الأولويات ملخبطة!!
إن البناء الاقتصادي لأي بلد يتم عادة وفق استراتيجية محددة تتخذ من مقومات الاقتصاد وميزة التنافسية محاور لبنائها وتضع في الحسبان التاريخية الاقتصادية ومكونات النسيج الاجتماعي وتفصيلات أخرى مهمة فيما يكفل ويؤمل أن تؤتي هذه الاستراتيجيات والخطط المستخلصة منها ثمارا إيجابية لتحقيق رؤى وأهداف محددة والتي من المؤكد أن عنوانها الإجمالي هو النمو الاقتصادي وتعضيده وبنيان كيانه بشكل راسخ. وبالمناسبة فقد عرّف زميلنا ـــ أستاذ الإدارة ـــ الدكتور محمد التويجري "نائب الأمين العام لجامعة الدول العربية للشؤون الاقتصادية حالياً" يوم أن كان أكاديمياً في جامعة الملك فهد للبترول والمعادن في أحد بحوثه المنشورة، الاستراتيجية بكلمة "الإحكامية". وليتنا نستخدم هنا المصطلح العربي بدلاً من كلمة استراتيجية. وعلى كل حال فمن شروط نجاح "الإحكاميات" أن تكون الأولويات مرتبة ترتيباً منطقياً بما يتفق والمعطيات التاريخية والحالية والمستقبلية الأساسية لبنائها. والأمثلة في واقع الاقتصاد السعودي وهو ما يهمنا كثيرة جداً في قضية الأولويات تلك. فكثير من المنشآت الاقتصادية أو الاجتماعية أو التعليمية أو الصحية أو المدنية أو غيرها تلاحظ في طريقة أو آلية عملها تبايناً في أولوياتها ومثل هذا التقليد في العمل ينسحب على مجالات مناشط عديدة في الاقتصاد سواء كانت حديثة أو متقدمة جداً أو قديمة وبسيطة.
فمن باب التمثيل على انسحاب التباين في أولوياتنا في المناشط الاقتصادية المتقدمة، خذ مثلاً سوق الأسهم, ففي سوق الأسهم السعودية هناك مَن ينادي بطرح آليات استثمارية جديدة كالخيارات أو العقود الآجلة أو التبادلية أو غيرها من الآليات المالية المتقدمة في الأسواق العالمية. في حين أن السوق لم تنتهِ بعد أن يمر من مرحلة اختبارات الكفاءة الدنيا. ومن باب التمثيل أيضاً على أن ذلك الفكر ينسحب على أغلبية النشاطات البسيطة أو الأكثر تعقيداً ما لاحظته في لوحات رقمية معلقة على لوحات الإرشاد الرسمية في الشوارع الكبيرة تضيء الوقت والتاريخ ودرجة الحرارة وليتها كانت صحيحة فلا الوقت ولا التاريخ ولن تكون درجة الحرارة بأدق من سابقتيها..!! بالطبع هذه اللوحات الإرشادية جيدة وحديثة وتنم عن رقي وتمدن ولكن هناك ما هو أولى قبل أن نعرف التاريخ أو الوقت أو درجة الحرارة من لوحة على طريق. وحتى لو قلنا جدلا إنها ستستخدم لاحقا في كتابة تنبيهات للمرور والسلامة إلا أنني لم أرها كذلك طيلة سلوكي لهذا الطريق.
إن ذلك مجرد أمثلة وليس نقداً لجهة معينة ولكن ما يهم هو أن أولوياتنا في عمل الأشياء ملخبطة فالمهم يسبق الأهم والسبب في ذلك يُعزى إلى عدد من العوامل التي أتمنى ألا يكون أبرزها هو عدم وجود "إحكامية" في الأصل. ولذلك فالسبب إما أن نكون ممَّن يؤمن بطريقة الإدارة بمنهجية إدارة الأزمات أو أن ذلك مآله الاجتهادات الفردية بدوافعها المختلفة التي نحسن الظن ـــ إن شاء الله ـــ ولكن مثلما يقول المثل: "ما كل مجتهد مصيب!!".