السعودية تتقدم لائحة مشاريع التكرير الجديدة عالميا
تمثل فترة السنوات الخمس المقبلة مرحلة تطور مهمة في صناعة التكرير السعودية، إذ يتوقع لمشروعين لبناء مصفاتين في كل من الجبيل ـ شرقي السعودية، وينبع على ساحلها الغربي، أن يدخلا ميدان الإنتاج بالتركيز على تكرار خام العربي الثقيل وإنتاج مشتقات عالية الجودة لها القدرة على مقابلة الاحتياجات الحالية والمستقبلية للأسواق. الإنتاج الذي يقدر بنحو 400 ألف برميل يوميا يتوقع له أن يصل إلى الأسواق في عام 2011.
وشهد الأسبوع الثالث من أيار (مايو) الماضي توقيع مذكرة التفاهم الأولية مع كل من شركة توتال الفرنسية، وبعده ببضعة أيام تم توقيع اتفاق مماثل مع شركة كونوكو فيليبس الأمريكية لإقامة مصفاة مماثلة في ينبع على الساحل الغربي بذات الطاقة والمواصفات والاعتماد على الخام الثقيل.
ووصف عبد الله صالح جمعة الرئيس التنفيذي لشركة أرامكو، المشروعين بأنهما يمثلان فرصة ممتازة للبناء على استراتيجية السعودية احتياجات سوق الطاقة العالمية وجذب الرساميل الأجنبية للتوسع في الاقتصاد المحلي.
وكان مجلس إدارة شركة أرامكو قد وافق على المشروعين، ويتوقع لإجمالي الاستثمارات فيهما أن يتراوح بين 10 و12 مليار دولار. ويتميز المشروعان كذلك بأن أرامكو وشريكيها كلا من "توتال" و"كونكو فيليبس" سيملكان حصة في المشروع بنسبة 35 في المائة لكلٍ، بينما ستترك الـ 30 في المائة الباقية لتطرح في شكل أسهم على الجمهور السعودي في وقت ووفق معايير يتفق عليها في حينها. وفي الوقت الذي ستوفر فيه شركة أرامكو النفط الخام، فإن الشركاء سيتولون مع بعض مسؤولية إنتاج المواد المكررة والتسويق.
وتعتبر هذه المشاريع جزءا من استراتيجية السعودية للتوسع في ميدان إنتاج الخام والمشتقات المكررة لفترة السنوات الخمس المقبلة، وهي الاستراتيجية التي حظي الجزء الخاص برفع الطاقة الإنتاجية المستدامة إلى 12.5 مليون برميل يوميا بتغطية كبيرة، إذ ارتبطت بزيارة ولي العهد وقتها الأمير عبد الله بن عبد العزيز إلى الولايات المتحدة ولقائه الرئيس جورج بوش في مزرعته في كرافورد، تكساس في نيسان (أبريل) من العام الماضي.
الولايات المتحدة كانت ولاتزال تحتاج إلى تطمينات بتوفر الإمدادات بسبب تنامي الخوف من حدوث انقطاع في الإمدادات لأسباب أمنية وجيوسياسية، أو لمجرد حوادث طبيعية مثلما حدث بسبب إعصاري كاترينا وريتا صيف العام الماضي، وبعد نحو أربعة أشهر من لقاء كراوفورد.
والولايات المتحدة لا تحتاج إلى النفط الخام فقط لتلبية الاحتياجات المتزايدة من الاستهلاك، وإنما للمنتجات المكررة كذلك. فبسبب الضغوط الناجمة عن الوعي البيئي والعمل على خفض الانبعاثات الحرارية قامت معظم الولايات الأمريكية بتشديد القوانين الخاصة بإقامة مصاف جديدة، الأمر الذي نجم عنه عدم إقامة مصفاة جديدة خلال فترة الـ 30 عاما الماضية. وعقب إعصار كاترينا الذي أدى إلى تعطيل بعض المرافق الإنتاجية سواء في مجال إنتاج الخام أو المواد المكررة تم تخفيف بعض الإجراءات من خلال الجهاز التنفيذي الفيدرالي.
في اجتماع كرافورد المشار إليه كانت الإدارة الأمريكية ترغب في سماع تفاصيل برامج رفع الطاقة الإنتاجية السعودية لمقابلة الطلب المتنامي على النفط الخام، لكن الرياض كانت تشير في المقابل إلى أن ضعف الطاقة التكريرية وعدم مقابلتها الاحتياجات المتنامية يسهم بدوره في رفع الأسعار إلى أعلى. وهي لم تقف عند حد النصح، وإنما تقديم بدائل عملية تتمثل في إضافة مشاريع التوسع في الطاقة التكريرية لتصبح جزءا من خطتها للتوسع في مقابلة احتياجات السوق العالمية من النفط الخام والمنتجات المكررة، وهي الخطة التي تكلف نحو 50 مليار دولار.
بل وتشير دراسة، هي نتاج مسح قامت به المؤسسة العربية للاستثمارات البترولية (أبيكورب) ونشرت أخيرا، إلى أن الاستثمارات السعودية في صناعتها النفطية ستتراوح في حدود 58 مليار دولار خلال الفترة بين هذا العام ونهاية العقد الحالي من هذا القرن، وهذا الرقم يزيد بنسبة 55 في المائة عن مبلغ 37.5 مليار دولار تم استثماره، كما اتضح من المسح السابق الذي قامت به "أبيكورب"، الأمر الذي يشير إلى عزم "أرامكو" على الدخول بقوة في ميداني العمليات الأمامية والنهائية، علما أن المعدل العربي للزيادة كان في حدود 26 في المائة مقارنة بالمسح السابق.
وسيشهد أواخر هذا العام بداية التصميمات الهندسية ومن ثم التحول إلى الإنشاءات في مطلع العام المقبل بالنسبة لمصفاة بورت آرثر في الولايات المتحدة، وذلك على أمل أن يبدأ الإنتاج في 2010 بطاقة 325 ألف برميل يوميا إضافية، الأمر الذي سيجعل من المصفاة الأكبر في الولايات المتحدة، وهو ما يمكن من زيادة حجم الإمدادات ومقابلة الطلب المتنامي في السوق خاصة في مجالات البنزين، الديزل ووقود الطائرات.
ويتجه التصميم إلى الاستفادة من التقنيات الحديثة التي تقلل من حجم الانبعاثات الغازية، بل وإحلال التقنية القديمة بالحديثة وذلك مراعاة للهموم البيئية. ويقول وليام ويلتي المدير التنفيذي للمصفاة إن إضافة 325 ألف برميل يوميا جديدة يعتبر وكأنه بناء لمصفاة جديدة متكاملة من العدم، مضيفا أن شركة موتيفا التي تضم كلا من "أرامكو" و"شل" ستستمر في استكشاف سبل التوسع بالنسبة لمصافيها الثلاثة في كل من بورت آرثر، كونفنت، ونوركو في لويزيانا بطاقة إنتاجية متكاملة تصل إلى 780 ألف برميل يوميا مع شبكة توزيع تنتشر في الجنوب والساحل الشرقي تحديدا.
وللسعودية سبع مصاف في الداخل تعمل بطاقة إجمالية تبلغ 1.75 مليون برميل يوميا، إلى جانب طاقة تكريرية خارجية تصل إلى 1.6 مليون. وتشمل قائمة المصافي العاملة في الداخل: جدة بطاقة 88 ألف برميل يوميا، الرياض 120 ألفا، ينبع 235 ألفا، رابع 400 ألف، ورأس تنورة 550 ألف برميل يوميا، هذا إلى جانب مصفاة ساسرف في ينبع بالمشاركة مع "إكسون موبيل" وبطاقة 400 ألف برميل والأخرى مع شل على ساحل الخليج شرقا وبطاقة 305 آلاف برميل يوميا. والأخيرتان مخصصتان أساسا للتصدير إلى جانب مصفاة رابغ.
وإلى جانب هذا هناك مشاركات لـ "أرامكو" مع شركات أجنبية في بعض الدول الخارجية أولها وعلى رأسها تلك الموجودة في الولايات المتحدة وكانت بدايتها مع "تكساكو" في أول خروج إلى السوق العالمي في ميدان العمليات النهائية في منتصف عقد الثمانينيات وفي إطار استراتيجية للسعي لزيادة حصة الطاقة التكريرية التي تسيطر عليها السعودية بأمل الوصول إلى مرحلة تقوم فيها بتكرير نصف ما تنتجه من النفط الخام، وذلك تقليلا لآثار تقلبات الأسعار في السوق. وتملك "أرامكو" حصة 50 في المائة في شركة "موتيفا"، إلى جانب وجودها في مصفاة بترون الفلبينية بحصة 40 في المائة و"إس أويل" الكورية الجنوبية بحصة 35 في المائة و"شوا شل" في اليابان بحصة 14.96 في المائة.
وشهدت الفترة الأخيرة نشاطا من قبل "أرامكو" مثل قيامها في تموز (يوليو) 2004 بالاتفاق مع "شل" لشراء حصة صغيرة في مصفاة "شوا" في اليابان، ستقوم بموجبها بتوفير 300 ألف برميل من النفط الخام، كما أبدت رغبة في دخول السوق الهندية مطلع العام الماضي عبر استكشاف فرص شراء حصة في مصفاتي باراديب الهندية، وطاقتها 300 ألف برميل يوميا، ورصيفتها فيزاخ بطاقة 152 ألفا، لكن شيئا لم يتبلور حتى الآن. كما شهد صيف العام الماضي التوصل إلى اتفاق للإسهام في مصفاة ومجمع البتروكيماويات في فوجيان الصيني، الذي تقدر تكلفته بنحو 3.5 مليار دولار وتشارك فيه "أرامكو" مع شركة إكسون موبيل بحصة 25 في المائة لكل والباقي، أي 50 في المائة، لـ "صينوبيك" الصينية.
والخطط السعودية هذه هي الأكبر مقارنة ببقية دول أوبك الأخرى. وتعتبر هذه الخطط سواء ما يتعلق منها بتوسعة أو إضافة مشاريع جديدة محاولة لمقابلة النمو على الطلب في ميدان المنتجات المكررة. ويقدر لإجمالي المشاريع التي تنفذها الدول الأعضاء في المنظمة أنها ستسهم خلال فترة السنوات الخمس المقبلة في إضافة 5.6 مليون برميل يوميا إلى الطاقة التكريرية الحالية المتاحة حول العالم.
<a href="/files/24.jpg" target="_blank"><img title="" height="170" alt="" src="/picarchive/23.jpg" width="400" border="0"></a>