أيهما أولى بالمكافأة.. العاملون أم العاطلون عن العمل؟

كثر الحديث عن مكافأة- أو إعانة كمصطلح أدق- العاطلين عن العمل بين مؤيد ومعارض. لعلي قبل أن أبسط الحديث حول هذا الموضوع المتعدد المحاور أن أبدأ في الحديث حول محور مفصلي يحدد الاتجاه الذي يجب أن تسير عليه قضية طالبي العمل من السعوديين. فهل أساس المشكلة بسبب عدم وجود فرص عمل حقيقية؟ أم أن المشكلة تكمن في عدم ملاءمة فرص العمل المعروضة من قبل القطاع الخاص للسعوديين لأسباب مختلفة قد نتفق معها أو قد نختلف؟ أم أن جوهر المشكلة غياب تأهيل السعوديين لمتطلبات سوق العمل؟ لا شك أن الإجابة على هذه الأسئلة مهم جدا قبل الخوض في تحديد مسؤولية البطالة وكيف يمكن علاجها.
فعودا على السؤال الأول، هل نحن حقيقة نعاني عدم وجود فرص عمل للسعوديين؟ في اعتقادي أننا نظريا لا نعاني عدم وجود فرص عمل للسعوديين، لأن السعوديين يشكلون أقل من 13 في المائة (نسبة السعوديين قلت عام 2009 لتصل إلى أقل من 10 في المائة) من إجمالي عدد العمالة في القطاع الخاص حسب إحصاءات وزارة العمل لعام 2008. في إمكاننا أن نعد أن كل وظائف القطاع الخاص المشغولة بغير سعوديين والمقدرة بأكثر من 5.3 مليون فرصة عمل حقيقة في القطاع الخاص. فالدول التي قدمت معونات للعاطلين لا يشكل العاملون من غير أهلها إلا نسبة محدودة. المتابع للدول التي تقدم معونة للعاطلين تنظر لهذا الدعم جزء من تقصيرها في تقديم فرض للعمل لسكانها، ومن أجل تقليل الأضرار المترتبة على هذا التقصير كزيادة معدل الجريمة وغيرها السلبيات.
أما الإجابة على السؤال الثالث، الذي ذكرته في بداية هذا المقال، فباعتقادي أن أساس المشكلة التي نواجهها ليست بسبب غياب تأهيل السعوديين في القطاع الخاص بدليل أن نسبة كل حملة شهادة البكالوريوس، والماجستير، والدكتوراة من غير السعوديين في القطاع الخاص لا تتجاوز 5 في المائة، حسب إحصائيات وزارة العمل لعام 2008. في اعتقادي أن المشكلة تكمن في كيفية إعطاء السعوديين الباحثين عن فرص للعمل الفرصة لإثبات قدرتهم، فالتأهيل في عديد من الوظائف يمكن القيام به أثناء مزاولة العمل (on Job training).
لذا أجد أن إعطاء إعانات للعاطلين عن العمل ليس حلا لمشكلة البطالة، لأن المشكلة ليست في عدم وجود فرص للعمل، بل لوجود عوائق تمنع من وصول السعوديين للعمل في القطاع الخاص. ما يجب علينا عمله هو تقديم إعانة لكن ليس للعاطلين عن العمل، بل للعاملين السعوديين في القطاع الخاص. فالعاملون السعوديون في القطاع الخاص يعانون مشكلات متعددة ذكر جزء منها في مقال بعنوان ''العاملون في القطاع الخاص ضربتين بالرأس توجع''. وباعتقادي أن مشكلة السعودة لا يمكن أن تحل إلا حين يشعر السعوديون المقبلون على العمل أن العمل في القطاع الخاص أفضل من القطاع الحكومي بغض النظر عن حجم الشركة التي يعملون فيها، كما ذكرت ذلك في مقالي السابق، لذا فالإعانة والدعم يجب أن يعطى للعاملين في القطاع الخاص بدلا من العاطلين. هذه الإعانة تقدم ليس على صورة مبالغ مادية تدفع للعامل السعودي في القطاع الخاص، ولكن على صيغة مميزات وظيفية تقدم لهم عبر مؤسسة التأمينات الاجتماعية. فنحن بحاجة إلى تحفيز السعوديين للعمل في القطاع الخاص عن طريق زيادة مميزات التأمينات الاجتماعية كفترة التقاعد المبكر، وتقديم تسهيلات للمساعدة على السكن وغيرها من المميزات الأخرى. ولا يمكن تحقيق هذا الهدف إلا إذا اعتمدت وزارة المالية مبالغ مالية تصرفها للمؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية عن كل سعودي يعمل في القطاع الخاص طالب للعمل، بحيث يشعر السعودي أن العمل في القطاع الخاص أفضل كمميزات من القطاع الحكومي. السعودة في القطاع الخاص لن يكون لها النجاح إلا حين أن تقلب المعادلة في عقلية السعودي، ويكون القطاع الخاص أفضل كمميزات وظيفية من القطاع الحكومي، ولعل زيادة المميزات التقاعدية أحد أهم الوسائل لتحقيق هذه الغاية. على الرغم من وجود جامعات عريقة في بريطانيا مثلا، إلا أن نسبة من يدخل الجامعة بعد الثانوي لا تتجاوز 30 في المائة من مجمل الخريجين. والسبب لقلة عدد المنخرطين في التعليم الجامعي أن خريجي الثانوي يعلمون بأنهم سيجدون فرصا وظيفية توفر لهم حياة كريمة قد لا تكون بالضرورة برفاهية عالية بدون الحاجة إلى إكمال الجامعة، لذا لا تعد الدراسة الجامعية ضرورة من أجل ضمان وظيفة ذات دخل معقول، لذا تجد أن إكمال الدراسات العليا في بريطانيا كرغبة شخصية، لا من أجل ضمان لقمة العيش، كما هو الحال لدى خريجي الثانوي لدينا. فالغالبية العظمى من الطلبة لدينا يضطرون إلى إكمال الدراسة الجامعية، لأنها الوسيلة الوحيدة لضمان توفير حياة كريمة.
لذا أجد أننا بحاجة ماسة إلى قلب معادلة الرغبة للعمل في القطاع الحكومي إلى تفضيل العمل في القطاع الخاص، لكن قلب المعادلة هذا يتطلب اعتمادات مالية من قبل وزارة المالية، هذه الاعتمادات قد لا تعني بالضرورة مصاريف إضافية من قبل وزارة المالية، ولكن تحويل مصاريف صندوق الموارد البشرية إلى بند السعودة، بحيث يتم صرف هذا البند عبر المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية على هيئة مميزات وظيفية لا مبالغ مالية لكل العاملين في القطاع الخاص.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي