ضوء أحمر

ضوء أحمر

<a href="mailto:[email protected]">asidahmed@hotmail.com</a>

إذا صدق الخبر الذي أوردته نشرة "مرصد الشرق الأوسط ـ ميس" في عددها الأخير، أن الإنتاج النفطي السعودي تراجع الشهر الماضي إلى ما يزيد قليلا على تسعة ملايين برميل يوميا (9.05 مليون برميل تحديدا)، وهو ما يقل عن حصتها البالغة 9.099 مليون، فإن هذا يشكل ضوءا أحمر لا بد من التوقف عنده بالنسبة إلى منظمة الأقطار المصدرة للنفط (أوبك) ككل أكثر من كونه قضية تخص الرياض تحديدا.
التراجع لم يأت فجأة، وإنما بدأت طلائعه منذ الشهر الذي سبقه، وهو يمكن أن يشكل أول مؤشر على تراجع في الطلب. هناك بالطبع العامل الموسمي حيث يتراجع الطلب عادة استعدادا خلال فترة الربع الثاني من العام، الذي ترافقه فترة الصيانة الدورية للعديد من المصافي خاصة في النصف الغربي من الكرة الأرضية. وإذا أضيف إلى هذا كله أن حجم المخزونات ظل على أعلى مستوياته خلال هذه الفترة، فإن هذا التراجع يبدو منطقيا، رغم أنه الأول من نوعه منذ أيلول (سبتمبر) 1998، وهي الفترة التي بدأ العمل فيها بنظام الحصص الجديد والسعي إلى رفع الأسعار بعد التراجع الحاد الذي شهدته تلك الفترة.
ومع الأخذ في الاعتبار الجانب الموسمي لتحركات السوق، إلا أن لجوء السعودية إلى تقليص إنتاجها يؤشر إلى أنها لا تزال تفضل تعظيم عائداتها المالية على حساب الاستراتيجية السابقة بزيادة حصتها وحصة المنظمة عموما في السوق، التي استمرت استراتيجية معتمدة لأكثر من عشر سنوات حتى قضى عليها القرار غير الموفق برفع سقف إنتاج المنظمة بنسبة 10 في المائة في مؤتمر جاكرتا الشهير نهاية عام 1997.
المهم في كل هذا، المؤشر الخاص بالاستمرار في سياسة تقليص الإنتاج للدفاع عن الأسعار. وللمنظمة سجل وتاريخ عريقان في هذا الجانب، فهي بدأت رحلتها للدفاع عن هيكل الأسعار منذ عام 1983 عندما قلصت إنتاجها واعتمدت لها حصصا إنتاجية لكل دولة عضو ما عدا السعودية، التي سمحت لها احتياطياتها المالية وقدراتها الإنتاجية ومنافذ التصدير المتعددة المتاحة لديها أن تلعب دور المنتج المرجح وقتها، وهو الدور الذي كلفها شططا وأدى في النهاية تخليها عن ذلك بسبب عدم تقيد الأعضاء الآخرين بحصصهم وأدى إلى اشتعال ما عرف بحرب الأسعار في عام 1986، وهي بدورها أفسحت المجال إلى استراتيجية زيادة الحصة في السوق. ومنذ عام 1998 تحولت الاستراتيجية إلى دعم الأسعار وتعظيم العائدات المالية.
ورغم سنوات سعر برميل النفط العالي الذي أعاد إلى الذاكرة فترة الطفرة قبل 30 عاما، إلا أن تنامي متطلبات الدول الأعضاء في الجوانب المالية جعل من الضروري الاهتمام بهذا الجانب، خاصة والمنظمة تنتج بأقصى طاقة متاحة لديها، وبالتالي يتوافر لها مجال إنتاجي يمكنها التحرك عبره لدعم الأسعار.
وهنا مربط الفرس، إذ أن خطوة مثل هذه ستعيد ملف الحصص الشائك الذي لم تنجح "أوبك" قط في الوصول إلى معادلة مقنعة للكل بشأنها. ثم إن تحديد السقف الإنتاجي ومن ثم الحصص الخاصة بكل دولة يتطلب الاتفاق على السعر الذي تراه المنظمة عادلا لبرميلها أخذا في الاعتبار تطورات السوق المالية، قوة الدولار (وهو عملة تجارة النفط العالمية)، وغير ذلك من قضايا.
ويستدعي موضوع الحصص إعادة فتح الملف العراقي وإلى أي مدى يمكن ضم العراق إلى قائمة الدول المقيدة بحصة إنتاجية محددة، أخذا في الاعتبار التطورات الأخيرة التي شهدتها الساحة العراقية واتجاه بغداد إلى التطبيع السياسي والاقتصادي مع محيطها الإقليمي ومع العالم عموما، وهي خطوة تحتاج المنظمة إلى التعامل معها بوضوح رؤية وشجاعة رغم العنت الذي سيسببه مسعى الوصول إلى سقف إنتاجي جديد بحصص محددة لكل الدول بما في ذلك العراق، فالإنتاج العراقي يظل محسوبا ضمن إمدادات المنظمة سواء كانت بغداد منضمة إلى نظام الحصص أم لا.
ثم هناك الموقف الخاص بالمنتجين خارج "أوبك"، الذي يتزايد إنتاجهم يوميا متجاوزا 50 مليون برميل يوميا تتصاعد باستمرار رغم المتاعب التي تلم ببعض الدول المنتجة من خارج المنظمة. لقد جربت بعض الخيارات في التعامل مع هؤلاء، وأخيراً لجأت إلى أسلوب أغراء بعض المنتجين الواعدين مثل الخطوة النيجيرية بتقديم الدعوة إلى كل من السودان وأنجولا للانضمام إلى "أوبك". إن أي تعاط من الشأن الإنتاجي لدعم الأسعار لا بد أن يأخذ المنتجين من خارج "أوبك" في الاعتبار والاستفادة من تجارب الماضي الثرة.
النقطة الرئيسة التي تحتاج إلى تأكيد هي" هل تتمكن "أوبك" من الاستفادة من المناخ الحالي المريح نسبيا للتعامل مع موضوعات الحصص والأسعار والعلاقة مع المنتجين الآخرين، أم تنتظر كالعادة حتى يفرض عليها السوق التحرك تحت ضغوط تراجع سعري حقيقي أو متوقع؟

الأكثر قراءة