دراسات الطاقة بين الوطنية والإقليمية

دراسات الطاقة بين الوطنية والإقليمية

في الجزء الثاني من مقالنا (آراء متعارضة حول الاستراتيجية النفطية)، المنشور في جريدة "الاقتصادية" في تاريخ 20/9/1425هـ الموافق 3/11/2004، قلنا إنه (نظرا لما للاستراتيجية النفطية من أهمية حيوية وضرورة مراجعتها وتطويرها بين الحين والآخر، حسبما يستجد من ظروف ومتغيرات فإنني أقترح أن تقوم الدولة بإنشاء مركز أو مؤسسة للفكر والأبحاث في مجال شؤون وسياسات النفط والطاقة على غرار تلك المؤسسات المهتمة بالفكر الاستراتيجي في الولايات المتحدة الأمريكية التي توصف بعبارة Think Tank وبحيث تضم هذه المؤسسة خيرة المفكرين والباحثين في اقتصاديات وسياسات وتشريعات النفط والطاقة, ولعل من المناسب أن تكون هذه المؤسسة الفكرية تحت مظلة المجلس الأعلى لشؤون البترول والمعادن على أساس أنها الجهاز الذي يزوده بالمعلومات والأبحاث والأفكار لتكون تحت نظر صانع القرار. ولضمان قدرة هذه المؤسسة على تحقيق الأغراض المنشودة منها لا بد أن تكون متحررة من القيود البيروقراطية الحكومية).
وفي 2/11/2005، تناقلت وسائل الإعلام الخليجية، خبرا مفاده أن وزراء النفط والطاقة في دول مجلس التعاون الخليجي اتفقوا على تأسيس مركز للدراسات الاستراتيجية وأبحاث الطاقة لدول المجلس، وما زال هذا المركز مجرد مشروع تحت الدراسة لم يخرج بعد إلى حيز الوجود.
وفي 28/5/2006، نشرت جريدة "الأهرام" المصرية، تقريرا حول هذا الموضوع، جاء فيه أن اللجنة الاستشارية المكلفة من قبل لجنة التعاون البترولي في دول مجلس التعاون عقدت اجتماعا لها يوم السبت 27/5/2006، في مقر الأمانة العامة لمناقشة دراسة إنشاء المركز المذكور. كما نسب التقرير تصريحا لمدير الشؤون الاقتصادية في وزارة الطاقة الإماراتية حمدان مبارك العكبري، قال فيه إن "اللجنة قد تلقت عروضا من مراكز استشارية وطنية في دول المجلس، ومنها عرض من أحد المراكز في قطر بهدف إنشاء المركز ووضع اللوائح التنظيمية والأهداف والهيكل التنظيمي، مشيرا إلى أن المركز الذي ينتظر أن يتم إنشاؤه خلال العام الحالي سيتولى الدراسات الاستراتيجية والأبحاث المتعلقة بالطاقة، خاصة في مجالات النفط والغاز في دول المجلس، وبما يراعي خصوصيات كل دولة في هذا الإطار. وقال إن النتائج التي تم التوصل إليها في الاجتماع سترفع للجهات المسؤولة لإقرارها وذلك بعد الاتفاق على تحديد الجهة الاستشارية واستكمال اللوائح والأنظمة.
كما أشار التقرير إلى أنه عقب الاجتماع الثاني للجنة الاستشارية المكلفة بدراسة مشروع المركز المذكور صرح المهندس عيسى العون وكيل وزارة الطاقة الكويتي، أن الكويت عرضت استضافة المقر الدائم لمركز الدراسات الاستراتيجية لأبحاث الطاقة في دول مجلس التعاون لدول الخليج، وقال العون أيضا إن الاجتماع استعرض الدراسة الخاصة بإنشاء المركز والمقترحة من دولة الكويت والدراسة التفصيلية لهذا المركز المقدمة من جامعة الملك فهد للبترول والمعادن، والعرض الفني المقدم من الجامعة، معربا عن أمله في سرعة اختيار المستشار الفني للمركز، وأشار إلى أن مدة دراسة مشروع إنشاء المركز هي أربعة أشهر من توقيع العقد، مبينا أنه سيتم تقديم الدراسة فيما بعد إلى وزراء الطاقة في دول مجلس التعاون في اجتماعهم المقبل في تشرين الأول (أكتوبر) المقبل لاعتمادها. وبين أن الوزراء سيرفعون توصيات بشأن إنشاء المركز إلى القمة الـ 27 لقادة دول مجلس التعاون المقرر عقدها في الرياض أواخر العام الجاري لاعتماد إنشاء هذا المركز في دولة الكويت).
ونتساءل هنا: هل إنشاء مركز إقليمي خليجي لدراسات وأبحاث الطاقة يغني عن إنشاء مراكز وطنية مماثلة في الدول الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي؟ يبدو لي أن المركز الإقليمي لا يغني عن المركز الوطني، لأنه وإن كانت توجد أهداف ومصالح مشتركة بين دول مجلس التعاون الخليجي إلا أنه تظل لكل دولة أيضا مصالحها الذاتية التي قد لا تتطابق أحيانا مع مصالح الدول الأخرى, وبالتالي فإنشاء مركز وطني لدراسات الطاقة أمر تقتضيه المصلحة الوطنية، والمثل يوضح ما أقول، ففي 17 كانون الثاني (يناير) 2006، صدر بيان من بورصة دبي يعلن أنها بصدد إنشاء أول بورصة لتداول عقود الطاقة الآجلة في الشرق الأوسط، مستخدمة نظاما إلكترونيا للتداول، وأن مقر هذه البورصة سيكون في مركز دبي المالي العالمي، وبعد هذا الإعلان بمدة قصيرة، أي في 21 آذار (مارس) 2006، أعلنت قطر عن عزمها إنشاء بورصة دولية للطاقة تتخصص في تجارة منتجات الطاقة وذلك لتوفير الخدمات الخاصة بعمليات التبادل التجاري لمشتقات النفط والغاز وصفقات البيع والشراء المستقلة، وأن المقر الدائم لهذه البورصة سيكون في مدينة (الطاقة قطر) الجديدة، فهذا المثل يدل على أن قطر لم تجد في إنشاء دبي بورصة خاصة بعقود الطاقة أمرا كافيا لتحقيق مصلحتها الوطنية، فقررت أن تؤسس على إقليمها بورصة دولية للطاقة من منطلق أن إنشاء هذه البورصة يشكل خطوة مهمة ضمن توجه دولة قطر لاحتلال الريادة كأكبر مصدر للغاز المسال بحلول 2010م، وأن من أهم المنتجات النفطية التي ستعمل البورصة في مجالها، الشحنات الفورية من الغاز المسال وربما السوائل النفطية الأخرى. ولعل أيضا مما يؤكد أن إنشاء المركز الخليجي لا يغني عن إنشاء المراكز الوطنية أن وكيل وزارة الطاقة الكويتية قد أشار إلى الأهداف التي ينشد المركز الخليجي تحقيقها، ومنها تحديد آليات التنسيق بين مراكز البحث العلمي العاملة في مجال الطاقة في دول مجلس التعاون، كما أن المركز الخليجي سيراعي خصوصيات كل دولة، وهذا يعني أن عمل المركز الخليجي سيكون ضمن الإطار العام للأهداف والمصالح الخليجية المشتركة ولن يمتد نشاطه إلى بحث المسائل والقضايا الخاصة بالمصالح الوطنية الذاتية لكل دولة خليجية.
ولذلك يبقى الأمل قائما في أن تتبنى وزارة البترول والثروة المعدنية فكرة إنشاء مركز سعودي لدراسات وأبحاث النفط والطاقة وتخرجها إلى حيز الوجود على النحو الذي سلف لنا اقتراحه في مقالنا المشار إليه أعلاه.

الأكثر قراءة