النية واختلاف الأقساط يبيحان التأمين التعاوني ويحرمان التجاري

النية واختلاف الأقساط يبيحان التأمين التعاوني ويحرمان التجاري

أكد الشيخ الدكتور سعد بن ناصر الشثري، عضو هيئة كبار العلماء واللجنة الدائمة أن الشريعة الإسلامية جاءت بتحصيل وتكميل مصالح العباد، وأن هذه المصلحة ربما لا تظهر في بعض الأحيان لبعض الناس، وأن الواجب على المسلمين أن يردوا كل ما يحتاجون إليه إلى الكتاب والسنة.
جاء ذلك في المحاضرة التي ألقاها أخيرا في جامع الدخيل في حي الشهداء في الرياض بعنوان "التأمين"، وأوضح فضيلته في محاضرته أن التأمين هو أن يدفع الإنسان أقساطاً بحيث إذا وقع له حادث وجب على المدفوع له أن يدفع للمؤمن مالاً بحسب الاتفاق، وهو على قسمين:
1) تجاري : وهو أن تأخذ مؤسسة أو شركة من المؤمن مالاً على أن تدفعه له عند الحادث، وقد صدرت بتحريمه فتاوى من اللجنة ومن المجامع الفقهية، وسبب التحريم :
أ ـ احتواء العقد على ربا؛ لأنه يدفع مالاً ثم يأخذه متفاضلاً بعد مدة.
ب ـ احتواؤه على قمار، فالإنسان يدفع ماله يقيناً ولا يدري هل يأخذ ماله أم لا؟
ج ـ احتواؤه على الغرر.
د ـ وفيه أكل لأموال الناس بالباطل، فشركات التأمين تأكل أموال الناس دون مسوغ شرعي ولا تدفع إلا النزر اليسير.
هــ فيه بيع دين بدين، فالمؤمن يدفع ماله على أقساط مقابل مال مؤجل سيأخذه، وأجمع العلماء على تحريم بيع الدين بالدين .

التأمين التعاوني
وأبان أن القسم الثاني من أقسام التأمين هو التأمين التعاوني (البدلي) وهو أن يجتمع مجموعة يدفعون أموالاً فإذا حدث لأحدهم حادث أخذ المبلغ المدفوع، وهي حاصلة في الصناديق الخيرية لبعض الأسر أو الأحياء، وقد صدرت القرارات من عدد من المجامع بإباحته، ودليل ذلك: أنه تعاون على البر والتقوى، وقد وردت النصوص بالأمر بذلك من الكتاب والسنة.

وتطرق فضيلته إلى الفرق بين التأمين التعاوني والتجاري فقال إن الفرق يكون في المقصد والنية، فالتجاري مقصوده الربح والتجارة وفي التعاوني التعاون والتكافل.
كما أن التأمين التجاري يكون الدفع فيه بالاتفاق والأقساط تتفاوت مع عدم اختلاف الدافعين بخلاف التعاوني فالمدفوع ثابت من قبل الجميع .
وقال إن العوض المدفوع في التجاري حسب الاتفاق وفي التعاوني حسب الضرر.
وأسهب في الحديث عن الفرق حيث قال: إن العوض في التأمين التجاري يكون على الضرر وغيره كالأخبار السارة، مثل أن يؤمن على فوز فريقه الرياضي، والتعاوني تدفع حسب الضرر.
كما أن التجاري ما فاض فيه من الأموال أخذته شركة التأمين بخلاف التعاوني فإن الباقي يعاد إلى المؤمنين.
فشركات التأمين التعاوني قائمة على الاستفادة من العائد الاستثماري على أموال المؤمنين لا على الربح منها وأخذ ما زاد منها.
التأمين على رخصة القيادة
وأثار فضيلته مسألة : التأمين على رخصة القيادة أو السيارة :
بالنسبة لابتدائها يفرق فيها بين التعاوني والتجاري، فالأول جائز والثاني غير جائز، وهل لولي الأمر الإلزام بالتأمين؟ الأظهر عندي جوازه؛ لأن تصرف الإمام على الرغبة منوطة بمصالحهم، والإمام مؤتمن على الرعية، ولأن الشريعة جاءت بسد الذرائع، والإلزام بالتأمين لضمان حصول حقوق الخلق, ودفعاً للمفسدة الكبرى بالمفسدة الصغرى.
فإذا كان الإنسان لا يرى جواز فعل ما فألزم به الإمام فهل يلزمه ؟ الأظهر أنه يلزمه؛ لعموم الأدلة الآمرة بالسمع والطاعة، ولأن الاجتهاد في مثل هذه المسائل موكول إلى الإمام وحكم الحاكم يرفع الخلاف.
وهل يجوز أن يعزر بالمال؟ فيه خلاف والجمهور على عدم جوازه، لكنهم اتفقوا جميعاً على أن الإمام إذا اجتهد وحكم به فهذا يرفع الخلاف ويحكم باجتهاده.
فإذا قرر للإنسان أن يأخذ مال التأمين لتوفر سببه ولأنه أمن طاعة لولي الأمر فهو أحد رجلين : 1 ـ من يرى مشروعية التأمين فلا إشكال في جواز أخذ مبلغ التأمين. 2 ـ إذا كان لا يرى مشروعية التأمين فقد اتفقوا على أنه يستحق أخذ ما دفعه من الأقساط وما دفعه المعتدى عليه، ولكن الزيادة فيها خلاف، وهو مندرج في مسألة أن يحكم الحاكم بخلاف ما يرى المحكوم عليه, وهو ثلاثة أنواع :
1) أن يخالف دليلاً أو بينة فلا يحق له.
2) أن يخطئ القاضي في الحكم لأن الشهود مثلاً كانوا زوراً فلا يجوز عند الأئمة الأربعة .
3) أن تكون مسألة اجتهادية فيجوز له الأخذ ؛ لأنه لو حكم عليه لدفع فلو حكم له جاز له الأخذ، وعليه يجوز للمؤمن أن يأخذ مبلغ التأمين بشرط أن يقابل مقدار الضرر الحاصل عليه دون زيادة.

التأمين الصحي
كما تحدث فضيلته عن مسألة : التأمين الصحي :
أن يدفع الشخص أقساطاً على فترات بحيث إذا حصل عليه أمراض يقوم المؤمن عنده بعلاجه.
وهو على ثلاثة أنواع :
1) أن يكون التأمين عند شركة طبية مباشرة كمستشفى أو مستوصف يدفع لها الشخص الأقساط، وهذه المسألة مركبة من خصائص الإجازة العامة والخاصة, والأجير العام هو ما عقد معه عمل وليس على زمن، والأجير الخاص بالعكس، مثال الأجير الخاص السائق في البيت ومثال الأجير العام الخياط.
فهل المستشفى أجير عام أو خاص؟ من جهة العمل هو أجير عام؛ لأنه يعالجك، ومن جهة دفع الأجرة هو أجير خاص، واجتماع العقدين غير جائز عند الجمهور، وأجازه بعض العلماء، والأظهر عندي جواز الجمع بين خصائص كل منهما.
2) أن يكون هناك مؤسسة صحية تعالج المؤمن وتتكفل بأن تعالج المؤمن إذا لم يكن نوع العلاج موجوداً عندها. وهذه أيضاً مسألة خلافية: فإذا كان هذا العلاج عند المؤسسة الأخرى أمراً تابعاً جاز.
3) أن تكون هناك مؤسسة مالية ليس عندها علاج وإنما تتكلف بالعقد من جهات التأمين ففيه تفصيل : إن كان التأمين تجارياً لم يجز وإن كان تعاونياً جاز.
ويشترط في كل ما قبل بجوازه شروط العقود العامة من العلم بالمعقود عليه وبالمدفوع.

الأكثر قراءة