رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


السعودة من الخسارة إلى الربح للجميع

لا أشك أبدا أن هناك من الإخوة الأجانب الذين عملوا في المملكة وبنوا أحلامهم فيها، من يحفظ الجميل ويحاول أن يرد بعضا منه لهذا البلد المعطاء. ولا أشك أيضا، أن هناك فئة من الأجانب الذين عملوا في هذا البلد، ويعملون حاليا، من يريد أن يمتص خيرات هذا البلد دون أن يقدم له شيئا يذكر، بل تراه يتندر به وبأهله كلما سنحت له الفرصة. يعني الأجانب العاملون والمستثمرون في المملكة، مثلهم مثل رجال أعمالنا ومواطنينا، فيهم الطيب والسيئ، وفيهم الغث والسمين؛ لذلك فإن ممارسة التعميم قد يكون فيها إجحاف كبير.
وفي حوار لي مع أحد الأجانب المستثمرين في المملكة منذ فترة طويلة، حول هموم السعودة والبطالة، أبدى الرجل من ناحية تعاطفا كبيرا مع المواطن السعودي، خصوصا العاطلين منهم. كان النقاش حول موضوع السعودة والسياسات الحكومية التي اتبعت لفرضها، لكن دون جدوى، وكان له رأي مختلف. ولعلي أطرح هنا وجهة نظره التي تمثل بالتأكيد وجهة نظر فئة كبيرة من المستثمرين، سعوديين كانوا أم أجانب. هو يرى أن هناك هرما وظيفيا يمثل قمته الوظائف العليا، ووسطه الإدارة المتوسطة، والباقي، وهو يمثل الغالبية، يمثل الإدارة الدنيا. يرى زميلنا أن خطأ السياسات الحكومية لم تستهدف بالتحديد الطبقة التي يمكن أن تغير من حال السعودة، التي يرى أنها الطبقة الوسطى، كما أنها تعاملت مع السعودة على أنها عملية فيها طرفان رابح وخاسر، فالرابح المواطن والخاسر رجل الأعمال. هذا بالطبع أدى إلى عدم فاعلية كل السياسات التي تعاملت مع هذا الموضوع بالذات، لماذا؟ لأن هناك دائما طرفا يحاول أن يدافع عن نفسه، سواء الطرف الرابح أو الخاسر.
إلى هنا، والكلام جميل، وزميلنا يقترح وسيلة أخرى، وحسب رأيه، أنها الأنجع في التعامل مع موضوع السعودة، عن طريق تغيير طريقة التعامل، من رابح - خاسر، إلى رابح - رابح، بحيث إن الكل يربح من هذه العملية، وبالتالي سيسهل ذلك على الحكومة تحقيق هدفها بتخفيض معدل البطالة، لكن كيف يتم ذلك؟ يرى زميلنا أن تركز الدولة حاليا على ما استثمرته في ابتعاث أكثر من 100 ألف طالب وطالبة للدراسة في الخارج، وأن تعمل على استيعابهم في القطاع الخاص بخطة يستفيد منها القطاع الخاص والحكومة والمواطن على حد سواء. فلو قامت الحكومة بتمديد برنامج الابتعاث الذي تقدمه لسنة كاملة بعد التخرج، بحيث يعمل هؤلاء المتخرجون في القطاع الخاص (كل عشرة مثلا في شركة ما)، فإن ذلك سيتيح للمنشأة اختبار هؤلاء بعد نهاية السنة، والإبقاء على بعضهم بنهاية السنة للعمل بشكل دائم في المنشأة.
هذا يعني أنه بعلم هؤلاء أنه بنهاية العام، سيتم اختيار الأفضل منهم، فإن ذلك سيخلق لديهم تنافسا كبيرا فيما بينهم؛ ما سيرفع إنتاجيتهم. وخلال هذا العام من التدريب، تلتزم المنشأة بتقديم تقرير عن أداء هؤلاء للحكومة (وزارة العمل)، وبالطبع، في حالة عدم اختيارهم للعمل بشكل دائم في المنشأة، فقد تتيح هذه التقارير فرصة للعمل في منشأة أخرى. النقطة الأساسية في هذا كله، هو أن عمل من يقع عليه الاختيار في الإدارة الوسطى، سيهيئ الفرصة لمواطنين آخرين للعمل في مستوى الإدارة المتوسطة والدنيا .. كيف؟ يرى زميلنا أن هؤلاء هم محور التغيير الذي يرغب في إحداثه، حيث إن وصولهم بجدارتهم، سيشجع الكثيرين من أمثالهم من الجادين على العمل بجد، وبالتالي، سيحدث ذلك فرقا كبيرا في عملية توطين الوظائف.
بالطبع، دار نقاش طويل حول هذا الموضوع، مثلا كيف يمكن ضمان أن تقوم المنشأة بتعيين هؤلاء أو بعض منهم في حال أثبتوا كفاءتهم؟ وأكد أنه واجه تجربة مماثلة في تعيين سعوديين برواتب منخفضة في البداية، وعندما أثبتوا كفاءتهم، قام بمضاعفة رواتبهم أكثر من مرة، وأن أول من عينه من هؤلاء، هو الذي جذب المواطنين الآخرين، لكن كل ذلك كان على أساس كفاءة وإنتاجية كل واحد منهم، وليس على أساس مجاملتهم، أو على أساس أن الحكومة فرضتهم عليه، بحيث إن زيادة رواتبهم وتحسين أوضاعهم لم يتم إلا بعد أن أثبتوا كفاءتهم وجديتهم في العمل. تساءلت: ما الذي يجعلك توظف مواطنا سعوديا بضعف راتب الأجنبي؟.. وأكد لي أن هناك عوامل كثيرة، من أهمها أن المواطن ابن البلد، وبالتالي يتاح له إنجاز الكثير مما قد لا ينجزه الأجنبي، كما أن إنتاجية المواطن الكفء عادة تكون أكثر من الأجنبي مهما كان، وأخيرا أنه يؤمن بأن هذا بلدهم، وبالتالي هم من يستحقون الوظيفة والعمل ما داموا سيؤدون ما عليهم.
لا أخفي عليكم، أنه على الرغم من أنني أرى أن هناك الكثير مما يجب عمله لتعزيز التوظف للمواطنين في الاقتصاد، وأن ما طرحه زميلنا يتناول جزءا فقط من المشكلة، إلا أن فكرة خلق وضع رابح - رابح لكل من الحكومة والمواطن والقطاع الخاص تستحق التفكير فيها، ولو بطريقة غير التي أشير إليها. أي أن التعامل مع السعودة يجب أن ينطلق من أساس أن المشكلة وطنية، ويجب أن يشارك الجميع في حلها، وأن يتحمل الجميع تكاليفها. نقطة الحل - في رأيي - تبدأ من إصلاح سوق العمل بترشيد الاستقدام، لا منعه، بحيث يكون حسب الاحتياج، لا للتجارة كما هو حاصل حاليا. بعد ذلك، تراجع جميع الخيارات، بما فيها الخيارات المطبقة حاليا كصندوق الموارد البشرية؛ لأنه إذا كان عمل الصندوق لم يحقق المرجو منه، فما الفائدة من استمراره؟ وأخيرا، فإن من المهم، أن تعمل وزارة العمل على الحوار مع الجادين من القطاع الخاص؛ لخلق وضع متوازن للجميع، تتم فيه المشاركة بشكل متسق في برنامج وطني لسعودة الوظائف.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي