تدني أداء الشركات بعد الإدراج .. لماذا؟
حين تدرج الشركة أسهمها في سوق الأسهم عادة، فالمؤمل أن يكون لهذا التحول في كيان المنشأة كشركة مساهمة عامة ومتداولة في السوق إسهام كبير في أدائها. وهذا مرده لعدد من الأسباب، منها ما يتعلق بالسوق والفوائد أصلا من طرح الشركة وتداولها فيه، ومنها ما يتعلق بالصفة النظامية والهيكل التنظيمي الجديد للشركة. ولذا، فالمحصلة النهائية من جرّاء هذه النقلة النوعية في حياة الشركة هي الأمل في نمو مطرد وأداء أفضل فيما يكفل حياة أطول وحضورا متميزا في سوقها وصناعتها التي تعمل فيها. ولذا، فالإدراج في سوق الأسهم هو تغيير استراتيجي يخص الشركة وينعكس على أدائها، مستفيدة بذلك من طبيعة الهيكل الجديد كونها مساهمة عامة، وكذلك مقومات السوق وبيئته التي من المفترض أن تعمل لصالح تقويم الشركة وكفالة الرقابة عليها ونشدان تميُّز الأداء في حياتها العملية.
هذا كله من المنظور النظري في الأسباب الداعية لأي شركة أن تطرح نفسها وتدرج أسهمها في السوق إلا أن الأمر يختلف واقعياً في سوقنا المحلي، فكثير من الشركات (إلا من رحم ربي) والتي كانت تعمل بتميز في صناعتها وبعد إدراجها تغير الموقف وتباين الأداء ولربما تدنى نحو السلبية. وبالمناسبة أنا هنا لا أعني أداء السهم، حيث إن سوقنا العزيز في كثير من الأحيان، بل غالبها لا يعكس سعر السهم واقع أداء الشركة، بل هي اعتبارات أخرى ليست محل حديثنا الآن. يُضاف إلى هذا أسعار الاكتتاب الأولية في بداية التحول الاستراتيجي للشركة بانتقالها إلى الجمهور والتي كانت وما زالت تعاني التضخم تارة والمضاربة فيما بعد الطرح الأولي وذلك في مرحلة التداول في السوق. المقصد هنا وما نريد التركيز عليه هو أن أسباب التدني في أداء الشركات ذاتها قبل طرحها في السوق وبعد طرحها وتداولها وهل هذه الأسباب عوامل داخلية من داخل الشركة سواءً إدارة أو مجلس إدارة أو خارجية من عوامل مرتبطة بالسوق والصناعة أو الاقتصاد ككل.
الحقيقة أن جزءا كبيرا من الشركات التي استفاد ملاكها من بيع جزء من حصصهم في السوق بأسعار لا يُستهان بها ربما فقدوا الحماس لإدارة شركاتهم أو مشاريعهم مثلما كان في السابق، فلربما ما حصلوا عليه نظير بيع جزء منها يكفي لأن يغطي قيمة الشركة كلها بالأصل أو على أقل تقدير جزءا كبيرا منها على الرغم من أنهم ما زالوا يحتفظون بنسب كبيرة من الملكية. وهذه الخاتمة ليست على وجه الإطلاق فهناك شركات ما زالت متميزة في أدائها بأفضل مما كانت عليه قبل طرح جزء منها في السوق واستفادت بكل مهنية من مقومات وطبيعة الشركة المساهمة والمدرجة. ولكن السؤال الآن: ماذا يجب عمله تجاه تلك التي تدنى مستوى أدائها بعد الطرح؟ الذي أراه أنه مثلما تمت الاستفادة من السوق كوسيلة لاستفادة العامة على حساب الخاصة، فالواجب أن يعمل السوق على الأقل لتدارك ما يمكن تداركه بآلياته المختلفة على تفعيل كل ما من شأنه في تبني المحاسبة على الأداء، وذلك بعدم السماح للانتماء لهذا السوق ما لم تحقق الشركة أداءً مقنعاً. ولذا، فالواجب مراجعة الشروط وفرض قيود أكثر صرامة مرة أخرى في استمرار التداول للشركة بناءً على أدائها، وإلا فسيستمر السوق ليكون مستنقع غرق بعد أن كانت تلك الشركات ذات أداء ناجح، بل متميز.