جهة شرعية موحدة للصناعة المالية.. هل تنهي الجدل حول تضارب الفتاوى واللجان؟

جهة شرعية موحدة للصناعة المالية.. هل تنهي الجدل حول تضارب الفتاوى واللجان؟

تدور في الأوساط المالية السعودية حاليا تساؤلات حول مدى تأثير وأهمية إنشاء هيئة أو جهة شرعية للصناعة المالية في البلاد تتولى وضع الضوابط والمعايير الشرعية للتعاملات المالية والإشراف على الهيئات الشرعية للمؤسسات المالية، إلى جانب ضبط الصناعة المالية وصيغ التعاملات في أنظمة التمويل العقارية الجديدة.
وشهدت الأطروحات المقدمة وجهتي نظر متباينتين بشأن إنشاء لجنة شرعية موحدة تكون معنية بإصدار ما يخص اللجان الشرعية والأنظمة والأحكام الخاصة بالمعاملات المالية الشرعية والترخيص وإجازة المنتجات المحلية التي ستقدمها شركات التمويل والبنوك التجارية لمنع معارضتها أحكام الشريعة الإسلامية، ففي حين يرى فريق أن الحاجة ماسة من حيث الجانب الشرعي والقانوني إلى تفعيل دور الهيئة الشرعية في الوقت الراهن وذلك من خلال وضع معايير الرقابة الشرعية يتم تبنيها من اللجان الشرعية وتنفيذها واعتمادها وتعميم تطبيقها من قبل الجهات الرقابية والإشرافية على المؤسسات المالية، إلى جانب إيجاد ضوابط ولوائح تحدد الشروط والمواصفات الخاصة الشرعية والمهنية في أعضاء هذه اللجان وتكون مؤهلاتهم معروفة فيها، وكيفية ممارستها لعملها ووضع تقاريرها ومسؤوليتها، وكل ما يتعلق بها على ضوء الأصول الشرعية المرعية.
نجد في المقابل، فريقا ثانيا يرى أنه من الأنسب عدم التسرع في الأخذ بهذا المقترح حتى تكتمل الدراسة الخاصة بتنظيم الرقابة الشرعية على المؤسسات المالية والتي تجري الجهات المختصة في البلاد حاليا على إعدادها، وأيضا حتى لا يتعارض هذا المطلب مع ما ستنتهي إليه هذه الدراسة، إلى جانب أن هذه المطالبة - وفق جهة نظر هذا الفريق - معمول بها حاليا، حيث إن جميع المؤسسات المالية السعودية المتوافقة مع الشريعة الإسلامية تختار مراقبيها الشرعيين وهم من العلماء المعروفين في البلاد.
وركز المؤيدون للمطلب بإنشاء الهيئة الشرعية تكون متخصصة في حقول الاقتصاد الإسلامي تجمع بين أفضل المؤهلين والمتميزين في العلوم الشرعية والاقتصادية والعلوم ذات الصلة لتحقيق مجالاته وضوابطه وترتكز إلى فتاوى المجامع الفقهية وهيئة كبار العلماء، بهدف ربط جميع المواد والأدوات المالية للاستثمار التي تتضمنها مشاريع أنظمة التمويل العقاري ومراقبة الشركات العاملة في هذا المجال وتعاملاتها بمعايير وضوابط شرعية لتكون خالية من الفوائد والتعاملات الربوية والعقود الفاسدة، وهو ما يحقق المقصد الضروري العام في التشريع وهو ''حفظ المال'' بتكثيره ومنع الفساد فيه، مستشهدين على ذلك ما أثير حول ''الإيجار المنتهي بالتمليك'' وهو وسيلة من وسائل التمويل المبتكرة حديثا، حيث تعتبر باطلة في نظر الجهات الشرعية والقضائية في المملكة كونها تنطوي على عقدين في عقد واحد ''بيع وإيجار'' وهو ما صدر به قرار هيئة كبار العلماء. كما أن مثل هذه الجهة ستسهم في التنسيق والتقارب بين اللجان الشرعية، خاصة أن الرقابة الشرعية الفعالة تنعكس آثارها إيجابيا على المؤسسات المالية في عدة أمور منها الاطمئنان إلى سلامة التطبيق ودعم الثقة في أعمال وأنشطة تلك المؤسسات، مما يحدث ردود فعل إيجابية في الأداء في النواحي المالية والاقتصادية، ومن ثم إمكانية إحداث تطوير جذري في أداء تلك المؤسسات وتذليل الكثير من الصعوبات، والمساعدة على بلورة رؤية واضحة للأحكام الفقهية في المصرفية والتمويل والاستثمار والتجارة.
وفي السياق ذاته، تصطدم حالة الترقب التي يعيشها القطاع العقاري السعودي بالاختلاف في وجهات النظر بين مجلس الشورى وهيئة الخبراء في مجلس الوزراء، فيما يخص نقاطا جوهرية في مشاريع أنظمة التمويل العقاري الجديدة.
ومن ذلك، رأي هيئة الخبراء بشأن ما ورد في تعديلها للمادة الثالثة من نظام التمويل العقاري بإضافة اللجان الشرعية في نص المادة بحيث ''أن تكون مزاولة أي نوع من أنواع نشاط التمويل المحددة في النظام بما لا يتعارض مع أحكام الشريعة الإسلامية تقررها اللجان الشرعية وبما لا يخل بسلامة النظام المالي وعدالة التعاملات''، بدلا من الوارد في مشروع مجلس الشورى، باعتباره مجرد تعديل صياغي أو لغوي، في حين أن بعض أعضاء مجلس الشورى أبدوا تحفظهم تجاه ما ورد في التعديل وأنه يعد مؤثرا وجوهريا. وبرروا رأيهم ذلك بأن هذا التعديل سيؤدي إلى تعدد اللجان الشرعية وهو الأمر الذي سيخلق مئات من الفتاوى المتضاربة والمتناقضة. وأشاروا إلى أن تجربة الاستعانة بهذه اللجان غير ناجحة وعملها يشهد فوضى إلى الآن، إضافة إلى أن التعامل معها سيكون من الصعوبة في حال كانت الشركات بالآلاف وسيكون هناك نوع من الخلل وعدم الانضباط. مطالبين في هذا الصدد بضرورة أن يكون هناك رقابة على عمل وأداء هذه اللجان من قبل مؤسسة النقد باعتبارها الجهة المعنية بالترخيص لشركات التمويل والإشراف على أعمالها في حال الأخذ بها بحيث لا تضر بالنظام المالي والاقتصاد الوطني، وذلك من خلال تبني المؤسسة إنشاء لجنة شرعية موحدة أو وكالة خاصة تحت مظلتها تكون معنية بإصدار ما يخص اللجان الشرعية والأنظمة والأحكام الخاصة بالمعاملات المالية الشرعية والترخيص وإجازة المنتجات المحلية التي ستقدمها شركات التمويل والبنوك التجارية.
وأجل مجلس الشورى على نحو مفاجئ في آخر جلسة له قبل الإجازة الصيفية للأعضاء، حسم التصويت على مشاريع أنظمة التمويل العقاري الجديدة محل تباين وجهات النظر بين مجلسي الشورى والوزراء، إلى ما بعد الإجازة وذلك بعد تباين كبير في المواقف داخل المجلس حول ما نصت عليه التعديلات المدخلة على بعض مواد هذه المشاريع التي أحالها مجلس الوزراء بصفة الاستعجال للبت فيها. وبرر المجلس في حينه، على لسان الأمين العام الدكتور محمد الغامدي، تأجيل البت في هذه التعديلات لعدم كفاية رد لجنة الشؤون المالية بشأن ملحوظات ‏الأعضاء ‏‏وآرائهم تجاه هذه التعديلات. وأبان أن أمانة المجلس، وبعد اطلاعها على تقرير اللجنة بشأن ردها على الأعضاء، وجدت عدم استيفائه لجميع الملاحظات والآراء التي طرحت خلال جلسة مناقشات هذه الأنظمة (التمويل العقاري، مراقبة شركات التمويل، التأجير التمويلي، والرهن العقاري المسجل) وكذلك بعض مواد نظام السوق المالية، وهو الأمر الذي دفعها إلى تأجيل حسم الموضوع ومطالبة اللجنة بإعادة صياغة ردها بشكل كامل وشامل وبتوسع ليغطي جميع أسئلة وملاحظات الأعضاء تجاه التعديلات المدخلة على بعض مواد مشاريع هذه الأنظمة، والتي اشتملت الحذف والإضافة في بعضها وتعديلات صياغية في مواد أخرى.

الأكثر قراءة