توصيات الحريري للاقتصاد العربي والإسلامي
لم التق بدولة الرئيس الحريري - طيب الله ثراه - إلا مرة واحدة وكانت الأولى والأخيرة، وذلك في الملتقى الحادي عشر للقطاع الخاص في الدول الإسلامية في البحرين.
وأذكر عند مصافحته بعد إلقاء كلمته أنني أخبرته أنه قد تهمك السياسة ولكني أتمنى أن تكون رئيسا لمجلس رجال الأعمال العرب والمسلمين، وتكون سفيرا لنا في العالم، وردّ دولته بوجهه المشرق وابتسامته الحنونة بكلام كله تواضع.
وكان دولته يطالب بتأمين الإطار القانوني للمشاريع المشتركة وإقامة السوق العربية المشتركة ووضع إطار منظم للتجارة والاستثمار، وطالب دولته بانتقال العالمين العربي والإسلامي من حالة ردات الفعل إلى الفعل وإلى موقع المبادر والمشارك في السياسات الاقتصادية العالمية.
ولقد قدم عدة توصيات أتمنى أن نتبناها كمسؤولين ورجال أعمال عرب ومسلمين.
ويطيب لى في ذكرى وفاته أن نقرأ ما طرحه في آخر منتدى عربي شارك فيه.
"يطيب لي أن أتوجه اليوم إلى المشاركين في "الملتقى الحادي عشر للقطاع الخاص في الدول الإسلامية "لكونه مناسبة تعتبر بمثابة إعلان أمل وثقة في مستقبل العلاقات التجارية والاقتصادية بين الدول العربية والإسلامية في هذه الفترة المليئة بالتحديات وفي منطقة تحاول تحقيق التنمية المستدامة والانطلاق نحو مستقبل متطور تحت وطأة الحروب والاحتلال والحصار.
لا شك في أننا ندرك جميعا أهمية تعزيز العلاقات بين مختلف الأقطار العربية والإسلامية وإزالة المعوقات الإدارية والجمركية التي لطالما دعونا إليها في مختلف المحافل وخلال ندوات ومؤتمرات عدة في لبنان والخارج، والتي تتطلب في المقام الأول إقامة حوار حقيقي بين مختلف الأطراف توصلا إلى شراكة فعلية على الأرض.
وانطلاقا من واقع التجربة، وبهدف تأمين فرص الاستثمار المباشر قمنا بدعم جميع الملتقيات التي تتيح المجال أمام لقاء أصحاب العمل والتجار والمستثمرين لحثهم على إقامة شراكة وتعاون في المجالات التجارية والصناعية والمالية وتأمين الإطار القانوني للمشاريع المشتركة والتعريف بفرص التمويل المتاحة من قبل المؤسسات المالية والمصرفية العربية والإسلامية، وما زالت الجهود منصبة على تعزيز شبكة التعاون بين مختلف الدول العربية والإسلامية، على صعيد القطاعين العام والخاص بهدف التوصل إلى إقامة " السوق العربية المشتركة "التى ستكون الأرضية الصالحة والمتينة لأي انطلاقة نوعية للتجارة البينية.
إن إقامة هذه السوق المشتركة هي السبيل لدعم التجارة والاستثمار في دولنا بعيدا عن الاتفاقات الثنائية والشروط الانتقائية التي تضيع وسط سوق المزايدات والدخول في سراديب التفاصيل، في وقت يسعى فيه العالم إلى تشكيل كتل اقتصادية ضاغطة في أوروبا وأمريكا وآسيا لمواجهة تحديات العولمة.
وتزامنا مع الجهود التي يبذلها عدد من الدول الإسلامية، ومنها لبنان، لدخول منظمة التجارة العالمية لابد من مضاعفة الجهود لوضع إطار منظم للتجارة والاستثمار بين دولنا التي تعتبر اليوم ذات مخاطر محدودة بالمقارنة مع نسبة المخاطر في غيرها من دول العالم وحتى الدول المتقدمة والصناعية منها.
إن نسبة النمو الحالية للعالم العربي والإسلامي تفرض خلق ما لا يقل عن 30 مليون فرصة عمل خلال العقد المقبل، وبالتالي لابد من إجراء تغييرات جذرية في السياسات الاقتصادية وزيادة الاستثمار وتسريع نسبة النمو لتلبية المتطلبات الاجتماعية الملحة، ولا حاجة للتذكير بأن الموارد البشرية في العالمين العربي والإسلامي باتت توازي مثيلاتها في الدول المتقدمة ولعل لبنان خير شاهد على قدرة الفرد على تحقيق النمو والعودة إلى الحياة بفعل إرادة الفرد والعمل الجماعي، وقد نجح لبنان في رهانه ونال تقدير المجتمع الدولي من خلال منحه جائزة إعادة الإعمار من قبل الأمم المتحدة.
ومع إقرارنا بالتوتر الذي يسيطر على المنطقة من خلال النزف الحاصل في فلسطين والعراق، والذي يشكل تحديا لأي مبادرة اقتصادية ما زلنا نراهن على إمكانية تخطي جميع العقبات من خلال تضافر جهود الحكومة ومؤسسات القطاع الخاص. وقد أبرزت التجارب المختلفة، وخصوصا في لبنان، قدرة القطاع الخاص على لعب دور حيوي في تحسين فعالية الأداء الاقتصادي وفي تفعيل الاستثمار، استنادا إلى القطاع المصرفي الناشط، إذ أثبتت التجربة اللبنانية أهمية الدور الذي يلعبه القطاع المصرفي الحيوي في دعم المبادرات وجذب الاستثمارات الأجنبية.
وقد شهدت السنوات الأخيرة جهودا جدية وواقعية لتطبيق إصلاحات هيكلية وإدارية وتحرير الاقتصاد في عدد من الدول العربية والإسلامية، ومنها لبنان، انعكست إيجابا على المؤشرات الاقتصادية بشهادة مؤسسات التصنيف العالمية، ولعل النهوض الذي شهدته بعض الدول المشاركة في الملتقى الحاضر، من دول الخليج إلى المملكة العربية السعودية إلى ماليزيا وغيرها، دليل على أن الاستثمار في الدول العربية والإسلامية ذات مردود يوازي الاستثمار في الخارج.
لقد سبق وطرحنا خلال مؤتمر دبي" العالم العربي سنة 2020" في كانون الأول (ديسمبر) الماضي السؤال التالي: هل الإصلاح الاقتصادي ممكن في ظل غياب إصلاح سياسي؟ وخلصنا إلى وجود تحديين يواجهاننا:
التحدي الأول هو تحديد أهداف لما نريد تحقيقه في العقد ونصف العقد المقبلين والتخطيط لمستقبل قائم على العلم والمعرفة وإصلاح البيت العربي والإسلامي، إضافة إلى إصلاح الذات، والتحدي الثاني هو أن نتجاوز الشعارات وأن نطابق الأقوال بالأفعال لكي نكسب ثقة العالم من خلال مصداقيتنا.
وإذا لم نقم بتحديد الأهداف والانتقال من القول إلى الفعل عندها سنستمر في العيش في حالة دائمة من ردات الفعل، لقد آن الأوان لينتقل العالمان العربي والإسلامي من حالة ردات الفعل إلى الفعل، من موقع المتلقي إلى موقع المبادر والمشارك والقيادي في تقرير ليس فقط مستقبل منطقتنا ومستقبل شعوبنا وإنما أيضا في أن يكون شريكا في الحوار العالمي حول المسائل التي تقرر مصير عالمنا، وفي مقدمتها الأمور التجارية والاقتصادية".
رحم الله الحريري وأفادنا بتوصياته ولقد فقدناه على الساحة العربية والإسلامية.