رسالة الخطأ

لم يتم إنشاء الملف.


مشاكل الطقس

انعكاساً لأزمة الغذاء العالمية في الفترة 2007-2008م، تصدرت السلع الزراعية مرة أخرى صفحات الجرائد، مع حدوث المزيد من التدهور في توقعات العرض خلال العام. فتفاؤل المرة الواحدة حول الموسم الزراعي الحالي قد تلاشى في بداية الصيف، حيث تدهورت حالة العرض في روسيا وأوروبا الشرقية بسبب سوء الأحوال الجوية. وفي الآونة الأخيرة، أصبح من الواضح أن مثل هذه المشكلات لم تكن معزولة، بل أثرت بالفعل في عدد من السلع والمناطق الزراعية. وكنتيجة لذلك، استمر التضخم السريع لأسعار المواد الغذائية في الأشهر الأخيرة. فهناك خطر من أن شراء المضاربة وجهود احتواء الصادرات الغذائية، كما حدث في 2008م، ستؤديان إلى صدمة حادة في عرض السلع الخفيفة. وقد يضع هذا دول الخليج في وضع حرج نظراً لاعتمادها الكبير على الواردات الغذائية، وعدم قدرتها على استخدام السياسة النقدية استجابةً لصدمة العرض.
فالأحداث الأخيرة للوضع الذي يهدد بالتحول إلى أزمة غذائية عالمية قد تؤجج، بسبب تحذيرات وزارة الزراعة الأمريكية، من انخفاض عرض المواد الغذائية الأساسية بشكل كبير في الثامن من تشرين الأول (أكتوبر). وبعد توقعاتها السابقة بمحصول ذرة قياسي هذا العام، اضطرت وزارة الزراعة الأمريكية إلى خفض تقديراتها بنسبة 4 في المائة إلى 12.7 مليار بوشل. ومع أن هذا لايزال يجعل الفترة 2010-2011م ثالث أفضل موسم حصاد تم تسجيله، إلا أنه يزيد من ضغط السوق بشكل كبير خصوصاً مع ازدياد التحركات من جانب الطلب. وقد حذرت وزارة الزراعة الأمريكية أيضاً من أن مخزون الذرة سيصل إلى أدنى مستوياته منذ 14 عاماً، إلى نحو 900 مليون بوشل (والبوشل هو مكيال أمريكي للحبوب يساوي ثمانية جالونات أو نحو 23 لتراً ونصف اللتر). وكاستجابة لذلك، ارتفعت أسعار الذرة 15 في المائة خلال يومين، كما ارتفع مؤشر رويترز جيفريز سي آر بي للسلع إلا أعلى مستوى خلال عامين. وانخفضت التوقعات أيضاً للقمح وفول الصويا. وأشارت تقديرات وزارة الزراعة الأمريكية في تشرين الأول (أكتوبر) حول عرض وطلب المحاصيل الزراعية في العالم، إلى أن المعروض العالمي للقمح في هذا الموسم سيقل بقدر مليون طن عن التوقعات السابقة، مرة أخرى بسبب انخفاض الإنتاج الأمريكي.
وينطبق الوضع ذاته على عدد من السلع الزراعية ولكن بدرجات متفاوتة من الحدة. فأسعار القطن كانت في مستوى غير مسبوق، وذلك مع سوء المحصول في الهند والصين ـ البلدين الرائدين في هذا المجال ـ كاستجابة لرفع واردات الصين ورفع صادرات الهند. فأحوال الطقس في أمريكا اللاتينية تهدد محصول البن العالمي، بينما يقف المخزون الأمريكي عند أدنى مستوى في عشرة أعوام. كما أن ارتفاع أسعار الحبوب خلق بدوره ضغوطاً في مناطق أخرى، خصوصا للمواشي، نظراً لانتشار استخدام عديد من الحبوب كعلف. وقد تعقد الوضع أكثر بسبب خفض الإنتاج الذي جاء عقب انتعاش السلع الخفيفة في الفترة 2007-2008م.
ما الذي يسبب المصاعب من ناحية العرض؟ من الواضح أنه بقدر تراكم الضغوط الهيكلية طويلة المدى في السلع لبعض الوقت، فإن الإشارات الأخيرة لتضخم أسعار المواد الغذائية هي نتيجة لتدهور ظروف العرض. فالاضطرابات المتعلقة بالطقس كانت ذات أهمية خاصة، وذلك مع تعرض أكبر منتجين للقمح ـ روسيا والولايات المتحدة ـ لأجواء استثنائية جافة وساخنة، بينما غمرت الأمطار الغزيرة كندا وأجزاء من أوروبا. كما تأثرت المحاصيل البرازيلية بسبب سوء الأحوال الجوية، أما محاصيل القطن الباكستانية والهندية، فقد دمرت بسبب الفيضانات الجارفة خلال موسم الأمطار.
هذه التطورات تبرز مدى تعرض سلسلة العرض العالمي للصدمات. فالحلول قريبة المدى تعد مستحيلة بسبب طول دورة النمو والتي تستمر في حالة القطن حتى 18 شهراً. فقيود العرض قد دفعت بدورها عديدا من المشترين للمشاركة في التخزين والشراءات الاستراتيجية أو شراءات المضاربة، وبالتالي تضخيم التوتر في السوق. فالقلق العظيم في ظل هذه الظروف هو أن يستجيب المنتجون الأكثر تضرراً لهذا الوضع من خلال وضع القيود على الصادرات. وقد تم ذلك بالفعل من قبل بعض أهم المنتجين للقمح خصوصاً روسيا وأوكرانيا. ويذكر أن فيتنام والبرازيل، اللتان تشكلان تقريباً نصف إجمالي الإنتاج العالمي، ينظران في وضع قيود على صادرات البن. وقد سبب هذا أصداء غير جيدة "للحرب التجارية" في عام 2008م حينما فرض عدد من الدول قيوداً على الصادرات والتي واجهت تضخماً هائلاً في أسعار المواد الغذائية وأعمال شغب في الشوارع. ولم يكن هناك ضمان بأن تجلب استجابة العرض في النهاية مزيدا من الارتياح. ويمكن للحبوب زيادة مساحتها على حساب المحاصيل الأخرى، وإنتاج الوقود الحيوي في عديد من الدول التي تستفيد من الإعانات السخية. وفي الولايات المتحدة، هناك خطط لزيادة كمية الإيثانول التي تخلط مع البنزين من 10 إلى 15 في المائة.
مالذي يحدث للطلب؟ يعد تأثير صدمات العرض سيئاً بسبب العوامل الهيكلية التي تقوم عليها قوة الطلب. ومن عدة نواحي، يبدو أن سوق السلع الخفيفة تتبع الميول التي تشهدها السلع الأخرى مثل زيادة "التمويل" إلى جانب التقلبات والنمو السريع للطلب في الأسواق الناشئة. وقد نما اهتمام المستثمرين بالسلع الخفيفة وارتكز على كل من الحالة المواتية للسيولة وضعف عائدات الأصول التقليدية مثل: السندات. ولكن يبدو أن الداعم الأساسي هو التحركات الاقتصادية في الأسواق الآسيوية الناشئة، حيث النمو السكاني السريع، وتزايد الازدهار يدعمان الطلب. وهذا بدوره يقوم بتحويل الأذواق، حيث تعطي الحبوب والخضراوات مجالا أكثر إلى اللحوم كثيفة الموارد. فالصين على سبيل المثال، والتي كانت مكتفية ذاتيا من الذرة حتى وقت قريب، أصبحت مستوردا مهما للذرة، ليس فقط بسبب تزايد استخدام الذرة لتسمين المواشي، بل أيضاُ نتيجة لفشل المحصول. وهذا يجعل الولايات المتحدة في موقع محوري، فهي المنتج الأكبر في العالم بحصة تبلغ 55 في المائة من الصادرات.
أخبار مزعجة لمنطقة الخليج: إن الضغوط السعرية المتجددة على السلع الخفيفة تجعل اقتصادات منطقة الخليج العربي معرضة بشكل مباشر لها. فهي عادة ما تستورد 70 ـ 100 في المائة من المواد الغذائية الأساسية، مما يشير إلى احتمالية تأثير كبير على فاتورة وارداتها. والأسوأ من ذلك، كما حدث في الفترة 2007 ـ 2008م، تواجه دول الخليج مخاطر كمية حادة في حال قرر المصدرون الحد من المبيعات. وكما في الانتعاش السابق للسلع، يعطي هذا توقعاً صادقاً لمزيد من الضغوط التضخمية، في وقت ترتفع فيه أسعار المستهلك في المنطقة ككل. والمشكلة هي أن صناع السياسة النقدية في المنطقة سيكون لديهم المزيد من الأدوات للاستجابة لهذا الوضع، ليس فقط بسبب الارتباط مع الدولار، وما ينطوي عليه من انخفاض أسعار الفائدة، بل وبشكل أساسي بسبب عدم كفاية التشديد النقدي في مواجهة صدمات العرض.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي