تحسين التقييمات الائتمانية للمملكة
اختتم المجلس التنفيذي لصندوق النقد الدولي مشاورات المادة الرابعة مع المملكة لعام 2010م، وأصدر تقريرا أشار فيه إلى نتائج هذه المشاورات التي تتم بشكل سنوي وفقا للمادة الرابعة من نظام الصندوق مع جميع الدول الأعضاء، وتمثل الرؤية الخاصة بفريق صندوق النقد الدولي حول الوضع الاقتصادي في الدولة العضو. وقد أشاد التقرير بالسياسة المالية والنقدية التي تبنتها المملكة وبمتانة الوضع الاقتصادي في المملكة، حيث استفادت المملكة من التجربة التي خاضتها في منتصف ثمانينات القرن الماضي عندما انهارت أسعار النفط، في تبني سياسة مالية محافظة ركزت على بناء الاحتياطيات لمواجهة الأزمات المالية، كما أنها وضعت أطرا رقابية وتنظيمية متحفظة في القطاع المالي؛ مما أسهم في تعزيز قدرته لمواجهة الأزمة. التقرير بشكل عام تطرق إلى عدد من القضايا المهمة بالنسبة إلى الاقتصاد السعودي، ومن أبرزها: دور حزمة الدعم المالي التي تبنتها المملكة إبان الأزمة المالية في دعم الاقتصاد، والسياسة النقدية إبان الأزمة ودورها في تعزيز الثقة في الجهاز المصرفي، وسياسة سعر الصرف وارتباط الريال بالدولار الأمريكي، ودور المملكة في تعزيز استقرار أسواق النقط، وأهم التحديات المستقبلية التي تواجه الاقتصاد السعودي.
ففيما يتعلق بدور حزمة الدعم المالي التي تبنتها المملكة إبان الأزمة المالية العالمية في دعم الاقتصاد، فقد أشاد التقرير بسياسة المملكة في هذا المجال، حيث نتج منها مجموعة من الآثار الإيجابية، ومنها استمرار نمو الناتج المحلي النفطي بمعدل 3.8%، وبانخفاض لم يتجاوز 0.5% عن المسجل في 2008م، على الرغم من الأزمة المالية، وزيادة تحويلات العاملين بنحو 20%؛ مما يعكس ارتفاعا في وتيرة النشاط الاقتصادي على إثر حزمة الدعم المالي. ونتيجة لانخفاض أسعار النفط بسبب انخفاض الطلب العالمي عليه، فقد بلغ عجز الموازنة 6.1% من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2009م، بالمقارنة مع فائض بلغت نسبته 32.5% من الناتج في عام 2008م.
وكما أشرت، فإن السياسة المالية التي اتبعتها المملكة في بناء الاحتياطيات أسهمت في تعزيز قدرة المملكة على تبني سياسة مالية لمواجهة الدورات الاقتصاديه Countercyclical Fiscal Policy؛ مما أسهم بشكل كبير في تخفيف آثار الأزمة المالية، وزيادة الثقة في الاقتصاد السعودي، حيث يعكس ارتفاع عجز الموازنة في عام 2009م السياسة التي اتبعتها المملكة في هذا الإطار للمحافظة على وتيرة النمو الاقتصاد وتجنب حدوث آثار سلبية للأزمة المالية على الوضع الاقتصادي العام. جدير بالذكر أن المملكة تبنت حزمة دعم مالي وجهت للاستثمارات الرأسمالية بلغت 400 مليار دولار، وتعد الأعلى كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي في دول مجموعة العشرين.
التقرير أبرز أيضا تأييد المجلس التنفيذي لتوجه المملكة لسحب إجراءات التنشيط والدعم المالي وإعادة مستويات الإنفاق إلى مستويات قابلة للاستمرار متى أصبح النمو الاقتصادي قادرا على الاستمرار ذاتيا ودون حاجة إلى التحفيز المالي الكبير الاستثنائي الذي تبنته الحكومة لمواجهة الأزمة المالية، وهذه السياسة مهمة في الوقت الراهن؛ وذلك تجنبا لارتفاع معدلات التضخم التي شهدت تراجعا كبيرا عن المستويات التي شهدتها في عام 2008م والتي بلغت 11.1%. كذلك أيد المجلس الجهود الرامية إلى تخفيض الاستهلاك المحلي للمنتجات النفطية، كما أكد أهمية إجراء إصلاح شامل لنظام الدعم لخفض التكاليف التي تتحملها الموازنة العامة.
وعلى جانب السياسة النقدية، فقد أبرز التقرير أهمية موازنة هدف دعم النشاط الاقتصادي والسيطرة على التضخم، مشيرا إلى أنه على الرغم من ملاءمة وسلامة الوضع النقدي الراهن، فإن ظهور أي ضغوط تضخمية سوف يتطلب العمل على امتصاص السيولة الزائدة. وأشاد التقرير بقدرة القطاع المالي في المملكة على مواجهة آثار الأزمة المالية، حيث استمر في تحقيق الأرباح، وانخفاض نسبة القروض المتعثرة، والمتانة المالية لرؤوس أموال البنوك، حيث تبلغ نسبة كفاية رأس المال في البنوك السعودي 16.5 في المائة؛ مما يعطي المجال لمواجهة أي صدمات مالية ومما يعزز من استقرار القطاع المالي.
وفيما يتعلق بسياسة سعر الصرف، وعلى الرغم من أن صندوق النقد الدولي يدعو بشكل عام إلى تحرير أسعار الصرف لتعكس أساسيات الاقتصاد، فقد أيَّد المجلس التنفيذي السياسة التي انتهجتها المملكة لربط الريال مع الدولار، حيث أسهمت بشكل كبير في تحقيق الاستقرار الاقتصادي الكلي، كما أشار الصندوق إلى عيوب جوهرية في منهجية ربط أسعار الصرف بأساسيات الاقتصاد في الدول المصدرة للنفط. وقد كانت أبرز التوصيات المتعلقة بالسياسة النقدية هي الاستمرار في تحسين التقييمات الائتمانية التي تجريها البنوك، وزيادة الشفافية والإفصاح، وتطوير سوق السندات المحلية لأهميتها في تنويع مصادر تمويل الاقتصاد ودعم قدرته على الصمود في مواجهة الأزمات.
من جانب آخر، أشاد المجلس التنفيذي لصندوق النقد الدولي بالدور الذي تلعبه المملكة في تعزيز استقرار أسواق النفط العالمية، ومن ذلك الخطط التي تبنتها المملكة لتعزيز الطاقة الإنتاجية، رغم انخفاض أسعار النفط؛ مما يعكس الالتزام والدور القيادي للمملكة في هذا المجال. وشدد المجلس على أن التحدي الأكبر الذي تواجهه المملكة على المدى المتوسط هو خلق فرص العمل في القطاع غير النفطي لمواكبة النمو السكاني الكبير، وما سيتطلبه ذلك من إصلاح لنظام التعليم، وتحسين مناخ العمل، ومعالجة الثغرات في الإطار التنظيمي لإجراءات الإعسار وحقوق الدائنين، بما يسهم في تخفيف قيود التمويل على المؤسسات الصغيرة والمتوسطة التي ستخلق عددا أكبر من الوظائف. كما أشاد الصندوق بتصميم الحكومة السعودية على تحسين جودة البيانات الإحصائية، وجهودها في مكافحة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب.
وبشكل عام، فإن التقرير يعكس صورة إيجابية للاقتصاد السعودي مما يتوقع أن ينتج منه زيادة في جاذبية الاستثمار وتخفيض تكاليف التمويل وتحسين في التقييمات الائتمانية للمملكة، في الوقت الذي يشهد الاقتصاد العالمي مخاطر متعاظمة نتيجة لارتفاع مخاطر الديون السيادية، خصوصا في منطقة اليورو، وتراجع وتيرة النشاط الاقتصاد أخيرا في الولايات المتحدة الأمريكية، حيث يتوقع أن ينمو الاقتصاد السعودي خلال عام 2010م بمعدل 3.7%، وأن يستمر الناتح المحلي الغير نفطي بالارتفاع بمعدل 4.3%؛ مما سيسهم بشكل كبير في تحسين فرص التوظف وتخفيض معدلات البطالة بين السعوديين. إضافة إلى ذلك، يتوقع أن تشهد إيرادات الحكومة ارتفاعا خلال العام 2010م وينخفض عجز الموازنة إلى ما نسبته 1.2% من الناتج المحلي الإجمالي، وأن ترتفع صادارت المملكة بشكل ملحوظ لتبلغ 229 بليون دولار في عام 2010م، مقارنة بـ 192 بليون دولار في عام 2009م. وهذا بدوره سيسهم في ارتفاع فائض الحساب الجاري للمملكة ليبلغ 6.7 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2010م، مقارنة بـ 6.1 في المائة في عام 2009.