انخفاض نشاط العبادة وارتياد المسجد بعد رمضان ظاهرة موسمية
يتغير حال الناس واستمرارهم في العبادة ونشاطها بعد رمضان, فكيف يمكن مواصلة هؤلاء المفرطين لما كانوا يقومون به من نشاط في أداء العبادة في رمضان, خاصة المحافظة على أداء الصلوات الخمس جماعة في المسجد، حيث يتحدث عدد من المشايخ عن هذا الجانب وكيف يمكن معالجة هذا التقصير حتى تتحقق الفائدة المرجوة من ذلك، ويستعيد من أصابهم الخمول والكسل النشاط القوي الذي كانوا عليه في رمضان، ويستمرون في أداء العبادة والعمل على زيادتها بما يسهم في ارتفاع إيمانهم .. فماذا قال المشايخ عن هذه الظاهرة التي تختفي بعد رمضان؟
#2#
في البداية يقول الشيخ الدكتور صالح بن فوزان الفوزان عضو هيئة كبار العلماء, إن بعض الناس يحافظ على الصلوات الخمس في المساجد في رمضان، لكنه بعد رمضان يعود إلى المعاصي والذنوب والله ـ سبحانه وتعالى ـ حرم عليهم المعاصي فكيف نسي ذلك بعد رمضان؟ فيا من عرفت في رمضان أن أمامك جنة أو نارا وثواباً وعقاباً كيف نسيت ذلك بعد رمضان؟ يا من كنتم تملأون المساجد في رمضان وتتلون كتاب الله فيها، كيف هجرتم المساجد والقرآن بعد رمضان؟ نعوذ بالله من العمى بعد البصيرة، ومن الضلالة بعد الهدى، لقد كانت المساجد في رمضان تغص بالمصلين في الأوقات الخمسة، برجال لم ينزلوا من السماء ولم يقدموا من سفر، وإنما يسكنون بجوار المساجد طول السنة ويملأون البيوت، لكنهم لا يعرفون المساجد في غير رمضان، للقبول والربح في هذا الشهر علامات، وللخسارة والرد علامات واضحة يعرفها كل إنسان من نفسه، ففكروا في أنفسكم، من كان حاله في الخير والاستقامة بعد رمضان أحسن من حاله قبله، ومن حسن سلوكه وعظمت رغبته في الطاعة وابتعد عن المعاصي ونفر منها بعد رمضان؛ فهذا دليل على قبول أعماله الصالحة في رمضان ودليل على ربح تجارته في رمضان، ومن كان بعد رمضان كحاله قبله أو أسوأ، مقيما على المعاصي بعيدا عن الطاعة، يرتكب ما حرم الله، ويترك ما أوجب الله، يترك الصلاة ولا يحضر الجمع والجماعات، يسمع النداء للصلاة فلا يجيب، ويعصي فلا يتوب، لا يدخل مع المسلمين في بيوت الله، ولا يتلو كتاب الله، ولا يتأثر بالوعد والوعيد، ولا يخاف من التهديد، سماعه للأغاني والمزامير، ونطقه قول الزور، وشرابه الدخان والمخدرات والخمور، وما له من الرشوة والربا وبيع السلع المحرمة والكذب في المعاملة والغش والخديعة والفجور، ماذا استفاد هذا من رمضان ومن مواسم المغفرة والرضوان؟ إنه لم يستفد سوى الآثام والخسران، والعقاب والنيران، كما أخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- أن جبريل - عليه السلام- قال له: ''ومن أدركه شهر رمضان فلم يغفر له فمات فدخل النار فأبعده الله قل أمين، فقلت: آمين''؛ فهذا خبر عن محمد - صلى الله عليه وسلم - عن جبريل - عليه السلام- أن من أدركه رمضان فلم يغفر له فيه ومات على هذه الحالة أنه في النار، ودعا عليه جبريل بالبعد عن رحمة الله وأمن على ذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيا عظم الخسارة! ويا فداحة المصيبة! ويا هول العقوبة! يا من عرفت في رمضان أن لك رباً كيف نسيته بعد رمضان؟
#3#
من جانبه, يرى الشيخ عبد الباري الثبيتي إمام وخطيب المسجد النبوي, أن هذا التكاسل من بعض المصلين عن أداء الصلاة والحرص عليها كما كان يفعل في شهر رمضان من شأنه أن يؤثر في هؤلاء المصلين, ما يكون لها دور في عدم قيامهم بواجب أداء الصلاة جماعة في المسجد، لذا فإنه ينبغي على أئمة المساجد الاهتمام بتوجيه الناس بعد انتهاء شهر رمضان وحثهم على أداء عبادتهم وأن نشاطه يجب أن يستمر حتى ما بعد شهر رمضان مما يبقيه على صلة قوية بربه. وأضاف فضيلته أن مما يساعد على استمرار القوة والنشاط في العبادة أن يجعل كل مسلم أيامه ولياليَه كلَّها كأيام رمضان ولياليه، في تعلُّق القلوب بالله - تعالى - ودعائه وذِكره، والمحافظة على الفرائض وإتباعها بالنوافل، وملازمة القرآن تلاوةً وحفظًا، وتدبرًا وعملاً، ولا تنقض عهدَك مع ربِّك - سبحانه - فإنه - تعالى – ينهى عن ذلك؛ ''وَلا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكَاثًا'' النحل: 92، قال مكحول - رحمه الله تعالى -: أربعٌ مَن كنَّ فيه كنَّ له، وثلاث من كن فيه كن عليه؛ فالأربع اللاتي له: الشكر والإيمان والدعاء والاستغفار؛ قال الله - تعالى: ''مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ'' النساء: 147، وقال - تعالى: ''وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذبهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ'' الأنفال: 33، وقال - تعالى: ''قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلا دُعَاؤُكُمْ'' الفرقان: 77، وأما الثلاث اللاتي عليه، فالمكر والبغي والنكث؛ قال الله - تعالى: ''فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ'' الفتح: 10، وقال - تعالى: ''وَلا يَحِيقُ المَكْرُ السَّيِّئُ إِلا بِأَهْلِهِ'' فاطر: 43، وقال - تعالى: ''إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ'' يونس: 23.
وكان الأحنف بن قيس - رحمه الله تعالى - كثيرَ الصيام حتى بعدما كبر سنُّه، وضعفتْ قوَّتُه، فقيل له: إنك شيخ كبير وإن الصيام يضعفك، فقال: إني أُعدُّه لسفرٍ طويل، والصبرُ على طاعة الله - سبحانه - أهونُ من الصبر على عذابه. أسأل الله للجميع السير على ما يحب ربنا ويرضى.
#4#
من جهته, يرى الدكتور خالد الدايل المشرف على قناة "روائع" الفضائية, أن استمرار المسلم على أداء الطاعات بعد شهر رمضان المبارك هي من علامات القبول عند الله ، ولهذا فإن على المسلم اتباع الحسنة الحسنة بالاستزادة من الطاعات ، لكن الذي يؤلم أن نجد أن بعض الناس يقبلون على أداء العبادة ويحافظون على أداء الصلاة جماعة في المسجد في شهر رمضان لكن بعده نجد تراجع هؤلاء عن نشاطهم السابق من المحافظة على الصلوات جماعة في المسجد مما ينذر بخطر عليهم، لذا استغل هذه الفرصة لأحث من يرى في نفسه تراجعا عما كان عليه من نشاط وقوة وعزيمة على أداء العبادات, خصوصا أداء الصلاة جماعة في المسجد أن يراجع نفسه ويجاهدها ويستمر على ما كان عليه من حرص على صلاة الجماعة وكذلك لا بد أن يحافظ على أن يكون له ورد من القرآن يستمر عليه, أسأل الله أن يعينا جميعا لأداء ما ينفعنا ويرفع درجاتنا عند ربنا إنه جواد كريم.