السكن والإسكان .. قضية أزلية اقتصادية
ليست قضية السكن، وبالتحديد تملك المساكن، إلا واحدة من القضايا المحورية في كيان أي اقتصاد سواءً كان ناميا أو متقدما حتى بلغ بهذا الموضوع لأن يكون من مؤشرات النمو الاقتصادي، بل تؤخذ الإحصاءات عن قضاياه كمؤشر لقياس قوة الاقتصاد أو نموه. وفي الاقتصاد المحلي لا يخفى على ذي بال أن السكن وتملك المساكن للسعوديين قضية يعانيها الاقتصاد بشكل كبير، على الرغم من تنامي المؤشرات الاقتصادية الأخرى التي تدلل على الإيجابية في النمو والتمكين نحو القوة. إن تملك المساكن وهو جزء حيوي ورئيس من منظومة السوق العقاري المحلي، لهو كغيره من القضايا الاقتصادية المحلية يمتلك بعض الجوانب في الخصوصية انطلاقا من أبعاد مختلفة، منها ما هو متعلق بالتاريخية وأخرى ذات صلة بطبيعة المجتمع وسلوكياته الاقتصادية.
ولقد عملت الدولة منذ عقود على قضية السكن وتملك المساكن، متخذة عددا من القرارات المفصلية التي كان نتاجها تغييرا إيجابيا في ملامح الخريطة الاقتصادية سواء كان ذلك من جانب منحنى العرض أو منحنى الطلب. ومن بين تلك الخطوات المفصلية إنشاء صندوق مختص بتمويل البناء أو التخطيط الحضري، وإيجاد الأراضي المناسبة للسكن وتوزيعها وما إلى ذلك مما هو معروف من خطوات أخرى مفادها تهيئة المسكن وتملكه. وقد أتت هذه الخطوات الإيجابية أكلها، غير أنه ولعدد من المتغيرات، لم تواكب هذه الخطوات وتيرة التنامي الاقتصادي وازدياد الطلب، واقتران كل ذلك بتدنٍ في مقومات البيئة الاقتصادية والتنظيمية التي يدور في فلكها محور السكن وتملكه.
إن الجهود المشكورة من الدولة لحل هذه المشكلة لهي واضحة ولا تُنكر، بل الاهتمام بها من أعلى المستويات. فالتخطيط لبناء مليون وحدة سكنية، والشروع في الإسكان في أنحاء المملكة، وتحديث النظم المرتبطة بالعقار إجمالا، واقع مترجم لهذا الاهتمام. ولكن هذه القضية والعقبة الكؤود في خريطة الاقتصاد المحلي، لا يمكن أن تنفرج بشكل ذي معنى إلا إذا اشتركت كل الأطراف المعنية بها، وتضافرت جهودهم بشكل جماعي. فالتمويل مثلا حتى وإن تم توفيره سواء من الدولة مباشرة أو من مؤسسات إقراضية كالبنوك التجارية أو غيرها، فسيكون المواطن في وضع غير متوازن ماليا لفترة طويلة في حياته لارتفاع قيمة المسكن في الأصل، وسيؤثر في سلوكه الاستهلاكي، وبالتالي تتأثر الأسواق الأخرى. ففي الدول المتقدمة، في أمريكا على سبيل التمثيل، عادة ما تكون تكلفة المسكن نحو ثلاثة إلى أربعة أضعاف الدخل السنوي لمتوسطي الدخل. وفي بريطانيا تصل إلى خمسة أضعاف، أما في السعودية فتكلفة المسكن المتوسط تعادل عشرة أضعاف دخل ذوي الدخول المتوسطة. ولعل واحدا من أسباب هذا الارتفاع هو تكلفة الأرض التي ــــــ إحصائيا ـــــــ تصل تقريبا النسبة في السعودية إلى 50 في المائة من إجمالي تكلفة المسكن، بينما في أمريكا لا تتعدى 25 في المائة، وفي الدول النامية والناشئة أقل من ذلك لتصل إلى حدود 20 في المائة. وهذا فقط واحد من الجوانب التي لا بد من حلها بأية وسيلة والذي يتطلب خطوة مفصلية وتتقاطع في حله أكثر من جهة. أما الجانب الآخر، فهو ما يتعلق بالبيئة التشريعية المنظمة للسوق والتي على رأسها نظم الرهن العقاري، والتي ما زالت بين أخذ ورد كما لو كانت هذه النظم بعد تطبيقها غير مسموح فيما بعد تعديلها مدى الدهر. ولذا فالتباطؤ في بعض الحلول قد يفقد صلاحية نجاحها وفاعليته وتنتهي بنتائج دون ما هو متوقع منها لحل أزمة اقتصادية كانت أو اجتماعية.
أستاذ مشارك في العلوم المالية
- جامعة الملك فهد للبترول والمعادن