رسالة الخطأ

لم يتم إنشاء الملف.


الاستثمار في المملكة .. الفرص والتحديات

أنعشت أرقام الميزانية العامة للدولة للعام الجديد الكثير من الآمال لتحقيق طفرة تنموية تتلاءم والطموحات والإمكانيات الاقتصادية والمادية لهذا البلد الشاسع المترامي الأطراف. فقد سجلت الميزانية التي تعتبر الأعلى في تاريخ المملكة حجما قدره 335 مليار ريال وتخفيض الدين العام إلى 475 مليار ريال، فيما بلغ الفائض في عام 2005م، 214 مليار ريال.. مع توقع أن تبلغ الإيرادات العامة للدولة لعام 2006م 555 مليار ريال بزيادة قدرها 275 مليارا عن المقدر لها، فيما تبلغ المصروفات الفعلية للعام الحالي 341 مليار ريال بزيادة 61 مليار.
وقد جاءت هذه الموازنة الضخمة والمبشرة متزامنة مع انضمام المملكة إلى عضوية منظمة التجارة العالمية، مما يفتح الأبواب واسعة أمام مرحلة جديدة من الانتعاش الاقتصادي والتنموي، في وقت تشير فيه التوقعات إلى استقرار المعدلات المرتفعة لأسعار النفط في السوق العالمي مع استمرار الطلب عليه لسنوات طويلة مقبلة.
ولكن مع كل هذه المؤشرات والأرقام إلى أي مدى يمكن أن يستفيد الاقتصاد السعودي من هذه الأموال الضخمة وتوجيهها التوجيه السليم لصالح الاستمرار في التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وكيف يمكن أن تسهم مثل هذه المناخات الاقتصادية في تحفيز الاستثمار المحلي وإنعاشه بعد فترة تخوف من ركود اقتصادي، بجانب تشجيع الاستثمار الأجنبي الذي يحتاج إلى مظلة تحميه من مخاطر التقلبات الاقتصادية؟ وما التحديات الحقيقية التي تواجه الاستثمار الأجنبي والمحلي؟
لا شك أن الدولة كانت ومازالت حريصة على التنمية والتطور الاقتصادي والدفع به إلى الأمام من خلال الاستفادة من الثروة القومية، المتمثلة في إنتاج النفط وما حباها الله به من موارد طبيعية، وفي الوقت نفسه حرصت على التحوط من أية تقلبات اقتصادية عالمية قد تلقي بظلالها على الأوضاع الاقتصادية الداخلية، ولهذا حرصت على سن العديد من القوانين والأنظمة الكفيلة بتوجيه مسار الاستثمار نحو غاياته والمحافظة على النمو الاقتصادي والصناعي والعمل الجاد على إحداث تحسن تدريجي ومستمر في مناخ الاستثمار في المملكة، ورفع مستوى تنافسية المملكة على المستويين الإقليمي والدولي بما ينسجم مع هذه الإمكانيات الضخمة للاقتصاد السعودي، وما يتمتع به من مزايا نسبية عالمية تؤهله لأن يكون وجهة للاستثمار، خاصة في القطاعات ذات العلاقة بموقع المملكة الاستراتيجي.
وفي هذا الإطار عمد المجلس الاقتصادي الأعلى الذي يتولى إدارة ووضع الضوابط والنظم الاقتصادية في المملكة على تهيئة الأجواء والمناخات المناسبة أمام الاستثمار، وخاصة الأجنبي، وذلك من خلال 17 اتفاقية وقعتها الهيئة العامة للاستثمار، بهدف إيجاد آليات عمل وحلول عملية وعاجلة لمعالجة المعوقات التي تقف أمام الاستثمار بشكل عام والعمل على إزالتها.
وتركزت نقاط الاتفاقية على وضع آليات لإصدار التراخيص في مجال التعليم العام خلال فترات زمنية محدودة ترمي إلى تشجيع القطاع الخاص على إنشاء جامعات وكليات متخصصة لتدريس التخصصات العلمية والفنية والتقنية التي تحتاج إليها سوق العمل.
وكذلك إيجاد آليات لمعالجة كل المعوقات التي تواجه مختلف القطاعات الاستثمارية، وخاصة القطاع الصناعي، مع منحها فترات إعفاء جمركي أطول وتسهيل حصول المستثمرين الأجانب على تأشيرات الدخول للسعودية من خلال سفاراتها في الخارج بشكل مباشر دون الحاجة إلى خطاب دعوة .. ومثل هذا الإجراء الذي تم تطبيقه والعمل به قبل أشهر سيتيح الفرصة للكثيرين من رجال المال والأعمال لمعرفة السوق السعودي وفرص الاستثمار عن قرب.
ولم تتجاهل هذه الإجراءات أهم الجوانب، والذي يشكل فصلا مهما وضروريا في مناخ الاستثمار، وهو تطوير إجراءات البيئة القضائية في المملكة ودعم أجهزة القضاء وفض المنازعات في المملكة، ومتابعة إنشاء المحاكم التجارية حتى تكون هناك جهة واحدة مختصة لمعالجة التعدد في أجهزة السلطة القضائية، مع توفير المزيد من الشفافية والضمانات للاستثمارات المحلية والأجنبية. حيث يعتبر القضاء التجاري من أهم البنود التي يقوم عليها تحفيز الاستثمار لأن المال يبحث عن المكان الذي يؤمن له فرص الاستمرار والبقاء مع الضمانات التي تحفظ له حقوقه دون تغول من أي جهة كانت، بحيث لا تؤثر المتغيرات والظروف الطارئة وغيرها في أصول هذه الأموال أو في السيولة نفسها.
وأمام هذه الإجراءات الهادفة إلى تذليل الصعوبات تظل هنالك بعض العقبات والتحديات الجدية التي تواجه الاقتصاد السعودي وتؤثر على مستقبله بشكل أو بآخر، ومن أهم هذه التحديات التخصيص التي بدأت خطواتها التنفيذية والعملية منذ أن أقر المجلس الأعلى استراتيجية للتخصيص في منتصف عام 2004م، حيث تحاول الحكومة من خلال هذا التوجه إنهاء سيطرة الشركات العاملة في نحو 20 قطاعا اقتصاديا، بعضها استراتيجي كالغاز والاتصالات والخدمات الصحية، كما جرى بيع أسهم شركات حكومية كالكهرباء السعودية، بجانب فتح قطاع تحلية المياه والخدمات الجوية وتكرير النفط وإنشاء الطرق أمام القطاع الخاص.
ولا شك أن هذه الاستراتيجية ستساعد من خلال أسس إجراءات التخصيص القطاعات التي ستعرض للبيع للقطاع الخاص السعودي والمستثمرين الأجانب. والمحللون يقفون أيضا أمام السوق المالية السعودية ويرون أنها مرتبطة بعملية التخصيص، وأن تطبيق الحكومة لبرنامج التخصيص سوف يساعد على تطوير هذه السوق التي أصبحت إحدى العلامات المهمة في مسيرة الاقتصاد الوطني، كما ستسهم هذه السوق في جذب رؤوس الأموال الوطنية المهاجرة خارج البلاد التي وصلت إلى أكثر من 240 مليار ريال حتى منتصف العام الماضي 2005م مقارنة بـ 197 مليارا في الفترة نفسها من العام الذي سبقه .. كما أن زيادة نطاق مشاركة الأفراد في ملكية المشروعات المختلفة سيؤدي إلى إيجاد سوق مالية ناضجة وقوانين وتنظيمات تشكل حماية للمستثمرين وتنظم هذه السوق.
وتعتبر تهيئة المناخ الجاذب للتدفقات الاستثمارية الأجنبية والأموال الوطنية المهاجرة من أهم التحديات التي تواجه الاقتصاد السعودي خلال المرحلة المقبلة، وهذا يتطلب إزالة المعوقات البيروقراطية وخلق الأطر التنظيمية والقانونية اللازمة.
تلعب الإيرادات النفطية دورا رئيسيا في زيادة الناتج المحلي الإجمالي، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر في القطاعات المرتبطة بالنفط حيث تشكل عائداته ثلاثة أرباع واردات الميزانية السعودية، ونحو 90 في المائة من عائدات التصدير و45 في المائة من إجمالي الناتج الداخلي.
ويرى مراقبون أن إنهاء اعتماد الاقتصاد السعودي على مصدر واحد للدخل، وتحقيق توازن في مصادر الإيرادات من أهم هذه التحديات أيضا، لأن الاعتماد شبه الكامل على النفط يجعل الاقتصاد (هشا)، وذلك على الرغم من أن المملكة تملك ربع الاحتياطي العالمي من النفط الخام، كما أنها من المحتمل أن تبقى أكبر مصدّر له في المدى المنظور.
وكان تقرير لمجموعة سامبا المالية السعودية قد أشار إلى أن الإيرادات النفطية والفائض في ميزانية الدولة، وفي ميزان حسابه الجاري ستسجل مستويات عالمية ومرتفعة في هذه الفترة مستفيدة من ارتفاع أسعار النفط عالميا مع نمو الطلب وشح الإمدادات العالمية.
تشكل البطالة أحد التحديات التي تقف أمام الإنعاش الاقتصادي. وتشير تقديرات إلى أنها وصلت إلى نسبة 13 في المائة وأكثر ... ولكن مواصلة الانتعاش الاقتصادي والنمو المستمر للناتج المحلي الإجمالي منذ عدة سنوات وحتى الآن سيساعد الاقتصاد السعودي على خلق المزيد من الوظائف في سوق العمل.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي