رسالة الخطأ

لم يتم إنشاء الملف.


ثراء الأطياف

يتملكني أحيانا شعور، أن سلوكنا الفردي تجاه المختلف عنا ما كان ينبغي أن يكون كذلك لو استحضرنا أن هذا الاختلاف في غالبيته موروث وليس مكتسبا. لا أحد يختار لونه، ولا لغته، ولا ثقافته، ولا مجتمعه، ولا جنسيته، ولا الديانة التي يعتنقها. كثيرة هي الأمور التي ينشأ المرء عليها دون اختيار منه. وهو عندما يقرر أن يغير أحد هذه الخيارات فإنه في الغالب يدفع الثمن غاليا، خاصة إذا كان هذا التغيير يطول العقيدة التي يعتنقها أو الثقافة التي نشأ عليها أو المجتمع الذي ارتبط به. قصة الآخر المختلف عنا، هي قصتنا نحن مع الآخر المختلفين عنه حينما نكون في الخارج. السلوك الناتج عن هذا الاختلاف ينسحب أحيانا إلى الداخل فنراه يتغلغل في المجتمع ، أي مجتمع ، لينسج خيطا شفافا يفصل بين الأطياف ويجعلها تتهيب من التناغم مع بعضها، فتعيش خوف الغيلة والغدر، ثم تدخل في الدائرة وتتورط في ذات ما كانت تتخوف منه.
الحالة العراقية تعد مثلا متاحا لمراجعة ما يمكن أن يؤدي إليه تناحر الأطياف التي كانت تعيش نوعا من المساكنة العبقرية. كل هذه الأمور تلاشت مع حالات التقلب التي شهدها المجتمع العراقي، وبالنتيجة هرب عدد لا يستهان به من المسيحيين العراقيين وأقليات أخرى إلى الخارج، وعاشت الأطياف التي بقيت ضغوط القلق وحالات الارتياب وبعضها تحول إلى وقود في أتون معركة بدأت ولا يعرف أحد متى تنتهي.
نموذج العراق، من الممكن لا سمح الله، أن يتكرر في مجتمعات أخرى، إن لم يتم الإلحاح على فكرة حق الآخر في أن يكون مختلفا. هناك ضابط مهم لهذه الحرية: احترام حق الاختلاف مع عدم التجاوز السلبي على أي طيف من الأطياف. في تاريخ القلق العراقي، وقبله المصاعب التي مر بها لبنان، كان القاسم المشترك هو محاولة طرف الاستقواء، ومحاولة الأضعف عدم الخضوع. هكذا يبدأ الصراع. بين من يرى أنه أفضل ومن يجزم أنه الأفضل والأرقى والأنقى. عندما تجمع المصالح المشتركة بين الأطياف، يتوارى الاختلاف، وتعلو قيمة تبادل المنافع بكل ما تحمله العبارة من معان. ليس القصد مسألة بيع وشراء، بل تعايش ضروري كامل يجعل الافتقار إلى هذا الطيف أو ذاك ذا تأثير سلبي.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي