الصلاة في الطائرة تشابه صلاة السفينة لأن الراكب لا يتحكم في اتجاهها
أوضح الشيخ الدكتور إبراهيم بن صالح الخضيري عضو محكمة الاستئناف، بعضا من أحكام المساجد في الشريعة الإسلامية من خلال بحث في هذا الموضوع، حيث تطرق إلى أحكام المسجد المتنقل فقال:
بالنسبة للمسجد المتنقل فهو إما أن يكون مستقلا بنفسه، حيث يحمله الإنسان حيث يشاء ويضعه حيث يشاء، ولا يضر نقله ـــ أي المسجد ـــ بعد ذلك. وحينئذ يصح الاعتكاف عليه ولو في هوائه، لا تحته، وكذا يحرم المكوث من الجنب فوقه لا تحته، ولا يحرم عليه ـــ أي الجنب ـــ حمله، كذا قاله بعض مشايخنا. والأقرب صحة الاعتكاف تحته، ولو لحامله؛ حيث كان داخلا في هوائه، ولا يضر تجدد هوائه وزواله''.
وانتقل للحديث عن السفينة فقال إنها هي المركب المشابه لهذه المراكب والموجودة في القرون الأولى. وقد تحدث العلماء عن الصلاة فيها، فذكروا ــــــــــــ رحمهم الله تعالى ـــــــــــ أن الصلاة تصح في السفينة، ولا يلزم من فيها النزول إلى الشاطئ للصلاة، ويلزمه الوقوف إن قدر عليه، ويجوز إقامة الصلاة جماعة في السفينة، ولا يحنون رؤوسهم ليصلوا جماعة، بل يصلون فرادى في سطحها قياما، إلا إذا قدروا على الخروج من السفينة، وأداء الصلاة في الشاطئ جماعة أفضل، ويستقبل القبلة في السفينة، ويدور إلى القبلة كلما دارت السفينة، وإن خرج إلى الشاطئ وصلى مستقبلا القبلة بطمأنينة فهو أولى، وربما قيل بوجوب الخروج عليه لصلاة الفريضة إن لم يستطع استقبال القبلة في السفينة، ولم يخش فوات الصلاة ويدل لهذا ما يلي:
أولا: حديث ابن عباس ــــــــــ رضي الله عنهما ـــــــــــ قال: ''سئل النبي ــــــــ صلى الله عليه وسلم ــــــــــ كيف أصلي في السفينة؟ قال: ''صل فيها قائما إلا أن تخاف الغرق''. رواه الدار قطني الشاهد: قوله: ''صل فيها قائما''.
وجه الدلالة: أن الصلاة في السفينة صحيحة، ويصلي قائما، إلا أن يخاف من سقوط ونحوه.
ثانيا: روي عن جابر بن عبد الله وأبي سعيد الخدري وأبي هريرة ـــــــــ رضي الله عنهم: ''أنهم صلوا جماعة في سفينة، أمهم أحدهم، وهم يقدرون على المسجد''. رواه ابن أبي شيبة. وعن الشعبي والحسن وابن سيرين أنهم قالوا: ''صل في السفينة قائما'' رواه مالك. أما ما ذكر عن ابن سيرين ومجاهد: أنهم صلوا في السفينة قعودا، ولو شاءوا لقاموا فإنه محمول على النافلة، ولو حمل على الفريضة لكانت صلاتهم باطلة، لأن القيام مع القدرة عليه ركن في الصلاة بالإجماع.
وعن الحسن وابن سيرين قالا: يصلون فيها قياما جماعة، ويدورون مع القبلة حيث دارت. فهذه الآثار عن السلف الصالح تدل على اتفاقهم على صحة الصلاة في السفينة. ومضى الخضيري يقول إن العلماء ــــــــــ رحمهم الله تعالى ــــــــــــ قد نصوا على صحة النافلة فوق الراحلة، ويصلي متنفلا حيث اتجهت، لكن يبدأ بتكبيرة الإحرام وهو متجه إلى القبلة. أما الفريضة: فلا بد أن ينزل عنها ويصلي في الأرض لقدرته على النزول، ولعدم ثبوت الراحلة واستقرارها، وقال أما بالنسبة للطائرة فأقرب شبه لها في القديم السفينة؛ لأن الراكب لا يتحكم في اتجاهها، ولا تقف متى شاء؛ بل لها مسارات محددة، والقطارات لها مسارات محددة لا يستطيع الراكب التحكم فيها. أما في الجو، وفي الطريق للقطار فإنهم لا يتوقفون، أما الطائرة فلعدم القدرة، وأما القطار فلارتباطه بزمن معين في شغل الطريق، لأنه سيشغل في وقت آخر من قطار آخر، وهكذا.
ففي هذه المراكب، أرى: تحديد غرف معينة للمصلين لها قاعدة تتحرك بجهاز مغناطيسي عن طريق غرفة القيادة بأمان وسهولة، ويمكن ضبطها إلى جهة القبلة، وتكون هناك علامات للقبلة، وأجهزة تحدد اتجاه القبلة بالزمن والمكان، ليعرفها المصلون. وأضاف أن لهم إقامة الصلاة جماعة في الطائرة وفي القطار، ويدورون مع القبلة حيث دارت، إما بأنفسهم، أو بالقاعدة التي ذكرتها آنفًا. وهذا ممكن في العصر الحديث ''إن الله يحب أن تؤتى رُخصه كما يكره أن تؤتى معصيته''.
وأبان فضيلته أنه بالنسبة للجمعة فقد اتفق العلماء ـــــــــــــ رحمهم الله تعالى ــــــــــــ على أن تعدد إقامة الجمعة بلا حاجة لا يجوز. قال في المغني: ''لا نعلم في هذا مخالفا'' (1) ولهذا إذا حصل الاستغناء بثلاث لم تجزئ الرابعة، وهكذا الخامسة والسادسة والسابعة اللاتي لا يحتاج إليهن، وتعتبر حينئذ صحة الصلاة بأسبقها، فالثلاث السابقات هن الصحيحات، وقيل: من كان فيه الإمام أو نائبه، وقيل: المسجد العتيق، وأما للضرورة والحاجة: فإن الإسلام دين يسر، ولا مشقة فيه، وجمع الخلائق بمكان واحد ـــــــــــــ مع كثرتهم الشديدة وضيق الأمكنة ــــــــــــ فيه مشقة شديدة عليهم (3) وعلى هذا سار المسلمون اليوم، إذ لم يثبت عن النبي ــــــــــــ صلى الله عليه وسلم ـــــــــــــ المنع من إقامتها. وقول ابن عمر مختلف فيه، لأن الصحابة كانوا يصلون في المساجد الجامعة في القرى وليس فيها الإمام الأعظم، فلا حجة فيه.