سعوديون في الخارج ظاهرة تحتاج إلى حلول
في إحدى حلقات برنامج ''واجه الصحافة'', الذي يقدمه الإعلامي داود الشريان على قناة ''العربية'' عرض قبل أسابيع حلقة استرعت انتباهي, وربما استرعت الكثيرين غيري ألا وهي سعوديون في الخارج, توقفت عند هذا الموضوع, وأكثر ما استوقفني أعداد السعوديين الذين تركوا في بلدان أخرى نتيجة زواج من قبل أب سافر لإجازة متعة أو من أجل عمل قاده لمثل هذا الزواج الذي أنجب مولوداً أو مولودة اختفى عنهما والدهما, وتركهما يواجهان مستقبلاً مظلماً, وفي مجتمع لا يرحم, أو ربما لا يستطيع أن يفعل شيئاً لمثل هؤلاء نظراً لفقره وعجزه عن المساعدة حتى إن وجدت الرحمة وتحركت المشاعر الإنسانية.
ذكر في الحلقة أن عدد السعوديين الذين هم نتاج نزوة زواج سريع وغير متعقل, يقدرون بعشرات الآلاف في بعض الدول العربية وغيرها التي يتم فيها مثل هذه الزيجات, حتى إن دولة عربية يعقد فيها 500 زواج يومياً على شاكلة زواج المسفار أو المصياف, وما إلى ذلك من الزيجات التي بدأت تطرح بين الفينة والأخرى, ويوجد من يفتي فيها. هل وجود سعوديين بأعداد كبيرة يمكن اعتباره ظاهرة أم أنه أمر اعتيادي؟ بلا شك أعتبر مثل هذا الوضع ظاهرة سيئة تستحق الوقوف عندها لتحليل أسبابها والآثار المترتبة عليها. ما الأسباب التي تجعل السعوديين يقدمون على مثل هذه الزيجات, وينجبون أطفالاً يتركونهم لذئاب بل كلاب بشرية لا ترحم؟! هل السعوديون لديهم نهم جنسي لا يشبعه إلا هذه الزيجات, وإذا كان الأمر كذلك فلماذا هم كذلك؟ وهل زوجاتهم السعوديات لا يشبعن غريزتهم الجنسية أم أن هناك أسباباً أخرى؟
في ظني أن السعوديين مثلهم مثل غيرهم من الناس لا يزيدون في غريزتهم الجنسية كما لا يختلفون عن محيطهم العربي والإسلامي, لكن الأمر يعود في الأساس إلى الثقافة العامة السائدة حيث يكون الحديث عن الزواج والجنس هو وسيلة الترفيه, وإطلاق الأحاديث في المجالس حيث يسمع الطفل والشاب مثل هذه الأحاديث من الآباء والأجداد وسائر الأقارب حين يجلسون معهم في مجالسهم, لذا يشبون وهذه الأحاديث والقصص تراود مخيلاتهم, حتى إن مثل هذه الممارسات تتحول إلى أمنية أو هدف يسعى الفرد إلى تحقيقه حين يكبر ويكون قادراً على ذلك, لذا تكون الفرصة مواتية لتنفيذ مثل هذا الحلم حين يسافر خارج المملكة نظراً لرخص الزواج في بعض البلدان مقارنة بالزواج في المملكة.
إن مجالس الكبار وما يدور فيها من أحاديث تمثل مدرسة يتلقى من خلالها الطفل والشاب لبنات الأهداف التي تراوده ويخطط لتحقيقها, لذا لا غرابة في أن تحدث مثل هذه الممارسات, لكن هذا ليس السبب الوحيد, بل إن ازدواجية الشخصية عند البعض, والتناقض بين المفاهيم والسلوك والممارسات, يمثل أحد الأسباب الكامنة وراء مثل هذه الظاهرة. حقاً إنها إشكالية تربوية لا بد من عناية المؤسسات التربوية بها, إذ لا يمكن قبول مثل هذا التناقض وتفسيره دون الأخذ في الاعتبار ضعف وهشاشة الوازع الديني, نعم الوازع الديني القوي يحمي صاحبه من هذه الممارسة المتمثلة في الزواج بهدف إطفاء الشهوة فكيف إذا امتدت هذه الممارسة لإنجاب أطفال والتخلي عنهم, بل عدم الاعتراف بهم.
إن فقدان الضمير والشعور بالمسؤولية يمثل خصائص شخصية لمن يقدم على هذه الممارسات المنافية للدين والمشاعر الإنسانية الطبيعية, لذا فإن معالجة هذه الظاهرة يكمن في تعزيز الوازع الديني لدى من يقدمون على هذه الممارسة, وإيقاظ ضمائرهم من سباتها ومن ثم إيجاد الإجراءات والضوابط الحازمة في المجتمعات التي تزوج بناتها بهذه الطريقة ومن ثم يصبحن وأولادهن عرضة للتشرد والفقر وجميع الآفات السلوكية والاجتماعية.
آثار هذه الظاهرة لا تقتصر على المجتمعات التي تترك فيها الأمهات والأبناء ليواجهوا مصيراً مظلما, بل إن آثارها تمتد إلى المجتمع السعودي الذي ينتمي إليه آباء هؤلاء الأبناء وأزواج الفتيات التعيسات, فالأولاد وأمهاتهم سيحملون مشاعر سيئة نحو مجتمعنا الذي أنتج مثل هؤلاء الأزواج, كما سيمثلون قنبلة موقوتة وقودها الحقد والكراهية, إضافة إلى إعطاء صورة سيئة عن الدين الذي لم يردع هؤلاء عن هذه الممارسات المضرة بأطراف عدة. فهل تكون هذه الظاهرة محل اهتمام وسائل الإعلام وخطباء المساجد والمعلمين حتى لا نخلق جيوشاً من المجرمين والأعداء الذين لا ندري متى يصاب مجتمعنا بفعل بعض سفهائه؟