من مآثر خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز إحياء سنة آبائه وأجداده
لقد سرني كما سر غيري من الإخوة الكرام ما قام به خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز, حفظه الله, من إحياء سنة سنها آباؤه وأجداده- الأئمة من آل سعود- وأثلج صدور المسلمين بهذا التقليد الموفق وهذه المبادرة الكريمة. وقد حدثني الكثير من الناس عن تفاعلهم الوجداني والروحي مع هذا الدرس الأسبوعي, مما يؤكد حرص خادم الحرمين الشريفين على نفع المسلمين وسماع ما يفيدهم في الدنيا والآخرة من آيات الذكر الحكيم, التي ينعم ويسعد البشر باتباعها. وهذه السنة الحميدة من الملك عبد الله بن عبد العزيز دليل على ما يقوم به من تمثيل منهج الإسلام في كل صغيرة وكبيرة في شخصه أولاً ومن ولاه الله أمره ثانياً, وهي تبرزه بالقدوة الصالحة التي تحتذى زاده الله توفيقاً وسداداً وعزة ورفعة, بمنه وجوده وإحسانه. وهو بهذه الخطوة المباركة يحث الجميع- الصغير والكبير ـ على أن تكون مجالسنا مثل مجلسه عامرة بذكر الله جل وعلا, مستلهما ذلك من سيرة المصطفى صلى الله عليه وسلم ولأئمة الأعلام والهداة الأبرار, داعياً الجميع الحاكم والمحكوم إلى اقتفاء أثر مثل هذا العمل الجليل.
أخي القارئ الكريم أحببت في هذه العجالة أن أبين لك ما قام به خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز من إحياء لسنة كانت عند الأئمة من آل سعود- رحم الله سلفهم ووفق الله خلفهم- تعاقبوا على إحيائها والحفاظ عليها، يقول المؤرخ الكبير ابن بشر في تاريخه المسمى عنوان المجد في تاريخ نجد: (فإذا اجتمع الناس خرج الإمام سعود بن عبد العزيز بن محمد من قصره ومعه دولة وجلبة عظيمة، فإذا أقبل من ذلك المجلس سلم على الكافة ثم يجلس بجانب عبد الله ابن الشيخ محمد بن عبد الوهاب, وهو الذي عليه القراءة في كل الدروس, ويجلس أكثر من معه في طرف الحلقة, فإذا تكامل جلوسه التفت إلى العلماء والرؤساء من المسلمين عن يمينه وشماله, فسلموا عليه ورد عليهم, ثم يشرع القارئ في التفسير, حضرت القارئ – أي ابن بشر- في ذلك الدرس في تفسير الحافظ محمد بن جرير الطبري, وحضرته أيضاً في تفسير ابن كثير, فإذا فرغ الدرس نهض سعود قائماً في دولته, ودخل القصر, وجلس في مجلس من مجالسه القريبة للناس, ودفعوا إليه حوائجهم حتى يتعالى النهار).
ويقول عبد الرحمن الرويشد في كتابه "قصر الحكم في الرياض": (أحيا الملك عبد العزيز تقليداً قديماً في بلاط آل سعود, وهو حلقة الدرس التي تقام بحضور الملك).
وقد تحدث خير الدين الزركلي في كتابه "شبه الجزيرة العربية" : (إلى أنه سمع في مجلس الملك عبد العزيز ثلاثة كتب من التراث وهي تفسير القرطبي, كتاب البداية والنهاية لابن كثير, وكتاب الآداب الشرعية لابن مفلح, وقد سأل الزركلي الأمير عبد الله بن عبد الرحمن وهو أحد علماء آل سعود المعدودين عن عادة الدروس هذه. فقال الأمير عبد الله: (إنها عادة قديمة تناقلناها عن أسلافنا).
أخي القارئ النبيل، هذه مجرد إشارات إلى هذا التقليد المبارك وإلى هذه السنة الحسنة التي وفق الله سبحانه وتعالى خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز إلى إحيائها والقيام بتطبيقها مما كان له أكبر الأثر وأبلغه في نفوس المسلمين.
الشكر كل الشكر والتقدير كل التقدير لما قام به ـ حفظه الله ـ وما يقوم به وما سيقوم به بإذن الله تعالى من خطوات مسددة تحفها العناية الإلهية بحول الله وقوته، وصدق الصادق لمصدوق صلى الله عليه وسلم حينما قال: (من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها, وأجر من عمل بها بعده, من غير أن ينقص من أجورهم شيئا).