تشغيل المستشفيات والحاجة إلى قدرات قيادية محترفة
من المتوقع مع بداية كل عام أن يتم التسلم عدد من المشاريع المنتهية كما هو الحال تسليم أخرى، وتقوم كل جهة بالاستفادة منها حسبما خصصت له لتقدم عبرها خدماتها أو دورها المنوط بها. في القطاع الصحي تعتبر المشاريع المنتهية إما مراكز صحية مختلفة الوظائف أو مستشفيات أو مختبرات والقليل منها مبان إدارية. يتفق الجميع على أن المستشفيات تعتلي قائمة الأولويات لما لهذا النوع من المباني من وظائف مختلفة في مبنى واحد وتصب كلها في خدمة المريض بتقديم خدمات صحية على مدار الساعة. ولأهمية الموضوع، فالحديث هنا لن يكون هندسيا أو طبيا أو جغرافيا ولكن عن كل ما يتعلق بالموارد البشرية التي تُشغّل هذا المرفق لتقديم الخدمة المحددة وبمضمون يتلاءم وفئة ومستوى الخدمة التي تقدم فيه. بالطبع تحتل وزارة الصحة وهي الجهاز الأساس الأكبر والأشمل في تقديم الخدمات الصحية بالمملكة، وبالتالي فإن تسلم وتشغيل المستشفيات إذا لم يأخذ أهمية قصوى من البداية حتى النهاية فإن كل الخبرة المتجمعة والحرص الذي يظهره جميع منسوبيها قد يصبح عبئا ثقيلا يزيد من حجم معاناة الفرد الطالب للخدمة أيا كان ويستمر فقد الثقة التي تحاول الإدارة جاهدة في استعادتها وتأصيلها وخصوصا الإدارة الحالية التي تتمتع بأسلوبها العلمي المطور.
أعلم تماما مدى الحرص الذي يبديه المسؤولون عند الشروع في عملية التشغيل ابتداء من التسلم إلى تسجيل أول مريض للكشف أو العلاج، وسواء كان ذلك عبر شركة أو تشكيل اللجان وفرق العمل وآليته وتوقيت البدء وعمل التنسيق اللازم مع أي أطراف ذات علاقة بالوزارة وتقديم الخدمات الصحية. ولكن ونحن ندخل العام الأول من الخطة الخمسية التاسعة لا بد أن نضع أمامنا أن تقييم العمل خلال السنوات الخمس القادمة يبدأ من الآن. وبما أن الإدارة الحالية تبنت العمل بأسلوب منهجي منذ عامين مضيا، فإن ما نتوقعه هو إدارة رقمية وطب اتصالي وجودة أداء وتقويم بكل مرفق ومخرجات مغايرة لما سبق. لا شك أن المحصلة هي ثقة الفرد بالنظام الصحي والخدمات المقدمة في مرافقه المختلفة، إلا أنه لا بد من اتخاذ خطوات حاسمة وحازمة تجاه تنفيذ المهام من قبل المسؤولين في المناطق الإدارية ومن بعدهم ذوو العلاقة المباشرة في الإدارة المركزية. وبالطبع يساندهم في ذلك مجلس الخدمات الصحية.
من الجوانب التي لا بد أن تعرض على السطح وبشفافية متناهية هي: هل تأكدنا فعلا من: (1) أن التوزيع للمرافق يركز على تغطية المدن بالمناطق الصغيرة قبل الكبيرة وأن التوطين هو أحد أهداف المؤسسة الحكومية المعنية بمراعاة تقديم الخدمة للمجتمع بكفاءة وعلى مدى طويل وبالتخصصات الممكن تغطيتها دون الوقوع في قصور بائن أو متكرر؟ (2) هل نناقش التكاليف المالية باهتمام أم نتركها لغير هذه الأيام؟. هل نقوم بالعمل بناء على القيم التي تم تبنيها للشروع في مثل هذه الخدمات؟. فمثلا: المعرفة، التنافسية، الإبداع، محاربة الفساد، التقدير، العزيمة، الانضباط، الأخلاقيات المهنية، الجدية، والإتقان أو الجودة، كلها قيم يحتاج المكلف في إدارة وتشغيل هذه المرافق من الآن فصاعدا إلى أن يتحلى بها ويسعى لتبنيها وتطبيقها قبل وخلال وبعد التشغيل.
إن الدورة التي عقدت الأسبوع الماضي ابتداء من 8/1/2011 لتطوير مهارات مديري المستشفيات لهي أحد الحلول التي ستسهم في تجاوز أحد المنعطفات الصحية المهمة مستقبلا (إدارة المرافق الصحية). إن فكرة وتوقيت الدورة التدريبية لتطوير مهارات مديري المستشفيات تعد تقدمية لأن توقيتها والشريحة المستهدفة للحضور عوامل إيجابية. ملاحظاتي هي ألا تقف هذه التجربة عند هذا الحد في العدد والفئات، وفي هذه المنطقة دون أن تكون في كل المناطق، وبهذا المحتوى مع الحرص على تطوير يعزز بتجارب ووقوف على الواقع ... إلخ من العوامل المطورة لكل مشروع. بهذا الأسلوب والمنهجية يمكن أن نكون على الطريق شريطة أن يكون هذا ديدن العمل في الوزارة وأن يتم حسب الأصول المتبعة في تشغيل المرافق الصحية.
حاليا نريد أن نتخطى ما تعودنا رؤيته من مشكلات في كثير من المرافق الصحية الحكومية: (1) كتصميم المباني الذي يكون أحيانا اجتهاديا، إدارة تتخبط أمام أصغر المشكلات (عدم وضوح الرؤية، ضعف الخطط التنفيذية والسماح بالتدخلات، غياب النظام وانتشار العشوائية الواضح ضعف الحوافز، تسرب الموظفين، التهاون في تبني التطوير التقني ... إلخ)، (2) ضعف مهني واضح في جميع الأقسام، (3) عدم متابعة للموارد بجميع أنواعها حجما وإتاحة ونوعا وصلاحية، (4) صيانة رديئة أو غير احترافية ونظافة شكلية، والقائمة تطول. فهل ما زالت هذه القائمة حاضرة بالمحتوى نفسه؟
بكل أمانة إذا كانت الجهات الصحية تريد أن تتخطى المنعطفات بكل إتقان فما عليها إلا التفكير بأن يكون لديها من الآن صفان من المنسوبين للتنفيذ. وليكن حضور الإدارة العليا جديا وليس لمعالجة المهاترات اليومية فنحن نبحث عن إيجاد نماذج خدمية صحية تفرض نفسها بقدراتها الإدارية والعلمية وتبذل ما لديها لتمرير الرسالة بتناول المشكلات بأساليب نموذجية معتبرة العائد هو بناء أفضل قائد. الحديث هنا ليس فقط عن المستشفيات، ولكن أيضا المراكز الصحية والمختبرات بأنواعها والمراكز العلاجية والتوعوية ومراكز أخرى للخدمات الطبية أو المساندة. والله المستعان.