هذه الكلمة الإدارية إلى كلمة ثقافة ينتج لنا مصطلح الثقافة التنظيمية أي ثقافة المنظمة وهي عبارة عن العادات والقيم والأعراف والسلوكيات التي تميز منظمة ما عن غيرها. المكونات الثقافية للمنشآت تأخذ وقتا طويلا حتى تتشكل وتثبت وتترسخ شأنها في ذلك شأن المكونات الثقافة للمجتمعات فإن ترسخت وتعارف العاملون عليها وألفوها فمن الصعب تغييرها أو مواجهتها. وبذا نجد القادة المحنكين يصولون ويجولون في منظماتهم إلا أنهم يتحاشون المساس أو الاقتراب من مكونات الثقافات التنظيمية لأنهم مدركون خطر معارضتها، ولكن في البداية يقومون بالتعرف عليها جيدا فينظرون إليها كأنها ثوابت تنظيمية. ولكن ليس معنى هذا أنه يستحيل مواجهة مكونات الثقافية التنظيمية وتغييرها بل هو ممكن ولكن قد يستغرق وقتا طويلا، فمن استعجل تغيير مكونات الثقافة التنظيمية فمصيره مصير المدير التنفيذي لشركة 3M الذي قام بمواجهة أحد مكونات الثقافة التنظيمية للشركة بعد أن ترسخت في سلوكيات الموظفين فهاج عليه العاملون وانخفضت الروح المعنوية وتصدوا للقرارات الإدارية وأعلنوا العصيان والإضراب عن العمل، وعلى أثرها تم القذف به خارج الشركة لعدة سنوات تم عاد بعد أن تلقن درسا قاسيا وهو أن عليه أن يكف عن مواجهة مكونات الثقافة التنظيمية حتى وإن كان الموظفون غير مقتنعين بوجدها وجدواها. كما أن قانون الأعمال يستند في كثير من الأحيان إلى مكونات الثقافة التنظيمية عند النظر في بعض القضايا.
أما ''الحضارة الطائفية'' فهي لا تعني ألبتة ''الثقافة التنظيمية'' وهما وإن كانتا متشابهتين في السلوكيات إلا أن إفرازاتهما تختلف، لأن الأولى مرتبطة بفكر إداري وصل لحد الاعتقاد، والثانية عادات وأعراف وقيم تنظيمية تكونت نتيجة ممارسات الموظفين لسلوكيات في بيئتهم التنظيمية. وموضوع ''الحضارات الطائفية'' يحتاج منا إلى تفصيل سنؤجل مناقشته إلى مقال قادم ـــ بإذن الله.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي