ما ينفق على البحث العلمي 0.25 % من إجمالي الدخل القومي وسيصل 2 % بعد 20 عاما

 ما ينفق على البحث العلمي 0.25 % من إجمالي الدخل القومي وسيصل 2 % بعد 20 عاما

البحث العلمي جوهر التنمية وروح التطور لكل المجتمعات، ومنذ قيام الجامعات السعودية بدأ معها البحث العلمي الذي كان متواضعا وفرديا واجتهاديا إلى حد كبير، وبتوسع الجامعات وكثرة طلابها وازدياد حاجات المجتمع السعودي وبالرغم من ذلك وللأسف، الكثير من مؤسسات البحث العلمي تتعامل مع البحث العلمي كنظام مشتريات دولة وكمادة مستهلكة بقيمة معينة، وهذا الأمر أحبط وأعاق الكثير من عمليات البحث العلمي، وأن ما يعانيه البحث العلمي هو نتاج ثقافة المجتمع ككل تجاه البحث العلمي إضافة إلى قصور الدعم المالي في أوقات كثيرة، إضافة للنظم والروتين الذي يعوق البرامج البحثية والعلاقة المبتورة بين القطاع الخاص ومؤسسات البحث العلمي، وفي السنتين الأخيرتين تنبه المسؤولون عن البحث العلمي لفداحة المشكلة ووضعت خطة وطنية بعيدة المدى للبحث العلمي. ومن أجل التعرف على مشاكل البحث والباحثين التقت "الاقتصادية"مع نخبة من المسؤولين والمختصين في البحث العلمي لتسليط الضوء ووضع الحلول والتوصيات في ندوة تهم المجتمع العلمي والقطاع الخاص والوطن على وجه العموم، فإلى الندوة:
ما دور البحث العلمي والتطوير التكنولوجي في تحقيق التنمية؟
الأمير تركي: أحب أن أشكركم في البداية على هذه الدعوة، وأنا سعيد جدا أن أكون مع هذه النخبة والمختصين في مجال البحث العلمي، أما عن دور البحث العلمي في التنمية دور أساسي، والمقياس بين تقدم الدول مبني على مستوى البحث العلمي لهذه الدول، وباختصار فإن الاقتصاد والتنمية مرتبطان ارتباطا أساسيا بمستوى البحث العلمي في أي دولة.

الغامدي: لا شك أن اقتصادات الدول لم تعد قائمة على الثروات الطبيعية فحسب، إنما هناك توجه عالمي بدئ فيه منذ نحو عقدين، وهو الاقتصاد القائم على المعرفة وعلى العلم وبالتالي البحث العلمي هو المحرك الأساسي لهذا العلم أو هذه المعرفة نكون أكثرا تحديدا، ليس البحث العلمي، إنما البحث العلمي والتطوير التقني، يعني البحث في التطوير وتقصد أن يخرج من هذه البحوث والأفكار وابتكارات واختراعات ذات قيمة استهلاكية مضافة إليها قيمة اقتصادية، فلا شك في أهمية البحث العلمي وهو الآن المحرك، وخصوصا لنا في المملكة، فلن يكون اقتصادنا أسير البترول، لأنه سينضب يوما، ولا بد أن يكون هناك تحول لاستخدام الفكر الذي هو موجود لدى أبناء المملكة وتحويل أفكارهم واحتضانها إلى مخترعات وبذلك نكون بلدا مصدرا للتقنية، نحن نريد البحث العلمي والتطوير التقني ليس فقط من أجل أن يكون لدينا بحث علمي، إنما من أجل أن يكون لدينا اقتصاد قائم على فكر أبناء الوطن، وألا نكون مستهلكين للتقنية بقدر ما نكون منتجين ومصدرين لها، وحتى يخف اعتمادنا على الدول الصناعية المتقدمة، لماذا لا نكون نحن يوما من ضمن هذه المنظومة في العالم، وهي الدول الصناعية المتقدمة.

السلطان: ليس لديّ الكثير الذي أضيفه إلى ما تفضل به الأمير تركي والدكتور الغامدي، لكن واقع الأمر على الأقل من منطلق رؤية المجتمع ككل بقطاعيه الخاص والعام، هناك نقلة جذرية في التاريخ الحديث بين ما نتحدث عنه في الستينيات والسبعينيات، بل والتسعينيات الميلادية ومطلع هذا القرن، ينطوي على النظرة إلى المعرفة على أنها مركز أساسي في الاقتصاد وعدت المعرفة والعلم كمحور رابع لمحاور البناء بعد الإنسان والأرض والقوة. ففي تقديري أن أهمية الحديث عن أن العلم والعلم المعرفي حقيقة ليست قابلة للأخذ والعطاء ووجهات النظر، بل أصبحت حقيقة وجزءا من الثقافة الاجتماعية أو ثقافة العولمة إذا جاز لي التعبير.
الآن أصبحت الدول تقارن بين التخلف والتقدم، بمستوى النظرة إلى التقدم المعرفي والتكنولوجي، هذا من جانب، والجانب الآخر، الكل يدرك أن البناء الاقتصادي الحديث يعتمد بالدرجة الأولى على مدى التقدم العلمي والبحثي في المنظومة الاقتصادية، لأن القضية ليست قضية البيئة والثروات الطبيعية، وما حباه الله هذا البلد، نحن لدينا خير كثير لا شك، لكن الفيصل في هذا، إلى أي مدى نستطيع أن نسخر البحث العلمي سواء المنتج محليا أو المستورد المُكيف مع معطياتنا الاقتصادية لكي نخرج في نهاية المطاف بمخرج ذي كفاءة اقتصادية تتناسب ومعطيات عصر العولمة الذي يتميز بحدة المنافسة والسوق العالمية المفتوحة.

السعد: إضافة لما ذكر أود أن أضيف أن البحث العلمي والتطور التكنولوجي، هما امتداد للأبحاث العلمية والتطوير التكنولوجي العالمي، ولكن أهمية عمل البحث العلمي هنا في المملكة كدولة في العالم هو توطين البحث واستيراد ما يفيدنا وتطويره لخدمة الإنسان والوطن في جميع مناحي الحياة. والأبحاث العلمية لها شقان: الأول، شق البحث الأساسي، والثاني هو التطبيقي. الأساسي هذا موجود في جميع دول العالم، أما التطبيقي فيخضع لظروف كل دولة، ولذلك عندما تستورد المعلومة من الخارج لكي تطبقها في وطنك تحتاج في كثير من المناحي إلى أن تطورها بحيث يمكن تطبيقها للفائدة المحلية والخصوصية في وطنك، في جميع المناحي، سواء كان في الطب، الأدوية، وعلوم الزراعة، هذا ما أردت أن أضيفه وأتفق مع كل ما ذكر.

الزهراني: لا شك أننا ندرك جميعا أهمية البحث العلمي، فنحن في المملكة الآن نعيش الخطة الخمسية الثامنة، وكلما سارت الدول في خططها التنموية يكون لها آثار إيجابية، وأخرى سلبية، كأي نظام تخطيطي في العالم، كثير من القضايا بدأت تظهر الآن وتطفو على السطح في القضايا الاجتماعية أو الاقتصادية أو الأمنية، لا يمكن التعامل معها إلا وفق منهج البحث العلمي الرصين، الذي يتعامل معها بموضوعية وعن طريق البحث العلمي الدقيق، إضافة إلى التنمية المستدامة، وهي إحدى ركائز التنمية والاستخدام الأمثل للموارد في المملكة لا يمكن تحقيقه إلا عن طريق البحث العلمي، وكما ذكرت فإن كثيرا من القضايا التنموية والاجتماعية والأمنية والاقتصادية ترتبط ارتباطا وثيقا بالبحث العلمي، ولا بد من أن يكون للبحث العلمي التطبيقي الوطني دور كبير في حل كثير من القضايا وعلى سبيل المثال لو تحدثنا عن قضية السعودة، هذه قضية كبيرة جدا بحاجة إلى أن نتعامل معها وفق منهج بحث علمي يتطرق إلى جميع جوانبها حتى نجد الحل الأمثل لها وفق البحث العلمي.

الدوس: البحث العلمي له دور كبير وأهمية في التنمية، بل ازدادت أهميته في الوقت الحاضر مع تطور التقنيات التي أسهمت في أن المعرفة أصبحت متاحة ولكن هذه المعرفة باتت مملوكة، بحيث إن من يملكها يستطيع أن يقيم هذه المعرفة، وبالتالي كل من يستفيد من هذه المعرفة يدفع مقابلا لها، وفي السابق كان التعليم متاحا والوصول للمعلومة ممكنا، ولكن الآن الاقتصاد العالمي تغير، وأصبح من يملك المعرفة يقيمها بمقابل، سواء كانت معرفة تقنية أو مهارية أو حتى علوما بحثية أصبحت بمقابل، ومن أقرب المؤتمرات التي حضرتها عن البيوفيزيون، كان كل واحد يتكلم عن تقنيات وبالتالي يعطيك منتجا يسوق له أكثر من أن يمكنك من كيفية الوصول إلى هذه المعلومة، حتى أن المؤتمرات العلمية انتقلت إلى مرحلة جديدة تعطي المعلومة بقيمة ومقابل.
وإذا نظرنا إلى البحث العلمي، فهو محاولة لإثبات نظرية أو تفسير ظاهرة أو حل مشكلة بأسلوب علمي يبني عليه تنفيذ بحث يحاول أن يحل هذه المشكلة أو النظرية، ولدينا ثلاثة مستويات من البحث العلمي، وهي: التجربة، المشروع، والبرامج البحثية، هناك فرق كبير بين أن نتكلم عن التجربة، وغالبا ما تكون تجارب علمية فردية يقوم بها باحث بأهداف محددة وبوقت محدد، وبالتالي يصل إلى النتيجة المبتغاة، لكن المشاريع هي الوضع الوسطي بحيث إنها قد تكون مجموعة بحثية مكونة من عدة تخصصات في مجال محدد، ما ينقصنا في المملكة هو البرامج البحثية، وهي ليست مرتبطة بشخص واحد وهدف معين بل بأهداف عامة تحددها
أهداف التنمية، ويكون الباحث هو عامل في هذا المجال، وفي فترة معينة، وفي مجال معد، ويشارك فيها بينما البرنامج مستمر، ولذلك نجد أنه كانت هناك برامج أحدثت نقلة في العالم، ولم يعرف من هم الباحثون فيها، في كثير من الأحيان، وبالتالي، التركيز في العالم، ونحن نتمنى أن تكون لنا نقلة في المملكة، وهي التركيز على البرامج البحثية، لأنها هي فعلا من يستطيع أن ينقلنا إلى المنافسة العالمية.

ما واقع البحث العلمي في المملكة؟
الأمير تركي: البحث العلمي في المملكة ـ في الوقت الحاضر، أنا أعتبره في بدايته، تأثر دعم البحث العلمي لدينا بسبب الوضع الاقتصادي، لكن الوضع الآن أفضل، ولدينا تخطيط أعتقد أنه جيد لأهداف البحث العلمي من خلال الخطة الوطنية للعلوم والتقنية، التي شارك فيها عدد من الباحثين في الجامعات وبمشاركة من القطاع الخاص وكثير من الجهات الحكومية، هناك أكثر من 500 متخصص شاركوا في الخطة، والخطة سوف تنقل المملكة، إن شاء الله، من الوضع الراهن إلى وضع أفضل بكثير ولكن بشكل تدريجي، ما ينفق على البحث العلمي الآن نحو 0.25 في المائة من إجمالي الناتج القومي ، والخطة سوف تنقل هذا الدعم إلى نحو 0.75 في المائة خلال خمس سنوات، وإلى 1.6 في المائة خلال 15 سنة، وإلى نحو 2 في المائة خلال 20 عاما، ونسبة 2 في المائة هذه هي معدل ما يصرف في الدول المتقدمة، هناك بعض الدول التي تصرف أكثر، ولكن هذه هي النسبة المناسبة بناء على الدراسات والمختصين.
وأود أن أضيف إلى ما ذكره الدكتور الدوس عن البرامج البحثية، أن الخطة ركزت على تقنيات استراتيجية مهمة، ولكل تقنية هناك برامج وهي موجودة في الجامعات، وأيضا هناك نشاط في مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية، ومحدد دور الجامعات ودور المراكز الأخرى بكل وضوح، فتكون كل الأدوار متكاملة، إن شاء الله، وهناك دعم سخي للكثير من هذه النشاطات، وستكون هناك حاضنات ومراكز تميز في كل جامعة من خلال هذه الخطة، وسوف نبدأ خلال السنوات الخمس المقبلة بإنشاء خمسة مراكز تميز وخمس حاضنات مرتبطة بها في الجامعات الرئيسية في المملكة ويتبعها إن شاء الله الجامعات الأخرى في الخطة المقبلة، وأيضا تتطرق الخطة إلى الأنظمة ويجب تعديل الأنظمة المتعلقة بالباحثين، فتجد مكافأة الباحث محدودة جدا والحوافز كذلك، فهذه كلها يجب أن تعالج، فمهما كان الدعم إذا لم يكن هناك تغيير في الحوافز وتنشيط البحث بالطريقة الصحيحة، لن يكون هناك اهتمام من الباحثين بإجراء البحوث، أيضا هناك اهتمام كبير بالتعاون مع القطاع الخاص من خلال الحاضنات، التي تعد الوسيلة القادرة على نقل البحث إلى الصناعة، لأن الحاضنات تنشأ فيها الشركات المبتدئة التي تبدأ من فكرة، والحاضنة تدعم هذه الأفكار بالبحوث وبالدعم المالي وبالتسويق وبالتدريب خلال فترة معينة سنتان، ثلاث سنوات، أو يعتمد على التقنية، بعدها تتخرج هذه الشركات وتتحول إلى شركات لها دور وتوظف عددا من السعوديين وتساعد في حل مشكلة السعودة، وهذه الخطة يشارك فيها الجميع، ليست هي خطة"المدينة" هي منسقة فقط، وهذا باختصار وضع البحث العلمي في المملكة.

لماذا هذا الفارق الزمني الكبير بين رفع نسبة الدعم المخصص للبحث العلمي إلى 1.6 في المائة؟
الأمير تركي: في الواقع، إن الدعم المخصص للبحث العلمي هو دعم كبير، خلال السنوات الخمس المقبلة سيكون الدعم في حدود سبعة مليارات ريال تقريبا، وهي في مراحلها النهائية، وتعتمد على طلبات الجهات، فآخر جهة هي التعليم العالي، وكان بيننا أخيرا اجتماع مع وكلاء الجامعات وسنعمل قريبا, وسيأتينا رد التعليم العالي على كل هذه البرامج والتعديلات الأخيرة وبعدها سترفع إن شاء الله إلى المقام السامي.
وصرف سبعة مليارات خلال خمس سنوات على البحث العلمي وتجهيزاته يمثل نقلة كبيرة، أيضا يجب أن يكون لديك العدد اللازم لتوظيفه.

هل هناك عنصر نسائي في هذه البرامج؟
الأمير تركي: طبعا، بالنسبة للباحثات "المدينة" سوف تنشئ مركزا للباحثات في جامعة البنات ومرتبطة بحاضنة، وهو سيكون أول مركز للتميز وميزانيته اعتمدت هذا العام، ونحن الآن في إجراءات إنشاء المركز وتجهيزه، وتم الاتفاق مع الجامعة على هذا الأمر، الدعم ليس وحده فنحتاج إلى عدد كاف من الباحثين، كما نحتاج إلى تغيير الأنظمة، فالأمر يتطلب مراحل، وأعتقد أن هذه المبالغ جيدة، وستزيد البحث العلمي إلى أكثر من عشرة أضعاف ما هو قائم، أي أن هناك نقلة كبيرة جدا في هذا الخصوص.

مداخلة الغامدي: إن واقع البحث العلمي مثلما ذكره الأمير تركي، هو واقع متطور وفيه الأمل الكبير، لكن إذا سألتني كباحث حقيقة أقول إن واقع البحث العلمي في المملكة "تعيس" إلى حد كبير مع الاعتذار لذكر هذه العبارة.
من أي جانب؟
الغامدي: من جانبين: الأول، الدعم لا يزال ضعيف جدا جدا، مثلما ذكر الأمير تركي، 0.25 في المائة، المتوسط العالمي لكي يعترف بك كداعم للبحث والتطوير يجب ألا يقل عن 1.5 في المائة، هذا هو المتوسط العالمي، نحن لا نصرف على البحث العلمي إلا 0.25 في المائة وهي نسبة لا تقارن بما يصرف عليه في الدول الأخرى، هذه ناحية، أستطيع أن أقول إن ما يصرف على البحث العلمي في المملكة يقل عن ملياري ريال (يمكن مليار)، فمثلا يخصص لجامعة الملك سعود من ميزانية الدولة نحو أقل من 20 مليونا، ماذا يكفي هذا؟ بل لا يصرف مباشرة على البحث العلمي، هذا الوضع لا بد أن نعترف به.
أيضا القطاع الخاص دوره مغيب في العملية، أنا لا ألوم القطاع الخاص، ربما نلوم أنفسنا أيضا، لأنه ليس هناك حلقة اتصال بيننا وبين القطاع الخاص، فلو تسأل القطاع الخاص، ماذا لدى جامعات المملكة أو حتى مدينة الملك عبد العزيز، لا يعلمون شيئا عنها، بينما نحن في القطاع البحثي الحكومي مثلا لا نعلم ماذا يريد القطاع الخاص منا، والشيء الآخر المهم التنظيم، هناك معوقات كبيرة جدا، ما زلنا مع الأسف نتعامل في الدولة مع نظام البحث العلمي كنظام مشتريات دولة، يعني البحث بينما هو منتج فكري نتعامل معه كمادة أسمنتية أو مادة مستهلكة بقيمة معينة, وهذا حقيقة أحبط وأعاق كثيرا من عمليات البحث أو التطوير في المملكة.
الجانب التنظيمي أيضا الذي ذكره الأمير تركي، ماذا يحصل الباحث عنه، أنا كباحث في الجامعة ربما أعمل في قطاع، أن يكون لديّ مدخول في جهة خارج الجامعة يكون أفضل، لأن اللائحة الموحدة للبحث العلمي التي صدرت عام 1416هـ للجامعات السعودية لم تعط الباحث سوى 1200 ريال للباحث الرئيسي مقابل البحث الذي يجريه، وألف ريال للباحث المشارك، فماذا أنتظر من هذا الباحث، هل سيكون لديه طموح أن يبحث؟ مدينة الملك عبد العزيز تعطي الباحث الرئيسي مثلا ألفي ريال، والباحث المشارك ربما أقل، إذاً حتى المردود لنا كباحثين لا نجد أنه مردود يحفزنا، وتجد مع الأسف هذا يحدث مع الجامعات السعودية، إن البحث هو رغبة شخصية، المحرك للبحث في دواخل الباحثين هو رغبة شخصية، إنما إذا أردت أن تقتات من البحث العلمي فلن تستطيع.
الباحث في الدول الأخرى يعمل منتجا يباع على مستوى العالم، ما رأينا بكل شفافية، منتجا سعوديا رأى النور بشكل عالمي، ما أسباب ذلك؟

الغامدي: لذلك أقول إن الوضع الراهن للبحث العلمي في المملكة يحتاج إلى إعادة نظر جذرية، وإلى حد الآن لا يوجد في المملكة جهة مشرفة على البحث العلمي، مدينة الملك عبد العزيز تقوم بجانب الجامعات ومراكز البحث بجانب، القطاع الخاص في بعض المؤسسات لديه مراكز بحثية مستقلة، ولكن ليس هناك نظرة شاملة، وأعتقد أن ما صدر من "المدينة" عن السياسة التي سماها الأمير تركي خطة، هي السياسة الوطنية للعلوم والتقنية.

مداخلة الأمير تركي: أتكلم عنها ـ الخطة ـ ما بعد السياسة

الغامدي: هذه خطوة ممتازة قد تعمل على تحويل النظرة للبحث العلمي في المملكة، السياسة الوطنية للعلوم والتقنية الصادرة عن مدينة الملك عبد العزيز، تضمنت طموحات، خصوصا أنها تتواءم مع الخطة الخمسية الثامنة، يعني هناك نحو ثمانية أو تسعة مليارات مخصصة في الخطة الثامنة معظمها لتنفيذ برامج السياسة الوطنية، أنا أعتقد أنها جاءت متأخرة جدا، ولكنها تفتح باب الأمل.

مداخلة الأمير تركي: ما يتكلم عنه الدكتور الغامدي فعلا، السياسة الوطنية للعلوم والتقنية، اعتمدت من مجلس الوزراء وما يتكلم عنه الخطة الخمسية التنفيذية الأولى للعلوم والتقنية، وهي تتضمن مشاريع لكل جهة، 29 جهة حكومية، وأظن 36 مشروعا أو نحوها، وكل مشروع خصص مبالغ على عدد الأشخاص والتجهيزات وهذه أعدت بالتنسيق مع كل الجهات، فما أتكلم عنه خطة تنفيذية ودور "المدينة" في الإشراف على البحث العلمي، فـ "المدينة" دورها في الواقع هو الإشراف على تنفيذ هذه الخطة، فعمليا تكون "المدينة" هي المشرفة على المنظومة ككل، وهذا حتى بالتأكد من أن المشاريع والبرامج تنفذ على أكمل وجه، ولكن بمرونة بحيث ما يكون هناك إدارة من قبل "المدينة" وإنما فقط الإشراف والتأكد من أن الخطة تنفذ بالتنسيق مع الجهات، فأعتقد أن الخطة ستنقل المملكة، نقلة نوعية في مجال البحث العلمي.
السلطان: أنا آخذ الموضوع من منظور آخر، غير ما تحدث فيه الأمير تركي والدكتور الغامدي، وأنا سعيد جدا بسماعي عن هذه الخطة بأبعادها الجميلة، أنا في اعتقادي أن ما نعانيه الآن هو نتاج ثقافة المجتمع ككل تجاه البحث العلمي، وأعتقد أن ما نوقش عن الدعم وقلته، أمر واضح وسبب رئيس، لكن في تقديري نحن نعاني من ثقافة عامة هي نتاج حضاري لمعرفة البحث العلمي وأبعاده وأهميته، وفي هذا الإطار لن أذهب إلى إلقاء اللوم أو البعد الكامل على القطاع العام، فالمجتمع كله يعاني من عدم وعي حضاري فيما يتعلق بأهمية البحث العلمي، والدليل على ذلك حتى لا نكون منظرين، إذا ابتعدنا عن القطاع العام ودعمه وما يخصص من ميزانيته للبحث العلمي، تعالوا لننظر أمهات القطاع الخاص، الشركات الكبرى في المملكة، الشركات الكبرى في العالم كله تخصص للبحث العلمي ميزانية تطوير مستمر، ميزانية كما قال الدكتور الغامدي مادة ويعتبرون "انتهى الموضوع" بشراء تلك المادة، لا، هي جزء من الميزانية السنوية تظهر كأي بند من البنود وبشكل مستمر، هذا الذي جعل من تلك الشركات العالمية قوة مهنية علمية تساير معطيات التطور الحضري العالمي ومتطلبات العولمة، فمن هنا آمل، إن شاء الله، أن تكون هذه الخطة الطموحة، وهي للأمانة التاريخية يشكرون عليها، للمدينة والذين ساعدوهم، آمل أن تأخذ في الاعتبار توعيتنا نحن كقطاع خاص وكمجتمع بأهمية البحث ودوره في تعزيز القدرة التنافسية للقطاع الخاص، والقدرة المهنية للقطاع العام في مواجهة تحديات العولمة.

السعد: في البداية كان معظم أعضاء هيئات التدريس في الجامعة التي أعمل فيها جامعة الملك سعود من الأساتذة الوافدين، ثم أخذ أعضاء هيئة التدريس من المواطنين السعوديين يتزايد، ووصلنا إلى ما وصلنا إليه اليوم من وجود أعداد كبيرة جدا من السعوديين، تطور البحث العلمي معها كان يحتاج ليس فقط إلى رساميل وإنما أيضا إلى الإدارة التي توظف هذه الأموال، ولم تكن هذه الإدارة موجودة في البداية، وأول وكالة أنشئت للبحث العلمي في الجامعة، كان قبل نحو 25 عاما، ولم يكن هناك وضوح في عملية الدعم ولا الموافقة على الأبحاث ولا متابعتها، فالتطور الذي حدث حتى الآن والذي عايشته أعتبره إنجازا كبيرا في حد ذاته، والدعم كان كبيرا جدا من الدولة خصوصا في سنوات الطفرة الأولى، لكن قنوات وأنظمة الاستيعاب في الجامعات ما كانت في مستوى الدعم المادي المتوقف في الوقت ذاته.
وعندما أنشئت مؤسسة الملك عبد العزيز وأصبحت فيما بعد المدينة، كان الهدف منها هو تمويل هذه الأبحاث كمؤسسة مستقلة في جميع مراكز البحوث في الجامعات، وأعطيت الحرية لأعضاء هيئة التدريس في الجامعات أن يطرح كل باحث مشروع بحث باجتهاده الشخصي، لم تكن في شكل مشاريع معينة محددة الأبعاد مرتبطة بالتنمية، وفي الوقت نفسه لها أهداف تنتهي لها، ثم تشترك كل الجهات البحثية في الجامعات أو غيرها، في هذه الأبحاث، كل حسب إمكانياته وقدراته البشرية والعلمية والمعملية، وبالنسبة للحوافز المادية والمعنوية، فالشخص منا يتحدث عن الحافز المادي، لكن هناك واجب وطني يجب أن يؤديه الشخص عندما يتخرج ويبحث فقط عن الكرسي، هذا لن يعطيك شيئا، أما إذا كان هدفه البحث العلمي، والتدريس، فيجب أن يقدم واجبه قبل أن يطالب بحقوقه المادية.
الشيء الآخر، الدراسات العليا، حققت نقلة علمية بحثية جيدة، التمويل في الجامعات صحيح، مثلما ذكر الإخوان من بداية النظام في الجامعة كانت المبالغ المخصصة للبحث العلمي ضئيلة جدا ولا تتمشى حتى مع طموحات أعضاء هيئة التدريس في ذلك الوقت، وهم قلة، الآن أعتقد وخصوصا في السنوات السبع الأخيرة، بدأت تتوافر المادة في الصرف على الأبحاث، وفي تجهيز المعامل، لكن إدارة الصرف هي مشكلة، والسبب هو مركزية الإدارة، فالجامعات السعودية خصوصا القديمة، جامعة الملك سعود، جامعة الملك عبد العزيز، جامعة الملك فيصل إلى حد معين، هذه الجامعات تدار بعدما توسعت بالطريقة المركزية نفسها، يجب أن نتوجه بعدما توسعت هذه الجامعات إلى اللا مركزية بحيث تستغل الكليات إداريا وماليا وخصوصا النواحي المالية, وهذه تنطوي على فائدة كبيرة وأقولها بحكم تجربة، عندما يكون الشراء مركزيا في شكل مناقصات أو شراء تجد سعر الجهاز الذي يصل إلى القسم أربعة أضعاف سعره خارج المملكة لأسباب عديدة، لكن لو تم الشراء مثلا إذا كانت التمويلات من "المدينة" أو من مراكز البحوث في الكليات نفسها، تجد أن سعر الجهاز بربع الثمن الذي سددناه للجهاز الآخر، لو صارت عندنا لا مركزية في الجامعات وأصبحت الكليات هي ما تتولى التنسيق بين إدارة الكلية والقسم المختص والباحث في شراء الأجهزة، ستجد أولا سرعة إجراء العملية بعيدا عن الروتين، وأيضا نستطيع توفير نحو ثلاثة أضعاف المبالغ التي ندفعها لشراء الأجهزة الآن.
لكن هذا لا يمنع أهمية الحافز المادي، لكن ثمة حوافز أخرى، مثل ترقية عضو هيئة التدريس مرتبطة بالأبحاث، مرة أخرى أركز هنا على عملية اللا مركزية، والإجراءات الإدارية في الشراء وخصوصا تأمين الأجهزة في مشاريع مدينة الملك عبد العزيز، أنا لم أشترك لسوء حظي في مشروع، ولكن حكّمت أبحاثا عديدة، وكانت معظم نقاط العتاب والخلاف بين الباحثين وإدارة المنح، هي فيما يتعلق بعملية الشراء وإذا أخذت باحثا لديه بحث يستمر عامين، تجد السنة الأولى تذهب كلها في التجهيز، ثم يطالبونه بتقرير بعد السنة، وما زال هو يجهزه كما أن الباحث يجد نفسه يستنزف نصف وقته في الأمور الإدارية والتقارير والردود على التقارير، والنصف الثاني يقضيه في البحث، والمفروض أن يتفرغ للبحث العلمي، ولا يهتم بالجوانب الإدارية وله الحرية في أن يوظف من يريد حتى ولو دفع مبالغ كبيرة، للحصول على مساعدين على مستوى عال من التقنية للمساعدة في البحث حتى لو كانوا متخرجين في الجامعات أن تعطيه المبلغ الذي يحفزه على مواصلة العمل معك.

مداخلة الأمير تركي: أتفق تماما مع ما ذكره الدكتور السعد بضرورة توافر مرونة الصرف كأمر أساسي لدعم البحوث، وفي الواقع هذه مشكلة نظامية، و"المدينة" رفعت إلى المقام السامي في هذا الموضوع، وكونت لجانا لدراسة الموضوع، واتضح وجود جهات أخرى عديدة في الدول تصر على هذه الأنظمة، لكن أحب أن أؤكد أن الخطة تتطرق أيضا للجوانب المالية والإدارية، وهناك دراسات مخصص لها مبالغ لتحسين كل هذه الأنظمة، وتشارك فيها كل الجهات المعنية، مثلا وزارة المالية تشارك في دراسة تحسين الوضع المالي لدعم البحث العلمي وأيضا الشيء الجيد في الخطة أن كثيرا من مؤسسات الدولة شاركت في تحسين الوضع ومعالجة كل هذه المشكلات، وأنا أتفق تماما على ضرورة تسوية هذه العوائق.

كم يلزم هذه العوائق المالية والإدارية من الوقت كي تزول؟
الأمير تركي: كل المشاكل الأساسية مثل البرامج نحن في حاجة لبرامج مستمرة، هذه موجودة في الخطة الخمسية الأولى للبحث العلمي، كثير من المشاكل المتعلقة بالأنظمة كلها موجودة في الخطة الأولى، وإن شاء الله، نخطط لحلها في السنوات الخمس المقبلة ـ سنوات الخطة.

الزهراني: أنا متفائل في مجال البحث، إلى حد المخرجات، تفكير الناس بالبحث العلمي، وجريدة "الاقتصادية" قطاع خاص أعطت هذا الاهتمام ورتبت هذه الندوة لنقاش هذا الموضوع المهم، ما نريده الآن ليس فقط الدعم المادي، لكن التوجه استراتيجية واضحة جدا، ماذا نريد من البحث العلمي في المملكة, والواقع أن البحث العلمي ـ كما ذكر الإخوان ـ في حاجة إلى التنظيم، وضوح في الهدف، وفي الصرف وفي التعامل مع البحث العلمي، وما نوعية البحوث التي يجريها، نريد من مدينة الملك عبد العزيز أن تعلن عن برامج سنوية، لكن هذه البرامج أجريت بحوثها من 20 سنة، هل هناك نتائج بحث خرجت إلى الواقع واستفاد منها المجتمع؟ كثير من القضايا الوطنية أجريت بحوث لها في الزراعة والطب وفي العلوم، هل فعلا هناك بحث وطني ظهرت نتائجه لصالح المجتمع ولمسناها فعلا، كم صرف من الأموال خلال العشرين سنة الماضية أو منذ إنشاء المدينة والبحث العلمي في الجامعات، من المهم أن نقيم ماذا حققنا وأين نتجه، هل حققنا نتائج جيدة خدمت المجتمع وكان لها ثمارها في الواقع؟ هذه أمور يجب أن نحددها وننطلق منها الآن في خططنا ونحدد ماذا نريد من البحث العلمي في المملكة؟ أي نوع من البحث العلمي نريده؟

السؤال هذا موجه للباحث نفسه أم للمؤسسة؟
الزهراني: السؤال موجه للمؤسسة، لجهة معينة يفترض ولو كنت مسؤولا لوضعت وزارة خاصة للبحث العلمي، لأنها من الأهمية بمكان أن تكون هناك جهة مسؤولة.

أنتم في مجال الزراعة، الآن ليس عندنا بذور غير محدودة النمو الآن نطرح السؤال هذا الأساس البذرة غير موجودة؟

الزهراني: هذا السؤال ربما يوجه للدكتور عبد الله الدوس، فهو أكثر تخصصا في هذا المجال، وأنت عندما تتكلم عن البذور، فهذه مسألة تحتاج إلى تطوير وراثي يحتاج إلى أجيال ما يطلع في سنة أو سنتين، والدكتور السعد يعلم ذلك، في مثل هذه البحوث أنت بحاجة إلى باحث متخصص متفرغ يكون همه الحقيقي هو البحث العلمي ولديه رغبة شخصية في هذا المجال. ويكافأ ويعطى ويرعى، وليست قضيته أن يجري بحثه اليوم ويعطي نتائجه وتنتهي القضية، هذه بحوث تأخذ أجيالا حتى نخرج بشيء جيد يعني مثلا دجاج (الليجور) أخذ أجيالا كثيرة حتى تطور وخرج، ووصلوا للسير الوراثي عندهم وصدروا، نحن بحاجة للباحث المتخصص الذي لديه رغبة أساسا في البحث ويدعم ويحتضن.

واقع البحث العلمي الآن كيف هو؟
الزهراني: الوضع ليس مريحا كما نريد، عوائق مالية، عوائق دعم، عوائق أنظمة، عوائق عدم تفرغ، أنظر إلى عضو هيئة التدريس كأحد أفراد المجتمع، لديه مشاكله، وهو ليس متفرغا تماما للبحث العلمي والتدريس، لديه مشاكله وهمومه الأسرية وهموم المجتمع، أنت لو تنظر كمثال عند الغرب، هو ينام الساعة السادسة مساء نحن لا ننام، مدننا ساهرة طوال الليل، وهذا عضو هيئة التدريس والباحث عضو في المنظومة، والبحث العلمي لا يمكن أن تطوره دون أن تنظر إلى الوضع العام وكثير من القضايا في المجتمع.

الدوس: واقع البحث العلمي، هو في تصوري واقع مؤلم، في ظل ثلاث خطط من خطط التنمية السابقة، كان البحث العلمي موجودا كبرامج على الورق، لكن الواقع كان مختلفا تماما، ما قامت عليه الجامعات في المملكة والعالم العربي، كان التعليم بهدف أساسي أولا، ويمكن التأهيل بدرجة ثانوية, ولم يكن البحث العلمي حقيقة قائما كاستراتيجية لذلك، على الرغم مما كانت تشير إليه خطط التنمية للبحث العلمي وتطويره، لكن التطبيق لم يكن له أي أثر، ما نتج عنه أننا خرجنا متعلمين ولم نستطع أن نخرج حتى متأهلين تأهيلا تقنيا قد يكون الجانب الضعيف فيهم، ولم نستطع أن نخرج باحثين، هذا واقع مؤلم بالنسبة للجامعات، وفي المجالات التي تتطلب عملا ومجهودا باستمرار نجد أن هناك عزوفا عن الباحثين للبدء في تطور برنامج لأنه أصلا يكون الدافع لديه ذاتيا أكثر منه وجود منهجية في المؤسسة التي يعمل فيها أو عائق مادي لهذا البرنامج، ولذلك أنا أكدت في البداية: نحن بحاجة إلى تطوير البرامج حتى نستطيع أن نلحق بركب البحث العلمي.

ما أسباب العلاقة المفقودة بين قطاع الصناعة وعالم الأعمال من جهة وبين مؤسسات البحث العلمي من جهة أخرى؟
الأمير تركي: هناك عدة أسباب، أولا عدم وجود الآلية الصحيحة، ثانيا، شركات القطاع الخاص نفسها، احتياجها للبحوث بدأ الآن، لأنه سابقا كثير من المؤسسات والشركات تعتمد على تقنيات مرخص لها من الخارج، ما عندنا صناعة تعتمد على منتج محلي كما ذكرت، فالحاجة للبحث العلمي عادة في حل مشاكل بسيطة، وليس لتطوير المنتج، الآن التوجه لإنشاء صناعة محلية مبنية على تقنيات حديثة إما من خلال نقل التقنية من الخارج أو من تطويرها محليا، فالحاجة ستزداد أكثر للتعاون بين الجامعات وبين مراكز البحث العلمي، هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى، وجود الحاضنات كآلية جيدة، ليس فقط الحاضنات التي تتحدث عنها "المدينة" وإنما القطاع الخاص يتكلم أيضا من إنشاء حاضنات وكثير من الجهات الأخرى، وسيكون هناك، إن شاء الله، عدد من الحاضنات ومناطق تقنية لتطوير الصناعة المحلية المبنية على البحث العلمي، وهذا سيعمق التعاون بين الجامعات ومراكز البحوث والقطاع الخاص.

نريد توضيحا من الأمير للحاضنات حتى يكون القارئ على بينة واضحة منها؟
الأمير تركي: الحاضنة هي جهاز يتبنى الشركات الناشئة ويدعمها بالبحوث والدعم التقني الإداري، الدعم المالي، وأيضا التسويق، ويكون لهذا الجهاز مقر ومكاتب ومعامل، وتبدأ الشركة بدعم من هذا الجهاز (الحاضنة) لعدد من السنوات، بناء على التقنية، مثلا تقنية المعلومات والاتصالات تحتاج إلى نحو سنتين من احتضان الحاضنة، بعدها تستطيع الشركة أن تعتمد على نفسها، وتحصل على تمويل خارجي وتستثمر، بينما مجال التقنية الحيوية تحتاج إلى من 5 إلى 6 سنوات احتضان من المؤسسة الحاضنة، وهذه ميزة عالمية، والآن ستكون الحاضنات هذه، وهي الوسيلة الصحيحة لإنشاء الصناعة، بناء على البحث، وكما ذكر الإخوان لم يكن هناك استفادة من البحث العلمي، هذا صحيح لأنه لم يكن هناك المؤسسات الوسيطة بين البحث والصناعة.

السلطان: أعتقد أن ما ذكره الأمير فيه كثير من المنطق، وأرجو أيضا الإشارة فيما يتعلق بالحاضنات، أنا أعتقد أنها ستحل كثيرا من المشاكل على الأقل لتخرجنا من الجانب النظري إلى الجانب العملي، وهو وسيلة تعالج أهم معضلة عندنا فيما يتعلق بالعلاقة بين قطاع الأعمال ومراكز البحث العلمي وهي معضلة التواصل، وأرى أن هناك ثلاثة أسباب رئيسية تكمن وراء هذه المشكلة، السبب الأول، عدم وجود آلية للتواصل بين قطاع الأعمال والقطاع الإنتاجي، من جهة وبين المراكز البحثية من جهة أخرى، وإن كان هناك من آلية فهي آلية تقليدية وضعيفة جدا، وحتى نتاج التعليم كما ذكر من قبل، ليس هناك تواصل بين المستفيد وهو القطاع الإنتاجي والخدمي، وبين مخرجات التعليم، ومن هنا جاءت الفجوة بين أن يكون هناك مخرجات للتعليم لا تجد لها موقعا في سوق العمل، وهذا الأمر أخذ من المجتمع المتحضر وقتا طويلا لكي يدرك أن مخرج التعليم يجب أن يأخذ من المستفيد النهائي كالمصنع والمزارع ماذا يريد حتى يبني عليها مناهج التعليم المناسبة لذلك، وأنا أذكر أن أحد مديري الجامعات في البترول ذكر أنه كان عمر الجامعة 70 سنة وأنه كانت تعمل 68 عاما خطأ، لأنهم كانوا يعتقدون أن الزبون هو الطالب، ولكنهم أدركوا خلال سنتين فقط، أن الزبون الحقيقي هو القطاع الخاص الذي يوظف مخرجاتهم، وحينذاك عدلوا مناهجهم وفق هذا المفهوم.
الشيء نفسه بالنسبة للبحث للعلمي، عندنا كما ذكرت المعضلة الأولى، هي معضلة التواصل غير الواضح بين قطاع الإنتاج والخدمة والزراعة وبين مراكز البحث العلمي، والناحية الأخرى هي معرفة قيمة الوعي والثقافة لدى المجتمع بأهمية البحث العلمي، وهذه في ظني معضلة المعضلات، لأنه لو كان هناك وعي واضح لدى القطاع الخاص ولدى المجتمع ككل بأهمية البحث حتى ولو لم يكن هناك بحث علمي كلي، سوف يبحثون عن ابتكار علمي، لأن المعلومة الآن ليست حكرا على أحد وليس لها جغرافية وليس لها مواقع، لو كان لدينا نحن في القطاع الخاص الوعي الكامل لما انتظرنا مدينة الملك عبد العزيز أو جامعة الملك فهد للبترول والمعادن أو جامعة الملك سعود حتى تنتج لنا مخرجا، يمكن أن نشتري البحث من الصين أو نتعاقد مع شركات من اليابان أو غيرها، لكن لدينا نقص في الوعي بهذا الجانب، وبالتالي لم تخصص له الموارد المناسبة والبحث العلمي هو عملية مستمرة، وليس مجرد سلعة تشترى ثم لا تشتريها العام المقبل.
المعضلة الثالثة، هي المعلومة، وهي الآن رغم أنها قد تعاني من "تضخم في المعلومة" لكنها ليست منسقة، يعني هناك بحوث كبيرة جدا ومقيمة في مدينة الملك عبد العزيز وفي مراكز البحوث في جامعة الملك سعود وغيرها، لكنها بعيدة عن مؤسسة إنتاجية ربما لا تبعد عن "المدينة" وبذل فيها مجهود كبير في "المدينة" وخرج الباحثون هناك بمخرج جميل وعلمي ومقيم تقييما عالميا، لكن هل استفاد منه المنتج في المدينة الصناعة التي تبعد عن مدينة الملك عبد العزيز خمسة أو عشرة كيلو مترات عنها؟ في ظني أن هذا خلل في المعلومة، وفي توصيل المعلومة المناسبة في الوقت المناسب وفي التاريخ وفي القيمة المناسبة للمستفيد النهائي، هذه معضلة.
إذا كان لدي إنتاج علمي أريد تسويقه لهذه الشركة، وهي تريد أن تستثمر في هذا المنتج ما المعوقات؟

السلطان: البحث العلمي ليس هدفه في النهاية إنتاج منتج، بل يبدأ من تطوير أداء عملية الإنتاج إلى المنتج النهائي وإخراجه، يعني يبدأ حتى من تطوير عمليات الإنتاج إلى الموارد البشرية إلى الاستثمار إلى المنتج النهائي في تطوير مثل هذا العلم إلى أن يصل إلى المستهلك النهائي، والقضية قضية تطوير أداء مؤسسي مبني على المنهج العلمي وتطويره بشكل مستمر وبشكل مهني وعلمي، وهذا في ظني لو عدت للمشكلة الأساسية المشكلة ليست عدم قضية بحث علمي، وإنما المشكلة هي في عدم إيصال هذا المنتج البحث العلمي إلى الشركة المستفيدة، صاحب الخدمة المصنع أو الزارع أو المستفيد النهائي، في تقديري أعود وأكرر القضية قضية وعي حضاري وثقافة اجتماعية بهذا الموضوع، وهي التي شكلت هذا التشكيل من عدم الانسجام بين مراكز البحث العلمي وبين المستفيدين النهائيين.

مداخلة الغامدي: أود أن أؤكد على ما ذكره الدكتور السلطان من أن الوعي بأهمية البحث العلمي هي معضلة اجتماعية، ونحن في الجامعات نتحمل جانبا من الفجوة بين القطاع الخاص ومراكز البحث العلمي سواء في "المدينة" أو في الجامعات، لأنه لا يوجد تسويق بعيد المدى، ولا نعلم ما لدى القطاع الخاص، ولا يعلم القطاع الخاص ما لدينا، فالصورة غير واضحة لدى الجميع، والتقصير مسؤولية الجميع، وأعتقد أن الجامعات ومراكز البحث العلمي تتحمل مسؤولية لأننا لم نسوق لأنفسنا بشكل جيد، ربما خطونا خطوة جديدة في التعليم العالي حيث بدت الجامعات من نحو سبع سنوات تنشئ معاهد للبحوث والدراسات الاستشارية مما فتح النافذة نوعا ما بين القطاع الخاص والجامعات، وهو تحول جديد وجذري في بناء العلاقة وتجسيد الفجوة بين الجامعات ومراكز البحث العلمي والقطاع الصناعي.
مؤتمر الشراكة الذي عقد بين الجامعات والقطاع الخاص الذي عقد في رحاب جامعة الملك سعود العام الماضي، برعاية خادم الحرمين الشريفين، ركز على هذه النقطة، ولم تتجاوز توصياته الأربع، كلها تدور حول هذا المحور وكيف نبني العلاقة، وكان أول مثال حقيقي للكيفية التقارب بين القطاع الخاص والجامعات، والشيء الثاني، أنني لا أريد أن أهضم حق بعض الشركات العملاقة في المملكة وبالذات "سابك"، و"أرامكو السعودية" تجمع ما بين القطاع الحكومي والقطاع الخاص لها دور كبير، خذ مثلا "أرامكو السعودية" أعطت الكثير وما زلنا نطمح للأكثر "سابك" أيضا لها برامج واعدة جدا، لديها برنامج منحة سنوية لكل جامعة من جامعات المملكة بمبلغ وقدره يصرف على بحوث البتروكيماويات والصناعات الكيماوية في مجال تخصصها، وهذا الذي نريد، لو كانت كل شركة حذت الحذو نفسه وأتت للجامعات ومراكز البحث العلمي وفي مجال تخصصات عرضت مشكلاتها وطالبت الجامعات بدراستها..

هل لدى "سابك" براءات اختراع سجلتها؟
الغامدي: نعم لدى "سابك" الآن ما لا يقل عن عشرة براءات اختراع مسجلة في أمريكا وأوروبا لباحثين لأبحاث من نتاج تعاون "سابك" مع جامعة الملك سعود، كما اتجهت "سابك" اتجاها جديدا في هذا الخصوص من خلال بناء كراسي للبحث العلمي في الجامعات السعودية، الآن كرسي لأبحاث البوليمرز في جامعة الملك سعود (كلية الهندسة)، وأيضا كرسي لأبحاث البيئة في جامعة الملك فهد للبترول بدعم مليون ريال سنويا لكل كرسي من شركة "سابك" أيضا هناك برنامج بحوث طويلة المدى بين "سابك" والجامعات السعودية، أيضا "أرامكو السعودية" لديها المنهج نفسه، العلاقة موجودة ولكنها محدودة، وأعتقد أن من الأشياء المهمة كذلك، القناعة، لكني أود أن أعلق على تعريف حاضنات التقنية مثلما ذكر الأمير تركي، فهي عبارة عن بيئة تحتضن الأفكار، ومن أجل تحويل هذه الفكرة البسيطة إلى مخترع والجانب الثاني من الحاضنات هو تسهيل اختصار عملية الإنتاج، فقد لا يكون منتجا صناعيا محسوسا مستهلكا، إنما تأتي إلى مصنع بلاستيك وتقول له تستطيع صنع هذا الكأس أو قارورة البلاستيك بدلاً من أن تمر بعشرين خطوة، أنا يمكن أن أنتجها في خمس خطوات، فقط فأغير الجهاز أو أطوره، وبالتالي اختصرت عليه عملية الإنتاج، ونصف التكلفة، الإشكالية أنه مازال في القطاع الخاص، بعض المستثمرين ليس لديهم الوعي بقناعة بأهمية البحث العلمي وأنه ممكن له أن يخفض له تكلفة الإنتاج وبالتالي ترتفع نسبة المكسب، لكن أعتقد أننا في مراكز البحث العلمي نتحمل أننا لم نمد يدنا للقطاع الخاص ونقوم بتوعيته بأهمية البحث العلمي وليس أمام القطاع الخاص في المملكة عندما تقابله، إلا قول ما فائدة البحث العلمي" ما عندنا أمثلة حية" يعني عندما بدأت صناعة الترانزستور حدث تحول في العالم، وإبرة البنسلين أعطت تحولا، لأنهم مقتنعون بأهمية البحث العلمي، لكن أنا في الجامعة لم أنتج الشيء الذي أستطيع أن أقول وكذلك مركز البحث العلمي في "المدينة" أنه يمكن أن يقنع القطاع الخاص بضرورة أن يركض وراء البحث العلمي، وأرى أنها ثقافة يجب كما قال الدكتور السلطان أن تنحسر الهوة الثقافية بين مراكز البحث العلمي والقطاع الخاص، وأعتقد أن ذلك هدف ينبغي أن يتوافر في الخطة، أي أن السياسية الوطنية للعلوم والتقنية التي ذكرها الأمير تركي، وهناك هدف يتمثل في كيف نعمل على إقناع القطاع الخاص بأهمية البحث العلمي وبمردوده وبتحسين أرباحه ومكاسبه أيضاً.

التوصيات:
1 ـ معاملة البحث العلمي كمنتج فكري وليس كقائمة مشتريات تنتهي وتستهلك.
2 ـ يجب أن تراعى حاجات الباحث الاجتماعية والأسرية ويوضع الدعم المالي والإداري له في وضعه الصحيح.
3 ـ ضرورة تغيير اللائحة التي وضعت عام 1416هـ للجامعات السعودية لأنها تؤخر البحث العلمي وتهضم حق الباحث.
4 ـ دعم الخطة الوطنية للبحث العلمي بكل السبل لأنها ما نحتاج إليه بالضبط لتقدم البحث العلمي.
5 ـ ترك الكليات تدير نفسها والبعد عن المركزية خاصة في الجامعات الكبيرة.
6 - مساعدة الباحث وإراحته من الأمور الإدارية التي تعوقه عن التفرغ للبحث العلمي.
7ـ بناء الجسور بين القطاع الخاص ومؤسسات البحث العلمي.
8 - التركيز على حاجات المجتمع ومتطلباته في البرامج والأعمال البحثية.

<img border="0" src="http://www.aleqt.com/picarchive/;lpo;lp..jpg" width="499" height="300" align="center">

الأكثر قراءة