تحفيز الإنتاج العقاري وخفض التضخم العقاري
عمر يشتكي من ذهاب الإيجارات الكبيرة التي يدفعها منذ أكثر من 15 عاما هباء منثورا، ويقول إن فكرة رسملة الإيجارات التي انتشر مفهومها في السنوات الخمس الماضية في صحفنا راقت له، وإنه يتمنى أن يحول الإيجارات التي يدفعها إلى أقساط شهرية لمسكن يمتلكه بمرور الزمن، ويعتقد عمر أنه لو تمكن من شراء ''دبلكس'' قبل 15 عاما من خلال نظام تمويل ميسر يمازج بين سجله الائتماني والعين العقارية المرهونة لأصبح يمتلك حاليا أكثر من نصف المسكن ولتجنب الارتفاع الكبير في الإيجارات خلال هذه السنوات، مبينا أن إيجار الـ ''دبلكس'' ارتفع من 20 ألف ريال قبل 15 عاما إلى أكثر من 50 ألفا سنويا اليوم.
محمد يقول إنه ما إن وقعت واقعة الأسهم عام 2006 حتى باتت الزيادة السنوية للإيجار أمرا معتادا وبنسب عالية، فمن 15 ألف ريال سنويا للشقة التي يسكنها إلى 20 ألفا إلى 25 ألفا في التي تليها حتى وقعت الأزمة المالية فوقفت الزيادة، إلا أن الإيجار صار يلتهم أكثر من 40 في المائة من راتبي، الأمر الذي جعلني أعيش ضنك العيش في ظل ارتفاعات كبيرة في أسعار المواد الغذائية، ويضيف أنه لا يرى بارقة أمل في تملك مسكن في ظل المعطيات الحالية وقلبه وجل من أي زيادات أخرى في الإيجار تدخله في عالم المساكين بعد أن عرف عالم الفقراء الذين لا تكفي إيراداتهم لمتطلباتهم الشهرية.
الحكومة، من خلال تصريحات مسؤوليها المعنيين بالعقارات وأسعارها، تقول إن التضخم في المملكة تضخم مستورد ويتركز في المواد الغذائية، وتضخم محلي يتركز في القطاع العقاري، حيث ارتفاع أسعار الأراضي والمساكن والإيجارات وإنه لا بد من تخفيض قيمة العقارات والإيجارات لما قد يترتب على ارتفاعاتها من مخاطر.
العقاريون يقولون إن أسعار العقار في السعودية ما زالت معقولة جدا مقارنة بأسعارها في الدول الخليجية المجاورة، بل مقارنة ببعض الدول العربية، وإن الطريق أمام الزيادة في الأسعار مفتوحة خصوصا في ظل ارتفاع أسعار المواد والطلب المتنامي على الأراضي والمساكن، وعلى الجانب الآخر يقول المواطنون إن أسعار العقارات والإيجارات مرتفعة مقارنة بمتوسط الدخل للمواطن السعودي.
التقارير الاقتصادية الصادرة من كثير من الشركات الاستثمارية والبنوك وغيرها، والآراء التي يطرحها كثير من الاقتصاديين والمعنيين بالسوق العقارية تقول إن هيكلة السوق العقارية السعودية غير سوية وإنها تفتقد هيئة منظمة تعمل على تنظيمها وتطويرها وتحفيزها وحماية عناصرها كافة، وهي هيكلة جعلت معظم الأراضي في أيدي المواطنين سواء كبار العقاريين الذين يمتلكون ملايين الأمتار المربعة أو المواطنين الذين وجدوا فيها قناة استثمارية آمنة تحفظ أموالهم وتنميها دون تكاليف، في ظل شح البدائل الاستثمارية، وإن الحكومة لا تملك الأراضي الكافية للتصدي لمشكلة ارتفاع أسعار الأراضي عبر منحها للمواطنين.
عنصر التمويل في هيكلة السوق العقارية السعودية غير فاعل بتاتا (معظم العقارات السعودية غير مدينة) رغم التغيرات والمطالبات، فبعد أن عجزت آلية الأرض والقرض لكل مواطن مهما كان دخله في توفير المساكن للمواطنين، بعد أن نجحت في ظروف مواتية، طالب كثير بإيجاد وتطبيق منظومة التمويل العقاري كبديل لتفعيل عناصر السوق العقارية بما يمكن المواطن من شراء المسكن الملائم بضمان دخله الشهري والأصل العقارية المرهونة، ولقد بادرت الحكومة في إعدادها وعرضها على مجلس الشورى والأجهزة الحكومية المعنية حتى باتت قاب قوسين أو أدنى من الإصدار إلا أنها دخلت ثقبا إداريا يدور الحديث حوله من خلال جملة من التكهنات والشائعات والأخبار غير الموثقة.
إذن نحن أمام مستثمرين يودون تنمية استثماراتهم في السوق العقارية التي باتت القناة الاستثمارية الوحيدة الموثوقة بالنسبة لهم، ومواطنين يعانون من ضيق العيش بسبب تضخم أسعار المساكن والإيجارات وهم يريدون تملك مساكن ملائمة لإمكاناتهم، وفي أقل الأحوال يريدون مساكن بإيجارات معقولة تتناسب ودخولهم الشهرية، وحكومة ترى أن التضخم في أسعار المساكن والإيجارات خطر ذو إفرازات لا تحمد عقباها وعليها أن تنفذ سياسات لمكافحة التضخم في قطاع العقارات لتخفيض الإيجارات أولا، التي تعد العامل الرئيس وراء معدل التضخم المرتفع في المملكة في السنتين الماضيتين.
الحل الذي اتجهت إليه بعض الأجهزة الحكومية المعنية كما يبدو لي من تصريحات مسؤوليها يتمثل بتخفيض أسعار الأراضي من خلال إثارة الذعر في نفوس ملاك الأراضي والمستثمرين عبر تصريحات تشير في مجملها لزيادة المعروض من الأراضي واحتمالية فرض ضرائب عليها تجعل الاحتفاظ بها أمرا مكلفا ليزيد المعروض على حساب المطلوب لتتدحرج الأسعار بشكل متتال ليقضي بذلك على آخر قناة استثمارية يلجا إليها المواطنون للمحافظة على ثرواتهم وتنميتها، وكلنا يعرف أن أغلبية الأراضي المملوكة هي ليست للاستخدام بقدر ما هي أداة لحفظ وتنمية الثروة لكثير من المواطنين، وبالتالي فهذا الحل من وجهة نظري حل غير منطقي وله تداعيات كثيرة لا يمكن إدراك مداها.
والحل حسب اعتقادي يتمثل في زيادة المعروض من الوحدات السكنية عبر تحفيز المستثمرين لذلك ولأمانة الرياض تجربة ذكية في هذا المضمار حيث منحت محفزا لمن يلغي المحلات في الشوارع التجارية ويستبدلها بشقق سكنية بالسماح له ببناء دور ونصف إضافي، الأمر الذي زاد عدد الوحدات السكنية وهو أمر مرغوب وقلل من كثرة المحال غير المرغوبة، وأعتقد أن في جعبة الحكومة كثيرا من المحفزات التي يمكن أن تقدمها لزيادة المعروض من الوحدات السكنية وهو أمر سيؤدي بشكل تلقائي لانخفاض الإيجارات وهو المطلوب أولا وأعتقد أن كثيرا من المستثمرين سيرضى بعوائد سنوية بين 5 و6 في المائة بعد أن يزيد المعروض مقابل المطلوب بدل من العائد الحالي الذي فاق حاليا الـ 10 في المائة بسبب قلة المعروض مقابل المطلوب.