دراسة: الأمن الغذائي الخليجي يعتمد على الاهتمام الجدي بالقطاع الزراعي
قالت دراسة علمية حديثة إن تحقيق القدر الأكبر من الأمن الغذائي لدول مجلس التعاون الخليجي، يتطلب الاهتمام الجدي بالقطاع الزراعي والتركيز على الحلول الداخلية لإنقاذ الزراعة كترشيد استهلاك المياه والتدريب المكثف للفلاحين وتبني الطرق التكنولوجية الحديثة في الزراعة التي توفر نسبة مياه كبيرة، إلا أنها تتطلب بصورة أكبر تبني سياسات زراعية تكاملية مع الدول العربية.
وأشارت الدراسة التي أعدها المركز الوطني للدراسات تحت عنوان "الإنتاج الزراعي العربي ضرورة خليجية" إلى أن العديد من المختصين والباحثين يعتقدون بلا جدوى المراهنة على تطوير القطاع الزراعي في البلاد الخليجية، بل يعتقد البعض بضرورة تغيير النظرة تجاه هذا القطاع من قطاع إنتاجي يساهم بنسبة متواضعة في الناتج المحلي إلى قطاع تابع أو مرتبط ويخدم القطاعات الأخرى. ويدخل ضمن مدخلات التكاليف الخاصة بتكاليف القطاعات كالقطاع السياحي والخدماتي.
وأضافت أن حماية الأمن الغذائي تفرض العمل على ترابط المصالح العربية وفتح الأسواق والتبادل والتداخل بين اقتصاديات دول مجلس التعاون الخليجي وبينها وبين الأسواق الزراعية العربية الضخمة.
وهنا تؤكد كثرة من الدراسات أن تعميم هذه القناعة سوف يخلق ذلك الاتجاه الاقتصادي الطبيعي السليم والمتمثل في تخصص دول المجلس من خلال سياسة الميزة النسبية لكل دولة في القطاع ذات التكلفة الأقل، كذلك سوف تؤدي هذه السياسة إلى عقلنة المواقف السياسية من خلال تشابك وتداخل المصالح الاقتصادية بين الدول العربية وخاصة بين الدول ذات الندرة في الإنتاج الزراعي والدول العربية ذات الوفرة في الإنتاج الزراعي.
وتؤكد الدراسة على ما ورد في الاستراتيجية الزراعية الخليجية الموحدة التي تطالب بإنشاء ودعم المشاريع المشتركة الزراعية لتحقيق التكامل الاقتصادي والتشابك الإنتاجي والتنمية المشتركة التي ترتكز على المبادئ التالية: تناسق برامج التنمية الزراعية المشتركة مع المجهودات الذاتية لكل دولة، وتهدف هذه الاستراتيجية إلى تحقيق التكامل الزراعي بين دول المجلس عن طريق التنسيق بين وسائل وأهداف التنمية الزراعية المشتركة من ناحية أخرى، وهذا يعني تنسيق الجهود الذاتية ودعمها بمجهودات مشتركة مكملة وليست بديلة لها. وترتكز هذه السياسة على الاستخدام الأمثل للموارد الطبيعية المتاحة وبصورة خاصة مياه الري عن طريق تكثيف وترشيد المجهودات الذاتية والمشتركة في مجال استكمال مسوحات واستكشاف هذه الموارد وقيام الاستثمار فيها، كذلك العمل على تحقيق أعلى مستويات ممكنة من الاكتفاء الذاتي في سلع الغذاء الأساسية المتاحة وإمكانيات تطوير الإنتاجية فيها التي تؤكد مقدرة دول المجلس على تحقيق مستويات عالية من الاكتفاء الذاتي من الخضراوات وبعض الأسماك وإنتاج البيض واللحوم والدواجن والألبان، كما تؤكد هذه السياسة دور القطاع الخاص في الإنتاج الزراعي وفي المجالات المرتبطة به والمكملة له كمدخلات الإنتاج وتسويق وصناعة المنتجات الزراعية، وأن تقتصر الدولة (القطاع العام) على الاستثمارات الزراعية في المجالات والمراحل والمناطق، يعجز القطاع الخاص عن دخولها، وتوفير التدفقات المالية، وأن يتم ذلك بصورة مؤقتة إلى حين توفير الظروف الموضوعية لتغطية هذه الاستثمارات من قبل القطاع الخاص.
وبشأن المعوقات التي تواجه القطاع الزراعي، تقول الدراسة إنه يمكن تلخيصها في التالي: العوامل الطبيعية: كمساحة ونوعية الأراضي الزراعية والمناخ والموارد المائية التي تعتبر من أهم المعوقات الطبيعية التي تواجه الزراعة الخليجية، فندرة المياه كانت ومازالت أكبر معوق للتوسع الزراعي الأفقي والرأسي، وكذلك تعتبر التربة وهي الطبقة السطحية المفككة من سطح الأرض التي ينمو عليها النبات وما يحتويه من عناصر مغذية للنباتات أحد المعوقات المهمة للتنمية الزراعية ولكنها بدرجة أقل حدة من مشكلة ندرة المياه نظرا لقدرة الوسائل الحديثة لمعالجة التربة في تخفيض تأثيرات ذلك.
كذلك العوامل البشرية إذ إن هناك ندرة في العنصر البشري سواء من حيث الكم أو الكيف في القطاع الزراعي نظرا لما تعانيه دول المنطقة من اختلال الهيكل العمري للسكان وارتفاع نسبة سكان الحضر والمدن وقدرة إغراءات الحياة الحضرية من جذب قطاعات واسعة من السكان وهذا ما دفع إلى تزايد درجة الاعتماد على العمالة الوافدة، والعوامل الفنية كالأساليب الفنية والتكنولوجية الحديثة كالميكنة الزراعية وطرق الري و المخصبات للتربة والأصناف والسلالات ذات الإنتاجية العالية ونظرا لعدم الاهتمام الجدي بكل ذلك وخاصة المجالات الرحبة في هندسة الجينات، أيضا هناك معوقات التسويق الزراعي، إذ تتصف الأجهزة التسويقية في دول المجلس بالحداثة وضعف المبادرة والمقدرة على دراسة السوق ومعرفة ما يتوافق ورغبات المتعاملين فيه مما يؤدي إلى ضعف الصلة بين قطاعات الإنتاج والاستهلاك ويحول دون قيام هذه الأجهزة التسويقية بأدائها بدرجة عالية من الكفاءة، إضافة إلى أن نظام الحيازة الزراعية وتفتتها والتباعد الجغرافي بين مواقعها تجعل صغار المنتجين في موقف العاجز من تحمل التكاليف الباهظة لنقل وتخزين وتوزيع منتجاتهم إلى مناطق الاستهلاك التي تمنحهم أسعارا مجزية، وبالتالي يضطر المنتج إلى البيع في أقرب سوق إليه، ومما يجعل نصيب المزارع من السعر النهائي ضعيفا جدا هو وجود عدد كبير من الوسطاء الذين يتداولون السلعة الزراعية حتى تصل إلى المستهلك النهائي، كذلك المعوقات التمويلية وذلك بحكم اعتماد القطاع الزراعي بصفة أساسية على مختلف الأجهزة والوزارات والمصارف الزراعية المنتشرة في مختلف الدول العربية والخليجية، غير أن هذا التمويل ينصب في المقام الأول على القروض الإنتاجية، أما القروض لمرحلة ما بعد الإنتاج فلا تهتم بها أنظمة إقراض المصارف الزراعية الحكومية، وعلى المنتج الزراعي أن يؤمن رأس المال العامل من موارده الذاتية أو من البنوك التجارية الوطنية، وترتب على هذا الأمر تزايد حصة الدين في رأسمال مؤسسات الإنتاج الزراعي.
ويرى بعض الباحثين أن هذه المعوقات وخاصة المستقبلية سوف تفرض على دول التعاون الانتقال إلى استراتيجية زراعية أخرى متوازنة، ويقصد بها ضرورة تبني استراتيجية زراعية خليجية – عربية تكاملية، ويعتقد هؤلاء الباحثون أن وجود استراتيجية زراعية خليجية تنطلق من البعد العربي كصمام أمان مضمون كفيل بخلق أمن غذائي مضمون للمستقبل بعيد عن الحساسيات السياسية الراهنة بين الدول العربية.