مساجد باكستان .. مآذن جاهزة للبيع في الأسواق و«طواقي» للمصلين بالمجان

مساجد باكستان .. مآذن جاهزة للبيع في الأسواق  و«طواقي» للمصلين بالمجان
مساجد باكستان .. مآذن جاهزة للبيع في الأسواق  و«طواقي» للمصلين بالمجان

بعيداً عن إسلام أباد ومسجد الملك فيصل الأشهر على امتداد باكستان والعالم, يمكنك التعرف أكثر على المساجد في هذا البلد الكبير, ومع الفيضان الكبير الذي هدم الأرض بما عليها كنت أبحث عن تقاليد المصلين وفن المعمار الباكستاني, أدركت منذ الوهلة الأولى صعوبة ذلك, ليس للحالة التي عليها البلاد, بل لصعوبة تمييز المساجد عن غيرها من الأبنية, ولا سيما إذا كان ذلك من مكان بعيد, فمساجد باكستان بلا مآذن, بالكاد ترى نماذج منها صغيرة موضوعة فوق أسقف المساجد, أو ثمة قباب صغيرة تمثل العلامة الوحيدة لتمييز المسجد عن غيره من البنايات, لكن هذا ليس كل شيء, فمن المسجد الملحق بالفندق الذي كنت أسكن فيه, رأيت وعلى طاولة خلفية مجموعة من الطواقي ''تستعمل لمرة واحدة'', فالمصلون لا يصلون برؤوس عارية, وهو ما سأراه لاحقاً في مساجد المناطق الفقيرة, لكن هذه المرة للاستعمال أكثر من مرة واحدة, وقبل أن أستوعب كل هذا رأيت كيف أن صوتي أصبح نشازاً حينما قال الإمام ''آمين'' فرددت خلفه بصوت ممدود, فيما سكت الجميع .. من يدري؟ ربما نظر إليّ بعضهم بطرف عينه مستنكراً ما بدا مني.

## مآذن للبيع!

لماذا مساجد باكستان بلا مآذن؟

ظل هذا السؤال يراودني بشدة وأنا أجول في بعض مدن وقرى باكستان, وأتتبع بشغف زخارف وتنوع معمارها, وقبل أن أجد جواباً عن سؤالي, شاهدت في منطقة الأسواق في الطريق الرابط بين إسلام أباد وبيشاور مآذن منتصبة وسط مشغولات فخارية كثيرة, كنت قبل أن أرى ذلك قد عزيت الأمر إلى التقاليد السائدة, التي كما تخيلت تميل إلى التخفيف عنها لتقليل تكلفة بناء المساجد, وهذا هو التفسير الأقرب للإجابة عن سؤالي, لكن ليس تماماً, فلو كان القوم أغنياء لملأوا سماء باكستان بالمآذن الطويلة, فبالبحث وجدت أن الأمر يتعلق بنقص الموارد المالية ليس غير, فالناس يتشوقون لرؤية المآذن السامقة على مآذنهم, لكنهم في الواقع عاجزون عن توفير المبالغ الكافية لبنائها, فهي مكلفة نوعا ما مقارنة بالمستوى المادي المتدني الذي يعيش فيه أغلبية الشعب.
وهكذا وكحل مؤقت في بعض الأحيان يقوم الناس بشراء مآذن جاهزة تباع في الأسواق لا يتعدى ارتفاعها مترا ونصف المتر أو مترين كأقصى حد لتكون بديلا مؤقتا ريثما يتم توفير تكلفتها التي تتجاوز في أقل تقدير خمسة آلاف دولار ''أقل من 19 ألف ريال سعودي'', وهو مبلغ ليس من السهل جمعه, خاصة أن المساجد تبنى في الغالب من تبرعات أهل الحي الذي يوجد فيه المسجد.

#2#

## .. وأسباب أخرى

في الواقع فإن هناك مبررات أخرى لهذه الخطوة, اكتشفت ذلك في الطريق بين إسلام أباد وبيشاور أيضاً, حيث تقع ''نوشيرا'' وهي واحدة من أكثر المناطق التي تضررت بفعل الفيضانات الأخيرة, إذ تدمرت قرى بأكملها واختفت من على الأرض, فتحولت مساكنها إلى خيام وسط القبور والجبال ومسارب الطرق السريعة, فيما بقيت المساجد واقفة, تماماً كما حدث في المناطق التي ضربتها أمواج ''تسونامي'' قبل أعوام قليلة.
في هذا المكان تحديداً شدني مشهد صبية صغار كانوا يتحلقون حول معلمهم في أحد المساجد يتدارسون القرآن, وهو مشهد عبر لي عن الحالة الدينية التي عليها الناس, وهو تعبير عما دعا إليه الإسلام, فرغم الكارثة تواصلت حلقات القرآن ليل نهار بلا انقطاع, عرفت لاحقاً أن المسجد يعني لهؤلاء المدرسة بل الكثير, فالمساجد لا تعد مكانا للصلاة فقط, بل مركز للتواصل بين المسلمين, وهي بهذا تمثل قيمة كبيرة لدى الناس هناك وتلقى الاهتمام الكبير, وهذا ما يؤدي في الغالب إلى المزيد من المصروفات التي تذهب إلى المدرسين والتلاميذ وبطبيعة الحال الطعام, علاوة على مصروفات الخدمات الأخرى مثل الكهرباء والماء ورواتب الإمام والمؤذن والخادم وغيره, ما يجعل البحث عن بناء المئذنة يأتي في الدرجة الثانية.

## الثقفي .. بطل الطائف

مع قلة عدد المآذن في مساجد البلاد, فإن الإحساس بوجودها يبقى في النفس, حتى دون النظر إليها, فكل شيء ينطق باهتمام الناس ببنائها وتعميرها بالصلاة والعبادة والدراسة فيها, فهي تمثل قيمة كبيرة للجميع, ولطالما ردد الناس في أنحاء العالم الكثير من أسماء المساجد الموجودة في باكستان مثل مسجد الملك فيصل في إسلام أباد، ومسجد باتشاهي في لاهور، ومسجد مهبط خان, وسونهري، في بيشاور, ولأني مررت بإسلام أباد المحاطة بالجبال العالية والمقامة فوق غابة من الأشجار, فقد عزمت على الصلاة في مسجد الملك فيصل أو مسجد فيصل شاه, كما يطلقون عليه هناك, صعدت بعد أن صليت الفجر فيه إلى أعلى نقطة في المدينة العاصمة, حيث بدا لي المسجد على الأرض, آية من آيات الجمال, تحفة معمارية وسط أرض خضراء تسر الناظر, بحثت بعيد عودتي عن تفاصيل بنائه, فهو أكبر مساجد باكستان، بل من أكبر المساجد في العالم، ولقد تم اقتراح بنائه في عام 1966 بعد زيارة قام بها الملك فيصل بن عبد العزيز ـــ رحمه الله, وفي عام 1969، أقيمت مسابقة دولية لاختيار تصميمه، فاز فيها تصميم تركي, فنقل إلى أرض الواقع في عام 1986، وتكلف بناؤه نحو 130 مليون ريال سعودي.
هنا في هذا المكان الفائق الجمال ومع أصوات المؤذنين المنطلقة في الأوقات الخمسة يتذكر المرء بكل جوارحه البطل والقائد العربي الكبير محمد بن القاسم الثقفي, فتى الطائف القادم إلى فتح السند وبلاد الهند, لقد دخل الإسلام إلى باكستان على يد هذا البطل الشهير، عن طريق السند، في عهد الخليفة الوليد بن عبد الملك, إذ جاء اختياره على يد الحجاج ليقود الجيش العربي لفتح كل المناطق التي تسمى اليوم باكستان والهند.

الأكثر قراءة