حوار رياضي
يشكل الإعلام الرياضي عاملا مهما ومؤثرا، متى كان على قدر المسؤولية، ومنطلقا من مهنية بحتة بعيدا عن الميول والعاطفة، فإنه يرتقي بذائقة وفكر المتابع ويسهم في ترسيخ ثقافة التنافس الشريف مما يعكس الصورة الحقيقية لما نريده ونرجوه من حراكنا الرياضي.
البرامج الحوارية أكثر البرامج سخونة لاعتمادها الحوار المباشر وردة الأفعال الآنية، فكثر متابعوها، وامتلكت تأثيرا على الجمهور، وتفردت أحيانا في القدرة على تسيير الأحداث والتأثير فيها.
ولكن هل نعي معنى الحوار جيدا؟
وندرك كيف يكون مثمرا وبنّاءً؟
حتى يؤتي أكله في كل حين، فلا يكون ظلاما سرمديا لا ينطق إلا بـشر كأنه شفتا الحطيئة في بعض أحواله، فبمعرفتنا معناه يمكن أن نحدد أهدافه ونرتقي به للأفضل، فالحوار في تعريفه الشائع هو المحاورة والمخاطبة ومراجعة الكلام بين شخصين أو أشخاص عدة، لكن الأستاذ موسى الفيفي في رسالة له عن الحوار ساق تعريفا مثاليا، فذكر أن المقصود به البياض والصفاء والإخلاص، وهكذا حقيقة الباحث عن الحقيقة من أجل تقديمها بكل أمانة وتجرد.
والملاحظ أن بعض البرامج الحوارية لم تكن بالصورة المثالية فلم تخدم الغرض الذي أوجدت من أجله أو تسهم في تثقيف المتلقي وتقريبه من الحقيقة فيصبح قريبا من الحدث، بل انبرت لنقل الجدل والحوار البيزنطي إلى مسامع المتلقي فأسهمت في تأجيج التعصب، والسعي لترسيخ إعلام الأندية، فظهرت أصوات تعترف بأنها لا تقدم الحقيقة بقدر ما تسعى لنيل رضا جماهير أنديتها، ساعية لطمس الحقيقة في سبيل ذلك، كذلك عدم وجود ثوابت ينطلق منها الحوار أو مسلمات قطعية الثبات، بل كل شيء قابل للنقاش ومعرَّض للنقد في غياب المختصين ليبينوا حقيقة الأمر وماهيته، فيجب أن تكون هناك أرضية للحوار، وتعرَف الثوابت، وتحترم المبادئ الرياضية، ولا تتخذ الإثارة مطية للشهرة، ووسيلة للانتشار.
ويدهشك من يظهر كي يثبت حقائق لا يعتقدها سواه، فيسعى لتمريرها بمفردات قطعية اليقين مثل، (كما هو معروف، أو كما يعلم الجميع، أو كما هو مشاهد)، فيصبح هو الخصم والحكم في الوقت نفسه.
وإذا كانت الحكمة ضالة المؤمن، فلا بد من السعي لها وامتلاكها، فالتجربة التي قدمها لنا الداعية سلمان العودة في حجر الزاوية، تشكل أنموذجا في رقي الطرح ووضوح المقصد، ونبل الغاية التي من أجلها أعد البرنامج، فتدرس القضايا ويوجد لها الحلول بمنهجية، ودراسة وإعداد مكثفين قبل وقت البرنامج بفترة، وتناقش بقالب أدبي رائع يقدم إضافة ومعرفة لمشاهديه.
فكم نحن في حاجة إلى برنامج حواري بهذا الشكل يهذب، ويثقف، ويقدم المعرفة، ويفتح الأبواب لمن يريد أن يستزيد ويبحر في عبابها.
ـــ هل أصبحنا في حاجة إلى تغيير أسلوب الطرح الإعلامي في برامجنا الحوارية، فيتم استضافة أصحاب القرار، والمختصين لمناقشة القضايا الطارئة، فإصابات الملاعب تحتاج إلى متخصص في الطب الرياضي، وحقوق البيع تتطلب وجود متخصص بالتسويق، وعلى هذا تقاس البقية.
وتزداد الغرابة حين يتم تثبيت أشخاص بعينهم مع تعدد القضايا التي يتم نقاشها واختلافها في كل مرة، فهل امتلكوا القدرة على فهم كل شيء؟.. وتتعجب حين ينتقدون وينظرون في كل القضايا وكأنهم ملكوا عصا موسى، وليس القصد عدم إبداء الرأي أو أن الإنسان لا يمتلك معرفة يسيرة أو خبرة يكتسبها من خلال تواجده في هذا الوسط، إنما القصد أن يصدر المتحدث الرأي النهائي والقطعي غير القابل للنقاش مع إغفال مشاركة أصحاب المؤهلات وأهل الاختصاص القادرين على إبداء الرأي الصحيح والسليم في مثل هذه الحوادث.
خاتمة:
الصبر محمود العواقب فعاله
والعقل أشرف ما تحلت به الحال
والصمت به سر سعد من يناله
والهذر به شر وشوم وغربال