صندوق النقد يؤكد: السعودية «كانت مهيأة» لمواجهة الأزمة العالمية
أكد تقرير دولي حديث أن «المملكة كانت مهيأة تماما لمواجهة الأزمة العالمية بفضل الدروس المستفادة من التجربة التي خاضتها في منتصف ثمانينيات القرن الماضي عندما انهارت أسعار النفط وتعرضت المملكة لأزمة مصرفية حادة».
وأكد التقرير الذي صدر عن صندوق النقد الدولي أن الحذر في سياسة المالية العامة في السعودية أدى إلى توفير الحيز المالي اللازم لاتخاذ إجراءات قوية في مواجهة الأزمة العالمية، وأنه «كان للأطر الرقابية والتنظيمية السليمة أكبر الأثر أيضا في تعزيز قدرة القطاع المالي على الصمود في مواجهة الأزمة».
وبحسب التقرير فإن «السياسة الاحترازية الكلية المضادة للاتجاهات الدورية على وجه الخصوص، أصبحت من السمات المعتادة في منهج إدارة المخاطر المعتمد لدى مؤسسة النقد العربي السعودي» .
وفيما يلي مجمل التقرير:
كانت المملكة العربية السعودية مهيأة تماما لمواجهة الأزمة العالمية بفضل الدروس المستفادة من التجربة التي خاضتها في منتصف ثمانينيات القرن الماضي عندما انهارت أسعار النفط وتعرضت المملكة لأزمة مصرفية حادة. وأدى الحذر في سياسة المالية العامة إلى توفير الحيز المالي اللازم لاتخاذ إجراءات قوية في مواجهة الأزمة العالمية. وكان للأطر الرقابية والتنظيمية السليمة أكبر الأثر أيضا في تعزيز قدرة القطاع المالي على الصمود في مواجهة الأزمة. وأصبحت السياسة الاحترازية الكلية المضادة للاتجاهات الدورية، على وجه الخصوص، من السمات المعتادة في منهج إدارة المخاطر المعتمد لدى مؤسسة النقد العربي السعودي.
وأدت دفعة التنشيط المالي الكبيرة إلى دعم النشاط الاقتصادي، كما امتدت آثارها الإيجابية إلى الخارج فارتفعت تحويلات العاملين بنحو 20 في المائة لتصل إلى 25 مليار دولار. وأبدى النمو غير النفطي صمودا ملحوظا عند مستوى 3,8 في المائة في عام 2009، بانخفاض لم يتجاوز 0,5 نقطة مئوية عن المسجل في عام 2008 رغم التأثيرات العالمية المعاكسة. وأدى انخفاض أسعار النفط ودفعة التنشيط المالي الكبيرة إلى تحول رصيد المالية العامة الكلي من فائض بلغ 32,5 في المائة من إجمالي الناتج المحلي في عام 2008 إلى عجز قدره 6,1 في المائة في عام 2009، وذلك للمرة الأولى منذ عام 2002. كذلك تراجع فائض الحساب الجاري الخارجي من 28 في المائة من إجمالي الناتج المحلي في عام 2008 إلى نحو 6 في المائة في عام 2009، في انعكاس آخر لانخفاض الإيرادات النفطية. أما معدل التضخم فقد سجل تراجعا كبيرا عن مستوى الذروة الذي وصل إليه في عام 2008 (11,1 في المائة) ـ نتيجة انخفاض أسعار الواردات ـ رغم دفعة التنشيط المالي الكبيرة والأوضاع النقدية التيسيرية.
وركزت عمليات مؤسسة النقد العربي السعودي على تعزيز الثقة بالجهاز المصرفي وحفز النمو الائتماني. وقد أبدى الجهاز المصرفي صمودا مستمرا بتجاوزه الأزمة، فظلت البنوك رابحة رغم تراجع الأرباح المحققة بنسبة 10 في المائة في عام 2009 بسبب زيادة مخصصات خسائر القروض، ولا تزال القروض المتعثرة منخفضة نسبيا رغم ارتفاعها في عام 2009. وتتيح نسبة كفاية رأس المال البالغة 16,5 في المائة هامشا كبيرا للوقاية من الصدمات المعاكسة. وقد مر الائتمان المصرفي المقدم للقطاع الخاص بمرحلة استقرار في عام 2009 بالرغم من وفرة السيولة، لكن هذا الاستقرار لم يشكل قيدا كبيرا على النمو نظرا لتوافر مصادر تمويلية بديلة.
وتميز قطاع الشركات المُسَجَّلة في سوق الأوراق المالية بسلامة أوضاع ميزانياته العمومية في نهاية عام 2009. غير أن الربحية كانت أقل من مستوياتها في السنوات السابقة على الأزمة (عدا في قطاع الاستثمار المتعدد)، حيث انخفضت بنحو 30 في المائة في عام 2009 مقارنة بعام 2008.
ولا تزال الآفاق إيجابية بوجه عام، وتظل أبرز المخاطر هي حدوث انخفاض حاد في أسعار النفط، وإن كان ذلك بعيد الاحتمال. ويُتوقع ارتفاع إجمالي الناتج المحلي غير النفطي إلى 4,25 في المائة في عام 2010، مع استمرار الدعم المستمد من موقف المالية العامة التوسعي وتحسن أوضاع الائتمان. وتشير التوقعات إلى حدوث تحسن في كل من حساب المالية العامة والحساب الخارجي، انعكاسا لتحسن الإيرادات النفطية. ومن المتوقع أن يظل التضخم في حدود 5 في المائة في عام 2010، متأثرا باستمرار تضخم أسعار الإيجارات والمواد الغذائية وموقف المالية العامة التوسعي والسياسة النقدية التيسيرية. ويُنتظر أن يتراجع التضخم تدريجيا بعد عام 2010، تمشيا مع الارتفاع المتوقع في أسعار الفائدة العالمية والخروج تدريجيا من مرحلة التنشيط المالي. ولا يزال تأثير مشكلة الديون السيادية في أوروبا محدودا حتى الآن.
تقييم المجلس التنفيذي
أشار المديرون التنفيذيون إلى أن المملكة العربية السعودية كانت مهيأة تماما لمواجهة الأزمة العالمية بفضل اعتماد أطر رقابية وتنظيمية سليمة واتباع سياسات اقتصادية كلية ومالية رشيدة في السنوات السابقة. وأثنى المديرون على الحكومة لمبادرتها في الوقت المناسب باتخاذ تدابير قوية على صعيد السياسات، ولا سيما دفعة التنشيط المالي الكبيرة الموجهة بدقة، وما أبدته من مهارة في إدارة السياسة النقدية بحيث استطاعت الحد من تأثير الأزمة، ودعم النمو القوي في القطاع غير النفطي، والمساهمة في تنشيط الطلب العالمي. وتبدو آفاق الاقتصاد إيجابية رغم وجود بعض المخاطر، ولا سيما الناشئة عن تقلب أسعار النفط.
وأيد المديرون خطط الحكومة لسحب إجراءات التنشيط المالي وإعادة نمو الإنفاق إلى مستويات قابلة للاستمرار متى أصبح النمو الاقتصادي قادرا على الاستمرار ذاتيا. ورحب المديرون بالجهود المبذولة لتحديث إجراءات تحصيل الإيرادات، وأوصوا بمراجعة كفاءة الإنفاق بصفة دورية وتنفيذ الإصلاحات الرامية إلى التخطيط للإنفاق ضمن إطار متوسط الأجل. كذلك رحب المديرون أيضا بطلب الحكومة السعودية الحصول على مساعدة فنية في إنشاء وحدة تختص بالسياسات المالية الكلية. وأيد المديرون الجهود التي تهدف إلى إبطاء نمو الاستهلاك المحلي للمنتجات النفطية، مشيرين إلى أن إجراء إصلاح شامل لنظام الدعم من شأنه أن يسهم في خفض التكاليف التي تتحملها المالية العامة.
ورأي المديرون أن السياسة النقدية ينبغي أن تظل حريصة على الموازنة بين دعم النشاط الاقتصادي والسيطرة على التضخم. ورغم ملاءمة الموقف النقدي الراهن، فسوف يتعين امتصاص السيولة الزائدة إذا ما ظهرت ضغوط تضخمية.
وأيد المديرون قرار الحكومة مواصلة ربط سعر الصرف بالدولار الأمريكي، وهو نظام أتاح الاعتماد على ركيزة اسمية موثوقة ومستقرة وأسهم في تحقيق الاستقرار الاقتصادي الكلي. وشجعوا الحكومة على مواصلة تطوير قدراتها الفنية والتشغيلية لإدارة سياسة نقدية أكثر فعالية، الأمر الذي يمكن الاستفادة منه في ظل الاتحاد النقدي المزمع. وأشار المديرون إلى تقييم الخبراء الذي يفيد باتساق مستوى سعر الصرف مع أساسيات الاقتصاد بوجه عام، بينما أقروا بوجود عيوب منهجية في هذا التقييم في حالة البلدان المصدرة للنفط.
وأعرب المديرون عن رأيهم بسلامة أساسيات الجهاز المصرفي، مشيرين إلى أن أبرز الدروس المستفادة من الأزمة هي أهمية الاستمرار في تحسين التقييمات الائتمانية التي تجريها البنوك وفي زيادة الشفافية والإفصاح، ولا سيما من جانب المؤسسات الكبرى. ورغم الدور الأساسي الذي أسهمت فيه مؤسسات الإقراض المتخصصة الحكومية أثناء الأزمة، فإن الأنشطة التي تزاولها ينبغي أن تخضع للمراجعة في مرحلة ما بعد الأزمة. ورحب المديرون بتحسن آفاق الائتمان في الآونة الأخيرة والتي تكتسب أهمية كبيرة في تحقيق النمو الاقتصادي مستقبلا. ورأوا أن تطوير سوق السندات المحلية عنصر مهم في تنويع مصادر تمويل الاقتصاد ودعم قدرته على الصمود في مواجهة الأزمات.
وأشاد المديرون بالحكومة السعودية لدورها القيادي في تحقيق استقرار أسواق النفط واستمرارها في تنفيذ الخطط الموضوعة لتوسيع طاقتها الإنتاجية رغم انخفاض أسعار النفط وتراجع إنتاجه إلى مستويات قياسية.
وأقر المديرون بأن التحدي الأكبر على المدى المتوسط هو إنشاء فرص العمل اللازمة لمواكبة النمو السكاني السريع من خلال النمو المرتفع والقابل للاستمرار في القطاع غير النفطي. وسيتطلب إحراز هذا الهدف منهجا متعدد الأبعاد تصاحبه إصلاحات هيكلية في مختلف قطاعات الاقتصاد، بما فيها سوق العمل، ومواصلة التقدم في إصلاح نظام التعليم، والتدريب، وتحسين مناخ العمل. ومن شأن معالجة الثغرات في الإطار المنظِّم لإجراءات الإعسار وحقوق الدائنين أن يسهم في تخفيف قيود التمويل على المنشآت الصغيرة والمتوسطة.
ورحب المديرون بتصميم الحكومة السعودية على مواصلة تحسين جودة البيانات الإحصائية ونطاق تغطيتها، وأيدوا طلبها الحصول على المساعدة الفنية من صندوق النقد الدولي في هذا المجال.
وأثنى المديرون على الجهود الكبيرة التي تبذلها الحكومة في مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب وحثوها على مواصلة تلك الجهود وفق التقييم الأخير الذي أجرته «فرقة العمل للإجراءات المالية المعنية بمكافحة غسل الأموال».