حل المشكلة الإسكانية بين رؤية عقارية ودعم الحكومة
قال مدير عام دار الأركان المهندس سعود القصير في اللقاء الذي أجرته معه صحيفة “الجزيرة” إن الرهن العقاري وبقية أنظمة التمويل العقاري ليست العصا السحرية لحل المشكلة الإسكانية، وحل المشكلة الإسكانية لا يكون إلا من خلال إعداد وتطبيق استراتيجية إسكانية فاعلة وقابلة للتطبيق تأخذ بعين الاعتبار عناصر ومتغيرات القضية الإسكانية كافة في ظل المعطيات الاقتصادية الحالية والمستقبلية ولا تعتمد على الثقافة الإسكانية الحالية السائدة”، وأعتقد أنه يعني بالثقافة الإسكانية السائدة أن يكون المسكن فله (400 - 500 م2)، وبما أن المهندس سعود القصير مدير عام شركة دار الأركان، التي طورت وسوقت آلاف الوحدات السكنية خلال السنوات الماضية فبالتالي تصريحه ما هو إلا رؤية لشركة دار الأركان تكونت عبر تجربتها في عالم الإسكان وتطوير الأحياء الحضرية تطويرا شاملا وبالتالي الأمر الذي يوجب علينا أن نأخذ هذه الرؤية بشيء من التفصيل لعلنا نستفيد منها في تحليل المشكلة الإسكانية في بلادنا.
المهندس سعود في هذا اللقاء أطلق مصطلح “التمويل الفعّال” وهو حسب علمي التمويل الذي يُمكٍن الفرد الذي يحصل عليه من شراء المسكن الملائم لا ذلك التمويل الفائض عن حاجته، كما هو حال الأثرياء أو التمويل الذي لا يمكنه من شراء المسكن، كما هو حال محدودي الدخل وهو يوضح ذلك بضرورة تقسيم أفراد المجتمع ذوي الحاجة للمسكن إلى 3 فئات، الأولى: أثرياء قادرون على تأمين مساكنهم دون الحاجة لتمويل أو لدعم الحكومة وهذه لا تحتاج لأحد يدعمها للحصول على المسكن وبالتالي فهي في غنى عن أي شكل من أشكل التمويل، والثانية: فئة متوسطي الدخل - مستوفون لشروط التمويل العقاري - وقادرون على دفع أقساط شهرية مناسبة وبالتالي فهم من يحتاجون لبدائل تمويلية لشراء مساكن لهم بضمان دخولهم الشهرية وبضمان الأصول المرهونة متى ما كانت المساكن بأسعار متناولة وبالتالي فإن هذه الفئة ستلعب أنظمة التمويل دورا كبيرا في تمكينها من شراء المسكن الملائم في الوقت المناسب، والثالثة: فئة محدودي أو متدني الدخل (لا يستوفون شروط التمويل) وهؤلاء يجب أن تركز الدول جهودها وقدراتها من خلال برامج تنموية لتمكينهم من الحصول على السكن الملائم ومعالجة أوضاعهم وانتشالهم من أوضاعهم الاقتصادية السيئة، كما هو معمول به في الدول المتقدمة، وبالتالي فهو يؤكد بطريقة أو بأخرى أن التمويل الفعّال يجب أن يوجه للطبقة المتوسطة لشراء المسكن الملائم (حجم السكن ملائم لحجم الأسرة ودخل الفرد) مقابل أقساط شهرية تعادل قيمة الإيجارات التي يدفعونها إلى غير رجعة في الوقت الحالي.
وأقول لنفحص هذه الرؤية على أرض الواقع حيث نجد أن الطبقة الثرية التي تنطبق عليها شروط صندوق التنمية العقاري تزاحم الطبقة المتوسطة على هذا التمويل رغم أنها ليست بحاجة له، كذلك نجد طبقة الدخل المحدود تزاحم الطبقة المتوسطة على هذا التمويل وتحجز المخصصات دون أن تتسلمها لأن المخصص التمويلي لا يمكنها من بناء مسكن ملائم خصوصا في المدن الرئيسية بل إن المبلغ لا يكفي لبناء الهيكل الأساسي فقط هذا في حال توافرت الأرض وحسب علمي فإن الأراضي التي منحتها الدولة لطبقة محدودي ومتدني الدخل باعوها بأثمان بخسة لتجار العقار لبعدها أولا ولعدم وصول الخدمات لها إلا بعد سنوات طويلة جدا.
إذن ما الحل؟ أعتقد بكل بساطة يجب أن نأخذ هذه الرؤية بعين الاعتبار ونتجه لمعالجة شروط الدعم الحكومي من قبل صندوق التنمية العقاري ليكون تمويلا فعالا يدعم قدرات أفراد الطبقة المتوسطة لشراء مساكن لهم وهنا ستحل معظم المشكلات حيث نكون استثنينا الفئة التي لا تحتاج إلى الدعم الحكومي وقادرة على شراء مساكن لها مما تملكه من ثروات ووجهنا الدعم لمعظم شرائح المجتمع التي تحتاج لتمويل داعم لها لتخفيف الأقساط التي تتحملها عند شراء مساكن لها من المطورين بعد تطبيق أنظمة التمويل العقاري التي ستفعل عناصر قوى السوق العقارية لإنتاج المساكن بكميات كبيرة ومتنوعة بجودة عالية كما تفعلها لتمويل الراغبين بشرائها عبر برامج تمويلية معقولة الشروط (لا متشددة ولا متساهلة) تجمع بين الوضع الائتماني للمشترين وقيمة الأصل المرهونة كضمان للتسديد.
تبقى طبقة الدخل المحدود أو الدخل المتدني، التي لا يمكنها الدعم الحكومي الحالي من شراء أو بناء مسكن، كما يمكنها نظام الرهن العقاري حال تطبيقه من الحصول على القرض المناسب لشراء مساكن لها لضعف سجلاتها الائتمانية، وهي طبقة تعاني مشاكل كثيرة فضلا عن المشكلة الإسكانية وبالتالي فهي تحتاج لبرامج تنموية لانتشالها من مشاكلها وأسباب تدني دخلها، وأعتقد أن هيئة الإسكان يجب أن تركز جهودها على هذه الفئة بتوفير مساكن لهم دون افتراض ثوابت، بمعنى ألا نفترض وجوب إسكانها في فلل ثم نعجز عن ذلك فندعها على ما هي عليه تعيش في مساكن غير مناسبة بتاتا بل إن بعضها يقع في أحياء يعزز حالة الفقر والجريمة لديها.
ختاما رؤية دار الأركان كمطور عقاري ذي تجربة في المجال الإسكاني حسب اعتقادي تقول إن الأثرياء يبنون مساكنهم ولا داعي للتفكير فيهم، ومتوسطو الدخل يحتاجون لدعم حكومي يعزز قدراتهم لشراء مساكن لهم بأقساط تعادل ما يدفعونه من إيجارات حاليا وذلك بضمان دخولهم الجيدة والعين المرهونة، ومحدودو أو متدنيو الدخل يحتاجون لبناء مساكن مناسبة (بالاتفاق مع المطورين مثلا) مدعومة ببرامج تنموية لحمايتهم من السكن في الأحياء غير الصحية وتحويلهم بمرور الزمن للطبقة المتوسطة.