نفط الرمال يلهب الطفرة الكندية باحتياطي 175 مليار برميل
تخطط بعض الشركات النفطية في كندا إلى إنفاق مبلغ 85 مليار دولار خلال العقد المقبل لتطوير صناعة النفط المستخرج من الرمال، الأمر الذي يسهم في تقوية موقف كندا كمزود أولي وأساسي للسوق الأمريكية باحتياجاتها من النفط.
ومع تحقيق أسعار النفط لمعدلات قياسية، فإن ولاية ألبيرتا تعيش أجواء طفرة نفطية. ومع تدفق المزيد من النفط والمزيد من العائدات يبدو الميزان الكندي مائلا نحو الغرب حيث يتزايد الثقل السكاني والنفوذ السياسي خاصة مع تولي حكومة المحافظين السلطة، الأمر الذي يجعل عاصمة الغرب كالجري أقرب إلى تكساس منها إلى تورنتو، التي مثلت مركز الثقل الرئيسي للمحافظين الذين سيطروا على مفاصل السياسة الكندية لعقد ونصف من الزمان.
وبصورة عامة تبدو الكفة مائلة لصالح الغرب الكندي بسبب النفط من ناحية والوجود الآسيوي فيه وانفتاحها على آسيا عبر المحيط، إلى جانب التأثير القوي في الدولار الذي ارتفعت قيمته مقابل الدولار الأمريكي بنحو 35 في المائة منذ عام 2002. هذا في الوقت الذي خسرت فيه الولايات الشرقية، خاصة أونتاريو بسبب ضعف منافستها للسلع والخدمات الصينية التي تغرق السوق الأمريكية، وهي السوق الرئيسية للمنتجات الكندية، وبسبب ذلك فقدت نحو 180 ألف وظيفة بسبب فقدانها مركزها كمورد لبعض السلع بعد أن حلت محلها المنتجات الصينية.
ففي كل أسبوع تشهد ألبيرتا شيئا جديدا تقريبا، سواء بدء العمل في مصفاة جديدة، أو مد خط أنابيب أو المزيد من الإنشاءات. والنتيجة أن الولاية بمدنها المختلفة تشهد حالة من الطفرة بدا البعض يشبهها بأعراض المرض الهولندي الذي يرافق بدايات الانتعاش الناجم عن الصناعة النفطية. وتجاوز الوضع ألبيرتا إلى الولايات المجاورة مثل كولمبيا البريطانية وساسكاتشوين. ويعتقد أن ألبيرتا التي يسكنها 10 في المائة من السكان وتقوم بإنتاج 15 في المائة من الناتج المحلي الإنتاجي مرشحة لزيادة هذه الأرقام بصورة واضحة خلال السنوات القليلة المقبلة، خاصة والسوق النفطية مرشحة للاستمرار في هذا المنحى العالي.
مظاهر الانتعاش بادية في سوق العقار، حيث ارتفعت أسعار الأراضي إلى عنان السماء، بل وانسحبت إلى بقية البلاد، حيث تقلصت نسبة العطالة إلى أدنى معدلاتها في غضون 30 عاما، كما أن البورصة تحقق معدلات تاريخية من النمو. وتمثل مدينة فورت ماكموري، وهي الأقرب إلى مناطق إنتاج نفط الرمال، نموذجا لما يحدث إذ تستقبل يوميا عشرات من سائقي الشاحنات القادمين من مناطق مثل لابرادور ونيوفاوندلاند للعمل والحصول على راتب يتكون من ستة أرقام. ولهذا ارتفع عدد سكان المدينة وتضاعف مرتين إلى 61 ألفا وذلك في غضون عشر سنوات، ورغم حمى البناء لتوفير أماكن للسكن، إلا أن سعر البيت المتحرك وصل إلى 277 ألف دولار.
صناعة نفط الرمال لا تزال في بداياتها كما يقول الخبراء، ويدعمها وجود احتياطيات ضخمة تقدر بنحو 175 مليار برميل، أي ما يزيد على الاحتياطي الموجود في كل من إيران وليبيا مجتمعتين. ويبلغ حجم الإنتاج الحالي من نفط الرمال نحو المليون برميل مرتفعا من 400 ألف في عام 1995، وتشير الخطط إلى أن ذلك الحجم يمكن أن يصل إلى 2.7 مليون عام 2015.
وبسبب المعدلات العالية لأسعار النفط المرشحة للاستمرار في المستقبل المنظور، فإن التوسع في إنتاج نفط الرمال يبدو أمرا ممكنا. فقبل عقد من الزمان كانت هناك ستة مشاريع لاستخراج النفط من الرمال، بينما ارتفع العدد في الوقت الحالي إلى 60 مشروعا، وهناك 55 مشروعا أخرى يخطط لها أن تبدأ العمل في المستقبل.
البداية كانت بمشروع لشركة رويال داتش شل عام 1996 قرب مدينة فورت ماكموري، ولم تكن بداية مبشرة كثيرا، خاصة وسعر برميل النفط وقتها كان يقل عن 20 دولارا. وكادت الشركة تهجر المشروع تحت الضغوط، ولكنها كانت مترددة في هجر احتياطي يقدر بأكثر من 5 مليارات برميل. وفي هذه الأثناء تم تمديد امتيازها لفترة ثلاث سنوات إضافية، استغلتها "شل" في التوصل إلى اتفاق مع "شيفرون" ليكثف الاثنان العمل وفي أقل من أربع سنوات وباستثمارات بلغت 4.9 مليار دولار، فإن المشروع الآن ينتج 155 ألف برميل يوميا. وهناك خطط لشراء المزيد من الأراضي والمناجم خلال العقد المقبل وضخ استثمارات في حدود 6.2 مليار دولار لإضافة 100 ألف برميل أخرى بحلول عام 2009. وتأمل "شل" في النهاية أن تتمكن من إنتاج نصف مليون برميل بحلول عام 2015، أي أكثر من نصف إنتاج ولاية تكساس المشهورة أنها ولاية النفط. وبسبب هذا النشاط، فإن العمل الذي تقوم به "شل" توجد فيه خطوط أنابيب إذا تم مدها فإنها ستصل إلى سان فرانسسكو الأمريكية، وهو يعتقد أنه المشروع الأكبر في العالم في هذا الجانب.
تعتبر كندا أهم شريك تجاري للولايات المتحدة، إذ يبلغ حجم التبادل التجاري بين البلدين لمختلف أنواع السلع والخدمات ما قيمته 460 مليار دولار. ويأتي النفط والغاز على رأس هذه القائمة، خاصة وكندا هي المزود الأول للسوق الأمريكية بحاجتها في هذا المجال، إذ تذهب 99 في المائة من صادراتها جنوبا، تليها فنزويلا ثم السعودية وذلك حسب أرقام العام الماضي. وبإنتاجها الذي يبلغ في المتوسط نحو 3.2 مليون برميل تحتل كندا المرتبة السابعة بين منتجي النفط في العالم، كما أنها تعتبر صاحبة ثاني أكبر احتياطي نفطي في العالم بعد السعودية وفق تقديرات لمجلة "النفط والغاز". ويوجد نحو 95 في المائة من احتياطيات نفط الرمال في ولاية ألبيرتا.
وشهد قطاع النفط العديد من الاندماجات خلال السنوات القليلة الماضية، على رأسها تكوين شركة أمبيريال التي تملك "إكسون موبيل" حصة كبرى فيها، ثم عملية الاندماج بين "ألبيرتا إنيرجي" و"بان كانديان" لتنتج عنها شركة "أن كانا"، وأصبحت أكبر شركة كندية تعمل في ميدان العمليات الأمامية. وهناك طبعا "بتروكندا" الحكومية التي تسعى إلى محاصرة النفوذ الأمريكي، ولو أن الحكومة قلصت نسبتها فيها بنسبة 20 في المائة أخيرا.
وتتوزع الاحتياطيات النفطية الكندية على ثلاثة أقسام: فهناك الحوض الرسوبي في الغرب ويضم ولايات ألبيرتا، ساسكاتشون، كولمبيا البريطانية، ومانيتوبا. وهذه الأقاليم الشمالية الغربية عرفت صناعة النفط باكرا لأكثر من 50 عاما، لكن الإنتاج بدأ في التراجع في الفترة الأخيرة. وهناك نفط الرمال الجديد الذي يستخرج من مناجم مفتوحة أو قرب السطح، وأخيرا هناك النفط المنتج من المناطق المغمورة تحت المياه.
ويذهب القلقون بشأن الصناعة النفطية إلى تساؤل رصفائهم الأمريكيين على الجانب الجنوبي من الحدود إذا كان توافر مصدر ضخم ومضمون للإمدادات النفطية من كندا سيقلل من حماسة ساستهم للتقليل من الاعتماد على النفط الأجنبي.