الحلم اللاتيني بوحدة تقوم على الغاز
يعمل ثلاثة من قادة أمريكا اللاتينية في خطة لنقل الغاز بين بلادهم، وهم يرونها أكثر من خطة عمل اقتصادية. وإنما حلم للتكامل الإقليمي، وتحقيق حضور أفضل على الساحة الدولية والاستقلال عن الأسواق المالية العالمية.
الرئيس الفنزويلي هيوجو شافيز، أكبر مشاكس لسياسات واشنطن، وصف الخمسة آلاف ميل، التي يمتد عبرها مشروع خط الأنابيب، بأنه نموذج على تآكل النفوذ الأمريكي لدى جيرانها في الجنوب. وأضاف أن الدعم الذي لقيه المشروع من الجيران الكبار في الأرجنتين والبرازيل يعتبر عاملا إضافيا جعل البعض يصفه بأنه أول محاولة جادة لسبك وحدة اللاتينيين على أسس اقتصادية.
لكن رغم ذلك، فإن المشروع لا يزال بعيدا عن التحقيق وتواجهه العديد من المتاعب ابتداء من توفير التمويل البالغ 20 مليار دولار، إلى حسم القضايا البيئية، والتوفيق بين المصالح المتنافسة والمتعارضة أحيانا بين دول القارة. ولهذا يرى بعض المحللين أن المشروع بدلا من أن يسهم في تقوية الدعاوى الأيدلوجية ربما أصبح آلية للكشف عن نقاط الضعف والخلافات بين الدول المشاركة. قرارات الرئيس البوليفي الجديد إيفو موراليس بتأميم صناعة الغاز في بلاده تضررت منها البرازيل بداية، وهو ما يشير إلى المتاعب المنتظرة.
الخطوط العريضة تشير إلى أن الخط يمكن أن يبدأ من بورتو أورداز، جنوب شرقي كاراكاس ثم يمتد جنوبا إلى البرازيل وينتهي عند الأرجنتين مع احتمال لمد فروع إلى كل من الأورجواي وبوليفيا. وأصبح الحديث عن المشروع ممكنا بسبب التغيير في المناخ السياسي خلال السنوات الخمس الماضية حيث شهدت الدول الرئيسية الداعمة للمشروع انتخابات رئاسية جاءت برؤساء مهتمين بالتكامل الإقليمي وتقليل الاعتماد على الخارج.
الرؤساء الثلاثة شافيز الفنزويلي، لويس أناسيو لولا دا سيلفا البرازيلي ونيستور كيرشنر الأرجنتيني وعدوا بالعمل على تسريع تنفيذ المشروع، إذ إن لديهم مصلحة حقيقية في تقدمه، لأنه يقع في صلب اهتماماتهم السياسية والاقتصادية. ففنزويلا تود التوسع في تصدير منتجاتها من الغاز الطبيعي، والأرجنتين تعاني من ارتفاع في الاستهلاك المحلي، مما أدى إلى تراجع في صادراتها من الغاز، والبرازيل التي تعتمد على بوليفيا لإمداداتها بمعظم احتياجاتها من الغاز تتوقع مضاعفة استهلاكها منه بنهاية هذا العقد، ولهذا تبحث عن مصادر إمدادات أخرى.
المشروع يمثل تحديا ماليا وهندسيا لتصميمه النهائي الذي يحتاج إلى فترة سبع سنوات. ورغم توفر الإرادة السياسية ومعها المساندة الحكومية للتمويل، إلا أن هناك قضايا أخرى تحتاج إلى معالجة وعلى رأسها التحدي البيئي. فخط الأنابيب المقترح يمر عبر منطقة الأمازون، التي تعتبر مهدا لنحو 25 في المائة من الفصائل النباتية المعروفة عالميا وبعضها نادر الوجود، هذا بالإضافة إلى وجود مجموعات من السكان المحليين، الأمر الذي يجعل من أي مشروع تنموي يمر بتلك المنطقة يشكل تهديدا بيئيا لها.
وجاء الإعلان عن المشروع مفاجئا للمجموعات البيئية إذ لم يسمع عن نقاش علني بخصوصه قبل لقاء الرؤساء الثلاثة، ولهذا لا يستبعد أن قيام بعض العراقيل تجاهه. ويذهب بعض المتشككين إلى القول أن الرؤساء الثلاثة سيخوضون انتخابات رئاسية أخرى قبل نهاية العام المقبل، لذا يمكن اعتبار حماسهم الحالي للمشروع في إطار حملاتهم الانتخابية.