الأسهم العالمية تتأثر سلبا بتضخم أسعار السلع
بدأت الأصوات المتعالية لتضخم الأسعار التأثير في الأسواق، رغم أن الأرباح الطيبة في القطاع البنكي تُبقي شهية المخاطر عند مستواها الحقيقي في الوقت الحاضر. على مدى 24 ساعة أظهرت تقارير البيانات الخاصة بكانون الأول (ديسمبر) لأسعار المدخلات الإنتاجية في كل من الولايات المتحدة وبريطانيا، زيادة حادة، ما يعكس الاندفاع في أسعار السلع. كما أن السلطات الصينية اتخذت يوم الجمعة الماضي إجراءات جديدة تهدف إلى كبح الضغوط التضخمية، من خلال قيامها مرة أخرى برفع متطلبات رأس المال الاحتياطي لدى البنوك، في محاولة لكبح الإقراض.
وارتفع مؤشر فاينانشيال تايمز لعموم الأسهم العالمية بنسبة 0.2 في المائة، مسجلاً بذلك تراجعه عن المستوى الذي سجله في جلسة التعاملات السابقة الذي جعله يقترب من أعلى معدلاته خلال 28 شهراً، في حين أن النفط يقود مجمع الموارد الطبيعية إلى الأدنى، على اعتبار أن المستثمرين يشعرون بالقلق من أن الإجراءات الرامية إلى التصدي لارتفاع الأسعار ربما تؤدي إلى تباطؤ النمو الاقتصادي.
وارتفع الدولار، حيث عكس مسيرة سابقة إلى الأدنى في وقت مبكر، وتراجعت إلى حد ما العملات الحساسة للنمو، من قبيل الدولار الأسترالي، في حين أن العوائد على سندات البلدان الرئيسية تشهد حالة من التراجع.
هذا المزاج المتسم بالحذر يتعارض مع الإحساس بالارتياح الذي شعر به المستثمرون خلال الأيام القليلة الماضية، بعد أن اعتبر المراقبون المزادات الحرجة على السندات في البرتغال وإسبانيا واليونان هي مزادات ناجحة. وعملت المبيعات على تقليص المخاوف من حدوث عدوى في السندات السيادية في منطقة اليورو، وتعتبر فألاً حسناً بالنسبة لبرامج التمويل في البلدان المختلفة في مطلع العام.
وهذا التراجع في الخوف في منطقة اليورو سمح للمتداولين بإعادة تركيز أنظارهم على آمال النمو العالمي وأرباح الشركات عند مطلع موسم الإعلان عن نتائج الربع الرابع في الولايات المتحدة. يذكر أن إعلان بنك جيه بي مورجان تشيس عن نتائج أرباحه شكل انطلاق موسم الإبلاغ والتقارير الفصلية بالنسبة لبنوك وول ستريت. وقد أبلغ بنك مورجان عن نتاج قياسية، على اعتبار أنه قرر استخدام بعض احتياطياته التي قام بكنزها خلال أحلك فترات الأزمة المالية. بالتالي ارتفعت أسهم الشركات المالية في الولايات المتحدة بنسبة 1.5 في المائة.
وكان من شأن ذلك أن استفاد مؤشر ستاندارد آند بورز 500، الذي تغلب على ضعفه في أسهم شركات المواد (الحساسة للوضع الاقتصادي)، وسجل زيادة بنسبة 0.7 في المائة. من جانب آخر فإن مؤشر فيكس، الذي يعتبر مقياساً لقلق المستثمرين في وول ستريت، تراجع بنسبة 3 في المائة ليصل إلى مستوى 15 نقطة تقريباً، ما يشير إلى أن المستثمرين ما يزالون لا يتوقعون أمراً يذكر من شأنه المساعدة في إحداث تغيير كبير في أسعار الأسهم.
وجزء من المزاج العادي هو أن بيانات الأسعار في الولايات المتحدة تشير إلى أن الشركات لا تزال لا تمتلك قوة تسعيرية تذكر. فبالنسبة لتضخم الأسعار الاستهلاكية في الولايات المتحدة، الذي نشرت بياناته يوم الجمعة الماضي، فقد ارتفع في كانون الأول (ديسمبر) بنسبة فاقت التوقعات، وهي 0.5 في المائة، لكنها تظل مع ذلك أدنى بكثير من المستوى الذي يفضله البنك المركزي الأمريكي لهذا المؤشر.
وهناك عامل يلقي بثقله على الأسهم الأمريكية، وهو الأنباء التي تتحدث عن تراجع يفوق التوقعات في معدل النمو في مبيعات التجزئة في كانون الأول (ديسمبر)، وظهور تقرير يفيد بتراجع المزاج العام للمستهلكين عن شهر كانون الثاني (يناير)، ومن الممكن أن هذا الأنباء قد تأثرت إلى حد ما بفعل الأنباء التي تحدثت عن أرقام الناتج الصناعي للشهر الماضي التي كانت أقوى من التوقعات.
في الأسواق الأوروبية، افتتحت البورصات على خلفية موقف دفاعي ضعيف في الوقت الذي يتوقف فيه المتداولون للتأمل والتدبر في أعقاب الاندفاع في الموجودات الخطرة، الذي كان من شأنه أن دفع بالأسهم والسلع القياسية إلى أعلى مستوياتها منذ سنتين. وفي البداية أسهمت الأنباء الآتية من الصين في دفع عمليات البيع، لكن الخسائر تقلصت بعد أن أعرب ''وول ستريت'' عن عدم اكتراثه بالتراجع الذي حدث في مرحلة مبكرة من التعاملات.
وتراجع مؤشر فاينانشيال تايمز يوروفيرست 300 لعموم أوروبا بنسبة 0.7 في المائة، على اعتبار أن القطاعات التي كانت قوية في السابق، من قبيل شركات المعادن، تمر بحالة معاناة. وفي لندن تراجع مؤشر فاينانشيال تايمز 100 بنسبة 0.9 في المائة.
وفي أسواق العملات الأجنبية، يمر اليورو بحالة تعثر بعد اندفاعه الحاد في جلسة التعاملات السابقة، في أعقاب التعليقات المتشددة حول التضخم من جان كلود تريشيه، رئيس البنك المركزي الأوروبي، وفي أعقاب الارتياح الناجم عن أن مزادات بيع السندات في منطقة اليورو لهذا الأسبوع قد مرت دون ما يثير القلق. وقد ارتفع اليورو بصورة طفيفة في مقابل الدولار حيث وصل السعر إلى 1.3374 دولار.
وخسر الين مكاسبه المبكرة، التي جاءت حين لاحظ المتداولون تعيين شخص متشدد في شؤون المالية العامة في منصب وزير الاقتصاد في اليابان. تراجع الين الآن بنسبة 0.2 في المائة. كما تراجع الدولار الأسترالي بنسبة 0.8 في المائة مقابل الدولار الأمريكي عند 0.9895 دولار.
وفي أسواق السندات تراجع العائد على سندات الخزانة الأمريكية لأجل 10 سنوات إلى ما دون النطاق الممتد من 3.33 في المائة إلى 3.53 في المائة، الذي بقيت عالقة فيه لمدة خمسة أسابيع تقريباً، وارتفع العائد بنسبة ثلاث نقاط أساس ليصل إلى 3.32 في المائة، في الوقت الذي أدى فيه الاندفاع في أسهم الشركات المالية وسط تحسن التوقعات لدى بنك جيه بي مورجان تشيس، حيث أدى إلى إبعاد المشترين الهامشيين.
وبصورة عامة تعتبر المشاعر المتعلقة بمجموعة السندات السيادية للبلدان الطرفية في منطقة اليورو مشاعر إيجابية بصورة عامة، في أعقاب المزادات الناجحة لهذا الأسبوع. وقد تراجعت العوائد على السندات الإيطالية والإسبانية إلى أدنى مستوياتها منذ نحو شهر، رغم أن العوائد على السندات البرتغالية سجلت ارتفاعاً، لكن حيث إنها عند مستوى 6.78 في المائة، فإنها تظل دون مستوى الـ 7 في المائة الذي يعتبر غير قابل للاستدامة من قبل لشبونة.
وفي أسواق السلع كانت نتائج السلع الصناعية متباينة، في الوقت الذي يعيد فيه المتداولون تقييم آفاق النمو على ضوء قرار بكين بتشديد المتطلبات الرأسمالية للبنوك، وعلى ضوء الكمية الكبيرة من البيانات الاقتصادية من الولايات المتحدة.
وحيث إن مؤشرات الأسعار القياسية للسلع، التي من قبيل مؤشر رويترز ـــ جيفريز سي آر بي، تجلس الآن عند أفضل مستوياتها منذ تشرين الأول (أكتوبر) 2008، فإن بعض الفرص لجني الأرباح بصورة خفيفة يتم اقتناصها الآن هنا وهناك. يشار إلى أن الذهب تراجع بنسبة 1 في المائة عند 1360 دولاراً للأونصة.
وفي منطقة آسيا ـــ الباسيفيك ـــ كانت أسواق الأسهم متراجعة قليلاً في الوقت الذي قام فيه المستثمرون بجني الأرباح التي كسبوها في الفترة الأخيرة بفضل الارتفاع الحاد في أسعار السلع، لكن المزاج العام تعرض لبعض المشاعر السلبية بفعل الارتفاع في مطالبات التعويض عن البطالة في الولايات المتحدة. وكانت معظم البورصات مقفلة حين أعلنت بكين قرارها بتشديد السياسة النقدية.
وتراجع مؤشر فاينانشيال تايمز لمنطقة آسيا بنسبة 0.5 في المائة، وكان ذلك يعود بصورة رئيسية إلى تراجع مؤشر نيكاي 225 في طوكيو بنسبة 0.9 في المائة. وكانت شركات التصدير في طوكيو تحت الضغط في الوقت الذي حقق فيه الين مكاسب أمام الدولار أثناء التعاملات الآسيوية.